اخترت الاقتراب من مواضيع صعبة كتيمة لفيلمك على الهامش، لماذا هذا الاختيار والاقتراب من الهامش الذي يتحول إلى مركز ومحرك التغيير؟
و «علاش لا؟»، الاتجار بالأعضاء البشرية هي ظاهرة موجودة، ليس ضروريا ان تكون ظاهرة منتشرة، ولا يجب على كل حال ان يتم استغلال البشر لأغراض تجارية.
في الواقع لدي حساسية تجعلني اقترب من القضايا المسكوت عنها، ومن الشخصيات التي توجد في الهامش، ولا تتمتع باي فرصة لإبراز صوتها ، في الغالب ليس لديها القدرة على إسماع صوتها بحكم ظروفها الثقافية الاقتصادية الاجتماعية فتستشعر بان حقوقها مغتصبة. انا منجذبة كثيرا لهذه الشخصيات المهمشة المقموعة، التي لا تستطيع والتفاوض والتعبير عن نفسها ، وهي شخصيات موجودة في المجتمع المغربي. كنت اطرح تساؤلات ولا ازعم تقديم اجوبة او حلول لمشاكل وإشكالات مجتمعية كبيرة.
دعيني أخبرك ان المحرض الاول على كتابة هذا الفيلم كان رؤيتي بشكل مستمر لإحدى المتسولات في الشارع مرفوقة بطفلة طوال اليوم، في «الشمس في الشتا»، وكان من السهل ان اخمن انها ليست ابنتها بالتأكيد ، بل يتعلق الأمر باستغلال بشع لطفلة صغيرة جدا. ومن هنا طرح لدي سؤال الحب، كيف وصلت تلك الطفلة إلى هناك؟ اليس لديها بيت وعايلة تخاف عليها، اليس لديها احد يحبها ؟ماذا لو كانت هذه الطفلة تحظى بالحب، هل كان من الممكن ان تتغير حياتها ؟
من هنا نحتت شخصية ياسمين الشخصيّة الرئيسية في الفيلم، ولو ان فيلمي ليس عن الحب، لكنه يشرح ماضيها كطفلة لم تتلق الحب الأساسي الذي يجعلها تحب نفسها اولاً، فحب الوالدين والام تحديدا، هو المحرك الذي يجعلنا نحبب انفسنا ويحدد المستقبل .
بدأت الفيلم من هذه العلاقة وتشعبت القصص بعدها، تطرقت لشخصية الأم التي كانت قاسية على ابنتها، لظروف كثيرة كانت هي ايضا ضحيتها، يشبه الأمر سوال البيضة والدجاجة.
كنت قاسية على الام في الفيلم بحيث تم تقديمها في دور قاسي وصعب جدا؟
احاول ان افهم الشخصية لكن هناك حدود ، لا يمكن ان تعطي الحب وأنت لم تتلقاه، كانت الام قاسية جدا على ابنتها، وهناك ضحايا واتساع لدائرة البيدوفيليا، ويجب ان يكون هناك نوع من المحاكمة الرمزية، وان كنت لا أحبذ هذه الكلمة، تدور مجمل احداث الفيلم حول فكرة ما نحكموش بل نفهموا الناس، شخصيات محرومة من الحب وتعيش على الهامش ، نفهم ونناقش بعدها ونتساءل ، أليس لدينا جميعا مسوولية في ذلك؟.
لماذا ثلاث قصص متوازية؟ ربما كان من الأفضل سينمائيا رواية قصة واحدة؟
هذه القصة هي ما حتم علي أن أرويها بهذه الطريقة، كنت أشتغل على شخصية «ياسمين»، كيف ولماذا أصبحت تعيش حياة التشرد، وفي سياق البحث عن ذلك كان لابد من المرور على شخصيتى الأم والأب، ثم شخصية سعاد التي كانت تعيش أيضا حالة صراع مع أمها، لكن القصة الجامعة هي قصة ياسمين وياسر ومنها تشعبت القصص وفرضت نفسها على الاحداث. بدات من شخصية ياسمين وياسر الذين يجمعهما حب حقيقي وسط كم من العنف والبوس، ثم شخصية عزوز وسعاد التي ترمز إلى نوع من السخرية و الحمق ، «تيتلاحو لأشياء ماشي ديالهم»، ونفهم من خلال الأحداث السبب المحرك، فهي ترغب في ارضاء الام باي شكل ، في البحث عن الشهرة المال اً و السلطة والغرض في النهاية هو الحصول علي حب الام التي لم تحصل عليه.
من كتابة سيناريو القصة الى اخراجها، ماذا يبقى وماذا يسقط وهل هي عملية انتقال سهل؟
ليس سهلا على الاطلاق، يلزمك قدر مهم من الالهام في مرحلة الكتابة، وما شاهدناه في الفيلم قد يكون النسخة 40 لما كتبته في البداية.
تكون الفكرة هي الأساس في البداية وتتطور تدريجيا، حتى تصل لمرحلة «هذا هو الفيلم». هناك نسبة من الرضا، فلا يوجد فيلم كامل، و لا يوجد كتابة كاملة، ربما يلزمني سنوات إضافية لكي أرضى، كلما تطورت كشخص، كإنسان تتطور أفكاري، بالتالي حين أنظر اليوم الى السيناريوهات الأولى التي كتبت أرى المسافة التي قطعت كمخرجة وكاتبة.. هناك نوع من النضج الذي كان عندي حينها، واليوم هناك نضج من نوع آخر، وربما بعد سنتين او اكثر سأرى الامور بمنظور آخر.
تنتقلين من الكتابة الى الاخراج، ومن الاخراج للتلفزيون إلى السينما، ما الذي يروى القصص بشكل افضل؟
السينما تمنحك فرصا أكبر للإبداع، هامش حرية اكبر لدى الفنان المبدع، بينما في التلفزيون انت محكوم بمجموعة قواعد في الكتابة والإخراج.
تكتب لجمهور معين ضمن إطار معين، فليست جميع القصص تروى وبأي طريقة، هناك رقابة ذاتية ودفتر تحملات وهو أمر طبيعي ضمن قنوات عمومية.هناك قصص مهمة نكتبها بإلهام، ولكن نحكيها بالتزام وقوالب، ليس لديك هامش تعبير حر كما في السينما.
لذلك قدمت مشهد قبلة في الفيلم ؟
لم يكن مشهدا مجانيا، بل كانت القبلة رمزا و تعبيرا تلقائيا وطبيعيا عن الحب بين شخصيتين، انصهار الروح والذات، بعد تضحية قدمها طرف للطرف الآخر. للأسف كثيرون وقفوا عند مشهد القبلة ولم يقفوا على الموضوعات المعالجة، زنا المحارم، الاتجار بالاعضاء، والبدوفيليا وهو ما يجب أن يستوقفنا وما يجب أن يحظى بالنقاش.فزنا المحارم لازال ضمن المحظورات، و 80 بالمائة من الحالات تحدث داخل الأسرة والعائلة ويتم التستر عليها، كيف يمكن لطفلة أن تشعر بالأمان وسط عائلة يفترض أن تحميها، وهي تتعرض للعنف مرات لأن الجاني لا يتعرض للعقاب.
تكرر مشهد الطفلة الخائفة طيلة أحداث الفيلم كخيط ناظم وخلفية للأحداث ..
الطفلة التي لم تعش طفولتها، لم تفرح، ظل لديها حزن دفين، تم اغتصابها من طرف والدها، ولم يتم حمايتها، لم تشف، رافقها كل ذلك ولم تستطع أن تحقق أي نوع من المصالحة، حتى عرفت الحب، و وجدت من ضحى من أجلها وتبرع بقلبه، حينها تستطيع أن تعيش جسديا نفسيا ورمزيا أيضا.
اليوم هناك عودة مهمة للجمهور الى القاعات السينمائية، لكن لمشاهدة الكوميديا أي قراءة يمكنك تقديمها للجمهور الذي أصبح يفضل الضحك عوض أفلام سينمائيةمن نوع آخر ؟
برأيي يهرب الجمهور الى الكوميديا لكي ينسى مشاكله وهمومه، ولا يرغب في رؤية ما يصدمه، أو يشوف فيه راسو…
السينما يجب أن تكون ترفيهية أيضا، لكن يجب أن تتعدد الخيارات، لكي يستطيع ان يحلل يفكر ويناقش ولا يظل متفرجا على الحياة المجتمعية، بل فاعلا، ولكي يحصل ذلك يجب أن يشاهد أفلاما تحرض على التفكير و طرح الأسئلة. مع الاحباطات وصعوبة الحياة وغلاء المعيشة، يفضل الناس مشاهدة أفلام ترفه عنهم ، لقد أخذنا كل هذا في عين الاعتبار، وكان
التحدي بالنسبة الي كان هو تقديم فيلم درامي بمشاهد قاسية، وبنفس الوقت مطبوع بنوع من الخفة من خلال كوميديا سوداء، متنفس يستوعب من خلالها المتفرج المواضيع الصعبة المطروحة سينمائيا.
يطرح الفيلم مشاكل زنا المحارم واستغلال الطفلات، ما مدى قربك من الموضوعات المطروحة، وهل هو انشغال شخصي ؟
تشغلني قضايا استغلال الطفلات بشكل عام، هي واحدة من الانشغالات التي أحملها كانسانة وكمبدعة، لن ينتهي الأمر مع عروض الفيلم بالقاعات وضمن المهرجانات، لا أريد أن يظل الفيلم حبيس القاعات، و سأنظم ندوات وموائد مستديرة لدى الجمعيات والمؤسسات لكي يصل الفيلم لأكبر نسبة من الناس : يبسط ويصبح متاحا للنقاشفكلما تم فتح قنوات النقاش، كلما ابتعدنا عن الطابو والمحرمات. .