نساء: نبدأ من أجواء التصوير بزي مغربي أصيل، هل هي تجربة أولى مع لباس له تظاهرة قفطان، وما الذي تحتفظين به تفاصيل من يوم مع حضارة بلد ومن خلال أزيائه؟
دليدا خليل: أنا أعرف أن حضارة المغرب عميقة وواسعة الأفق، وليس من السهل الاطلاع على كل تفاصيلها بشكل كامل. لكن هذا يغذي ميولي للاهتمام والغوص في مساراتها المتنوعة، ومسيرتها الطويلة والممتدة في تاريخ الحضارات العريقة. سلوك الشعب هو أيضا جزء من هذه الحضارة، وإلا كيف يمكن تفسير الطيبة والاصالة والاخلاق العالية في تعامل الشعب المغربي الشقيق، إذا لم تكن حضارته قد أثرت في بناء سلوكه؟ إذن، كل المحفزات متوفرة لدي لزيارة البلد، بل صار عندي إصرار للاقتراب من عاداته وتقاليده بشكل مباشر. القفطان المغربي، جزء من الجاذبية التي تملكتني تجاه المغرب أيضا، وقد شدني إليه منذ فترة، خصوصا وأنه من التصاميم العربية التي مازالت تحافظ على خصوصيتها و جمالها و سر أناقتها، وبمناسبة ارتدائي له في هذا اللقاء، سوف لن تكون المرة الأولى والأخيرة لارتدائه. أنا أحببته ( بالزاف )
_مواهبك تتعدد بين التمثيل والغناء والرقص. أيهم يحقق إشباعك الفني؟ وما الذي يستحيل العيش دونه؟
_ تعدد المواهب في شخصية واحدة ليس أمرا سهلاً على الإطلاق، وقد أراد الله لي أن أحمل في ذاتي طاقات متعددة، وقد سعيت جاهدة للتعبير عنها وإبرازها بالشكل اللائق، وعبر وسائل تعكس شفافيتي وثقافتي، وخبرتي وبصمتي الخاصة. مقابل هذا التنوع في مواهبي، يبقى التمثيل هو الأساس الذي يتأسد على مسيرتي وحياتي عموماً. أكثر من ذلك، أعتبره القاعدة التي انطلقت منها نحو مجالات أخرى على سبيل التنويع والتعبير. أنا أعتبر أنه من الجميل جدا أن يعطي المرء لكل طاقة في داخله حقها في البوح، والكشف عن أسرارها وخباياها.
إذا خيرتي للإبقاء على واحدة منها، لمن ستنتصرين؟
سوف أتمسك بالتمثيل كونه منزلي الأول والأساس، ولن أتخلى عن جميع الانجازات التي حققتها من خلاله.
_ ظل تاج ملكة الجمال 12 عاما فوق رأسك، سوف لن أسألك على لحظة اللقب، بل عن اللحظة التي لم يعد فيها التاج من نصيبك، كيف كان إحساسك؟
كان لي الشرف الوصول إلى تاج ملكة جمال شمال لبنان، وهي المحافظة التي أنتمي إليها بالعائلة والمشاعر. أذكر أن لحظة التتويج كانت من الانتصارات التي عززت طاقتي في بداية مشواري تحت الأضواء، ورسمت مساراتها في ذاتي. في هذه المحطة التي خرجت فيها إمكاناتي للعلن، وجدتني أمام مسؤولية كبيرة تفوق سنوات عمري، لكن بإصرار كبير ومسؤول كنت على قدرها، بل بكل ما لدي من حب وطاقة و حيوية و طموح. لذلك، اللحظة، التي سلمت فيها التاج، بعد كل هذه السنوات الطويلة، كانت أشبه من نقل الأمانة من فوق رأسي الى ملكة جمال جديدة، وهكذا، كان اللقب الجمالي من المحطات المهة جداً في حياتي، لا، بل هو شرارة العطاء الأولى.
كيف كان برنامجك الاجتماعي والإنساني وأنت ملكة الجمال؟
بطبعي أميل إلى العمل الإنساني ليس من خلال اللقب الجمالي، بل منذ الطفولة كان لي هذا المغناطيس، ولاشك أن الخير الصامت أفضل بكثير من التباهي بأي مبادرة أمام الرأي العام. أومن بأن العطاء يجب أن يخرج من القلب والعقل في آن واحد، أي أن يكون إيمانا قبل يتولى العقل رسم خططه. في هذا الإطار، لي رضى تام على أدائي لمهمتي على أكمل وجه، وأنا مستمرة في هذا المسار لأنه غير مرتبط بلقب جمالي، إنه إنساني محظ.
قربينا من طفولتك وشبابك، هل من سر فيهما؟
منذ الطفولة أحمل في داخلي خليطا من الأسرار والذكريات السعيدة والأليمة، فالحياة مراحل وتجارب ومواقف تترك بصمتها في شخصيتنا. وبفعل ذلك، تساهم مراحل العمر في بناء الرؤية والكيان بحسب طبيعتها، ولا يسلم من ذلك المشاعر الإنسانية وكأننا في مغامرة شاقة، البقاء فيها للأكثر صمودا وصلابة. هنا أعترف أنني جمعت باقة من كل مرحلة مررت بها، وتعلمت من تفاصيلها، وخاطبت الحاضر والمستقبل بلغة الماضي مع تطوير لهجة الخطاب، كوني أتجه بشكل مستمر نحو التجدد، ولا أقف في دائرة محددة الأطراف حتى لو كانت أليمة.
الشخصية نتاج بيئة ومحيط مؤثرين، ماهي الأشياء، ومن هم الأشخاص الذين أثروا في بناء ملامح شخصيتك الأولى؟
من البديهي أن يكون لأسرتي الوقع الأكثر تأثيراً على شخصيتي، وتحديداً أمي التي وضعت حجرها الأساس، وكانت ومازالت السند الحقيقي الذي أومن بصدقه، إن شفافية همسات أمي تأخذني إلى طفولتي وكأنها رصيدي في الحياة، وقوة حضوري إنسانة قبل أن أكون فنانة.
تحدثت، في لقاء سابق، عن كيف كنت تصلين لشفيع البصر حتى صرت تبصرين، إلى أي حد أنت مؤمنة ببعض الطقوس والاعتقادات التي تتفوق على العلم والعلماء كما استنجت من كلامك؟
قدرة السماء تفوق كل إمكانيات وعلوم الأرض. أجل أؤمن أن الله لن يتركنا في دائرة المعاناة، ولا فريسة للمرض ولا الخوف. إن رب الخير لن يمنحنا سوى الخير.
كبر اسم دليدا دراميا في عدة أعمال، مسلسل “سر” واحد منها. برأيك، هل التنوع يقوي حضور الفنان، أم أن توزيع الطاقة على أكثر من مجال يضعف سيرته؟
التنويع يعزز حضور الفنان إذا عرف كيف يوزع طاقته على أكثر من مجال، وإذا لم يكرر نفسه ويتطفل على اختصاص لا يملك موهبة التعاطي معه. بالنسبة إلى تجربتي الشخصية كنت الفنانة، وعطائي شامل وغير محدود، والأهم أنني حصدت تقدير الناس وهم أفضل حكم على أي تجربة فنية أو إبداعية.
في أي محطة درامية أحسست بأن انتمائك لقبيلة الفنانين إضافة لهذا الحقل، وأنك لم تخطئي الطريق؟
الانتماء لعالم الفن لم يرتبط بمحطة لأن ثمة جذور له راسخة في وجودي إنسانة، والعمل في مجال الدراما كان امتداداً لهذه الموهبة التي طورتها وعززتها. بل أحياناً، كنت أتجاوز حدود ذاتي لأداء مهمتي باعتبارها رسالة كبيرة.
بسبب كورونا توقف كل شيء، وتضرر الفن والفنان حتى بتنا نسمع بالتبرع لإنقاذهما، كيف دبرت وتدبرين هذا الوضع الذي لم يعد عابرا كما كان متوقعا؟
صدقا أقول: أنا لم أرضخ لكل هذا الجمود، ولا لحالة القلق اللذين اجتاحا العالم وأوقفا حرية الناس. لقد اتكلت على الله، حتى أني صورت وغنيت، هذا يجعلني أقر: يستهويني العوم عكس التيار.
هل فعلا ما فعله الوباء هو ما فعلته الحروب وأنت ابنة البلد الذي عمرت فيه الحروب طويلا؟
أنا أبنة بلد تحمل الكثير من الأوجاع والأزمات، آخرها انفجار مرفئ بيروت. الكارثة التي تركت جرحا في قلبي، لكن ثمة مشيئة سماوية ترعى شعبنا وأرضنا، إذ ينهض دون توقف من تحت الركام. كورونا، الانفجار..كل هذا ونعود بإيمان أكبر لعلنا نحظى بالغد الأفضل.
كل فنان وفنانة لها قدوة فنية، بمن تأثرت؟
بكل صراحة هناك مدارس كثر بالنسبة إلي على المستوى اللبناني و العربي التي لفتت انتباهي إعجابا، لكني كنت حريصة في قلب هذا الإعجاب على تأسيس خصوصيتي، ويظل كل فنان أصيل، يخدم رسالته وإبداعه قدوة لي دون شك.
نفس اللبنانيين يستمر مع كل ضربة حرب أو إرهاب، مع ذلك يواجهون الموت بالحب، كيف تجيدين هذه المعادلة؟
معادلة صعبة، هذا أكيد، لكن حين نواجه الحرب بالحب ننتصر. وفي لبنان، المحبة أنقذتنا من الهلاك.
الدراما اللبنانية حركت الراقد في الدراما العربية كما فعلت السورية في فترة سابقة، هل يمكن أن نتحدث اليوم عن منافسة بين سوريا ولبنان وتركيا دراميا؟
لكل دراما خصوصيتها و شعبيتها حتى لو كانت هناك منافسة و سباق نحو كسب الجمهور. وأعتبر أن الدراما اللبنانية عادت الى الانتعاش كما هو حال السينما التي دخلنا معها الى المهرجانات والجوائز الدولية. ما يهم الآن، أن الثقة بأعمالنا باتت عالية، والأعمال العربية المشتركة ضاعفت من هذا الإيمان ومن قدرة الممثل اللبناني.
نزلت إلى ميدان الثورة كما كل جميلات لبنان، حتى سمى البعض الثورة أنثى، ماذا كان هاجسك وأنت بالساحات؟
أنا آمنت، وأومن بإرادة التغيير، لأن الهدف هو وطن أفضل للجميع. بالطبع وجودي في ساحات الثورة كان عفويا ونابعا من شعور وطني بحت وصادق الى أبعد حدود.
سؤال: ما الذي تحتفظين به من هذه التجربة خصوصا وأن ظهور جميلات لبنان في الساحات جعل الكثير من التعاليق تستحضر: كوني جميلة ولا تصمتي؟
صدقا، التجربة كانت ممتعة على المستوى الذاتي، لأن الهدف هو وطن وليس أي شيء آخر. و بصراحة، كل العناوين تسقط أمام مصير ومستقبل بلدي، لأن لم يكن وفياً لأرضه لن يحمل الخير في نفسه للآخرين
سؤال: ما هو العمل الدرامي الذي بصم أكثر مسيرتك الإبداعية؟
الدراما مدرسة، ترك كل فصل منها بصمة خاصة في شخصيتي، وكأن التجارب تأتي لصقل الموهبة وإضافة نكهة الخبرة والاندفاع إليها. كل هذا يجعل إحساسي عاليا بكوني تعلمت من كل الإنجازات التي قمت بها ومازلت أتعلم حتى الآن، لأن الفن ليس نزهة، بل كوكب إبداعي من الصعب خوض مغامراته دفعة واحدة.
بين الجمال والحظ والعمل بما تؤمنين أكثر؟
أومن بالإرادة والذكاء والاتكال على الله، لست دمية كي أعتمد على الشكل الخارجي في مجال يتطلب موهبة وطاقة وعزيمة. الجمال وحده لا يكفي، والمطلوب هو الجوهر قبل كل شيء.
سأقف قليلا عند الجمال، كيف تحافظين عليه جزءا من اهتمامك بمستقبلك؟ نريد “روتينك” الجمالي.
الجمال ليس مستقبلي ولا هو ضامنه، بل موهبتي هي الأساس والمستقبل. ومثل أي فتاة وامرأة، أنا مهتمة بممارسة الرياضة، وتناول الأطعمة الصحية، والنوم مبكرا في حال لم يكن لدي موعد عمل متأخر، كما لدي ثقة في الأساليب البسيطة، مع بعض التقنيات المتطورة لتنقية البشرة. لذلك، أجد حياتي خارج نطاق الروتين، ولا يوم يشبه آخر، لكن المشترك بين كل يومياتي هو الرياضة.