«ذاتي دروك».. السعادة رقصة جسد

راودتها الفكرة منذ خمسة عشرعاما وبقيت تنتظر منافذ وحاضنين لتحقيقها دون أن تتوقف عن تطويرها كفكر ة. منذ ستة أشهر فقط انطلقت كمشروع يشتغل على الرفاه الذاتي والجماعي من خلال الرقص المعاصر، اسمته «ذاتي دروك»، في كلمة دروك أي “الآن” بلسان سكان المناطق الشرقية دعوة مستعجلة لتركيز السعادة في الرقص، مشروع لا تتنازل فيه عن مقاربة دمقرطة الجسد في مجمل المجالات المحاطة بمطلب الدمقرطة، وهي جزء من أهداف تجملها في عنوان كبير: البحث عن الرفاه العام عبر الرفاه الخاص.

بطريق زعير، الحي الراقي بالعاصمة الرباط، توجد مؤسسة عناية، فضاء تأسس سنة 2011 لدعم المشاريع التربوية والاجتماعية، خلال هذه السنة وجد مشروع «ذاتي دروك» مكانا له في فضاء مؤسسة تتقدم ساكنة زنقة آيت اعتاب. وسط فيلات تنعم بصمت شبيه بخلوة التعبد، تنثر سليمة مومني٬ أستاذة ومصمة الرقص وصاحبة المبادرة٬ فلسفتها كما ولو أن الرقص ماء الحياة. الإيمان يحتاج إلى عقيدة تستحق التعبد من أجلها، وهي اختارت الرقص عقيدة بالمفهوم النفسي لا الديني كي توطن الفرح في الجسد الراقص. فرضت فلسفتها على ذاكرتي استرجاع ما قاله مولانا جلال الدين الرومي «كل الطرق تؤدي إلى الله وأنا اخترت طريق الرقص» حين طرقت باب الاستقبال في مكتب بالطابق الأرضي لمؤسسة «عناية»، المظهر يوحي بزهد المريدين وقناعتهم التي تنسجم مع من يختلي بنفسه كي يعبأها بالتوازن، حافية القدمين إلا من جوارب تخفي ساقين برشاقة ومرونة تيس الجبال، «بدأت الرقص في عمر الخمس سنوات، كنت أرقص دون تكوين، فقط أرقص إرضاء لميول داخلي، وكنت أسأل والدي متى يفي بوعده لي بإدخالي مدرسة للرقص « الكلام لسليمة مومني ونحن متوجهتان إلى قاعة دروس الرقص ، حتى التفاصيل في الممرات المؤدية إلى محترف لا يتجمل فيه الجسد إلا بالحركات، محشوة بلمسات إبداع كفيلة بغسل ما يحدث في الخارج من تشوه وتشويه للجمال. من قاعة الروبرتاج لا تسمع حديثا مسترسلا يذيب الصمت، بل تسمع أصوات حركات راقصة على أرض مزلاجة تتسع لأول فوج من مبادرة «ذاتي دروك». 

تصوير : عبد الرحيم عناق

الهجرة نحو الذات 

توقف خالد عن الدراسة في مستوى الباكالوريا دون أن يتوقف جسده عن معرفة طريق سعادته ومستقبله، أحب المسرح فأطلق لحبه اللجام ليمتلئ من خشباته وحتى من فنون الشارع، البحث عن الفن يكاد يترجم بحثه عن ذاته، وفي قلب هذا الشغف وجد في إعلان «ذاتي دروك ضالته. تكوين مهني في الرقص الحديث لمدة ثمانية أشهر فرصة حقيقية : تسجلت في أول فوج من هذه التجربة وأنا متيقن بأن هدفي هو القضاء على الوقت الفارغ، قناعة هي وليدة ما يتداول في أوساطنا عن كون ممارسة موهبة ما ترتبط بالوقت الثالث، لكن بالنسبة لي، صار الرقص يشغل الوقت كله منذ تركت مدينتي أكادير وجئت إلى الرباط، خلال الممارسة اكتشفت أننا نسينا كيف تصل الروح إلى سعادتها عندما أوقفنا هذا الإحساس على الماديات وتجاهلنا سعادة أجوائنا الداخلية التي لا تقاس بالمادة فقط. «يمكن للسعادة أن تكون رقصة جسد تحرره من قيد قد يكون أفكار ذاتية٬أو ثقافة مجتمع …» شهادة خالد القادم من خشبة مسارح الشارع ومن أكادير إلى الرباط العاصمة كي يتكون مهنيا في الرقص المعاصر، لم تبعد الهدف المهني عن الهدف الروحي، موقف أعادني إلى وجهة نظر علماء الأنتروبلوجيا٫ هؤلاء لا يرون في الرقص مجرد تعبير عن الفرح، كون ممارسته تمتد إلى علاقة بطقوس العبادة والتقرب من الآلهة والإعلان عن الحرب والألم والموت تماما كما تعبيره عن السعادة. ومن مظاهر حضور الرقص في تجارب الحياة، قرع الطبول والرقص على إيقاعاتها إعلانا للحرب عند بعض الشعوب التي تشتغل على انسجام الرقصة مع سياق الظرفية «حزن فرح»، مما يعني أن لكل مقام حركة، حسب تفسير المهتمين بالمجال. 

«يضمن الرقص الرفاه الشخصي والجماعي و الإحساس بالتضامن وتقبل الآخر في ميولاته المختلفة على كافة المستويات: جنسية، دينية، اجتماعية .. الكل هنا «كيف كيف» درس من دروس التكوين جاء على لسان مهندسة هذا المشروع الكاليغرافي: سليمة مومني، وهي تؤكد أن كل طلبة «ذاتي دروك» يحفظون هذا الدرس عن حب يشبه حب ذواتهم. المرونة الفائقة كانت سيدة الروبرتاج، مرونة الجسد والأفكار والنقاش أيضا الذي اخترنا أن يكون على شاكلة مائدة مستديرة فوق الأرض. كل موهبة مقتنعة بأهمية التأهيل الأكاديمي، ودوره الذي يجمع بين العناية بالجسد والروح، واكتساب ثقافة فنية موضوعها الرقص. قناعة تفرض مؤسسات متخصصة وتعطي لهذا الفن مكانته مهنيا، انسجام الذاتي والموضوعي لا يمكن إلا أن يقدم فضاء سعيدا ومواطنا إيجابيا.

تصوير : عبد الرحيم عناق

تأجيل وانخراط

 “زهير” شاب عشريني، أجل إتمام سنته الأخيرة من الدراسات الجامعية قسم لغة إنجليزية بعد أن تصادف مع إعلان «لجسدي دروك»، اعتبر موضوع الإعلان فرصة تستحق تأجيل سنة تخرجه الجامعي ومغادرة مدينته خريبكة نحو الرباط. كان زهير من ممارسي فنون الشارع: بدأت الرقص في مكان لا يمكن أن تكون فيه سعيدا: الشارع، حيث نظرة المحيط لهذه الممارسة مجردة من أبعادها الفنية وتؤثر سلبا على مزاج ممارسيها لما فيها من تنقيص لها، رقص الشارع لا علاقة له بالأكاديمي، والفضاء العام لا علاقة له بصالة تحترم قيمة الفن وأبعاده، وتحرم إنسانيتك بتقديم ما يساعد ميولاتك الفنية. هنا، عندما ترقص تحت دروس أكاديميين تشعر بالسعادة الحقيقية المرتبطة بالشطيح» بالعامية، منذ البداية كنت أعرف ماذا أريد بهذه الخطوة: «نطور راسي». 

السؤال عن السعادة من ممارسة فنية يعود بنا إلى بنات أفكار زهير ورده بالمختصر: «كنت ساكن في خريبكة وجيت للرباط من أجل الرقص باش تعرفي قمة السعادة». 

بين اعتباره بريستيجا والارتقاء به إلى مرتبة الضرورة الملحة، تنحث سليمة المومني من خلال “ذاتي دروك” صخر القناعات لتحويل الرقص من مجرد هواية إلى ثقافة ومهنة، المسلك إلى ذلك تكوين مهني يعزز من قيمة هذه الممارسة في عالم الشغل أيضا. ولأن الثقافة تبنى وتتطور بوجود أطر ومختصين ومؤسسات تشرف عليها، تصر المومني على أن الانتقال بالرقص من مجرد ممارسة محتشمة إلى دراسة أكاديمية سيوحد الرفاه الذاتي ورفاه المحيط. 

 فراغ من الداخل

أسية، واحدة من طلبة الفوج الأول من «ذاتي دروك»، جاءت من الدار البيضاء لتقيم في إقامة المؤسسة من أجل أن ترقص هي أيضا، عالم ليس غريبا عنها٬ فقد كانت ترقص «البريك دانس» ذو الجذور الأمريكية والمعروف بحركات أكروباتية باعتباره رقصا رياضيا. لم يكن للصدفة دخل في اختيارها للرقص المعاصر، بل إحساسها بستريس العمل كان وقودها للبحث عن الحل، «رغم استقراري مهنيا كنت أشعر بموتي من الداخل، ولأعالج هذا الخلل بدأت أرقص في قاعات رياضية في ساعات ليلية إلى أن تصادفت مع مشروع «ذاتي دروك»، لم أتردد في قرار التوقف عن العمل والالتحاق بفرصة كنت أعرف بأنها ملائمة لحالتي وستمكنني من التكوين في مجال يضع الجسد في المفكر فيه، هنا عرفت ذاتي واكتشفتني أكثر». 

 تحتاج الموهبة إلى الدراسة الأكاديمية لتعزيز قوتها، ضرورة غير متاحة بشكل واسع في المغرب بالنسبة للرقص المعاصر، فراغ عززه أيضا غياب كلي لمدارس متخصصة لا تبقيه في حضانة الشارع ، الحضانة التي تسيئ لكن رغم واقع «الهنا» المتنكر لأهمية التعليم في بناء ثقافة الرقص، لم تحبس الشهادات أهمية السعي خلف السعادة الداخلية عبر الانخراط في مبادرات ذاتية، بل من خلال الإشباع الأكاديمي. 

تصوير : عبد الرحيم عناق

الممرض والراقص

يشتغل ممرضا ويعتبر مهنته مجالا رحبا لاختبار السلوكات الإنسانية بين الناس، في نفس الوقت مهتم بالرقص ممارسة ويبحث عن برامج للعلاج بالحركة، يعرف جيدا أن الجسد يخزن الصدمات التي يمر بها في حياته، ويعرف أن علاجها ممكن وكائن. «كل الصدمات يخزنها العقل كما الجسم أيضا، الأخير يصاب بتشنج ينعكس على المزاج، و النقص في الرعاية، في الحب، في الثقة.كلها صدمات يخزنها الجسد كما يخزن روتين العمل في مناطق معين فيه، بدوري عانيت من هذه الوضعية، عندما اكتشفت الرقص اكتشفت، في نفس الوقت٬ العلاج بالحركة، من هذه الزاوية اشتغلت على الصدمات المخزنة لمعرفة ماذا حدث بسببها في جسدي. في «ذاتي دروك» الجسد هو محور الاشتغال من التاسعة إلى الخامسة في كل موعد للتكوين.. أي علاقة الجسد بصاحبه و بالفضاء وبالمحيط الاجتماعي وعلاقته بالآخر» يقول أنس الذي اعتبر أن العمل يحول الفئة النشيطة إلى آلة، وأن اختياره للرقص كان هروبا من قبضة التحول إلى آلة، وأن الممرض استفاد من الراقص: “عندما تفهم أثر الحركة على الجسد تعرف كيفية التعامل مع المريض.. طريقة الرعاية تتغير وفي « ذاتي دروك” كأني أسمع يوميا نقرا على إيقاع حياتي: لديك عشرة أشهر للإنصات إلى ذاتك” يقول «أنس» الذي لم يشبع من ترديد: لازلت أحاول الجواب على أسئلتي عبر الرقص وقد صار ملهما لي في مهنة التمريض.

صناعة الفرح ليست عملية صعبة عندما يفكر فيه كثروة كائنة في كل واحد فينا٬ بعيد عن الماديات٬ ملتحم بالروح٬ قريب من المتناول المجاني الذي لا يتطلب إلا إرادة الرفاه الداخلي المتحكم في الرفاه العام٬ هكذا أعادت “ذاتي دروك” هيبة الجسد في التكوين المهني واعتباره مصدرا للسعادة عندما يصير مادة للرقص المعاصر أكاديميا٬ قناعة جعلتها تحقق حلمها في أن يصير الرقص المعاصر مهنة لها أكاديمية للتأهيل والتخصص لا مجرد فن في الشارع وتلتصق به نعوت التقليل من ممارسيه. وجهة نظر تلتقي مع رأي «جانا» صاحبة مبادرة «جينا دانس» مدرسة ومصممة للرقص : «لماذا ننظر إلى رقص الآخرين باحترام وإعجاب ونسيج رقصنا بالرخص بالرغم من أن الأداء هنا وهناك يقدم نفس النتيجة: السعادة ولماذا لا يتم السماح بفتح مدرسة للرقص مستقلة عن صالات الرياضة ولا تختفي خلفها؟».

شهادات

مونية من سلا 

عندما حصلت على شهادة  الماستر في اللغة الانجليزية السنة الماضية كنت أحاول البحث عن عمل في سوق الشغل، في نفس الوقت أرقص الهيب هوب كهواية ذاتية، لكن لم يسبق لي رقص الرقص المعاصر. عندما قرأت إعلانا إلكترونيا عن إطلاق مبادرة تكوين مهني في هذا الرقص، لم أتردد في التسجيل بحكم أني كنت أفكر في تدريب جدي ومنظم، الجمع بين ما هو ذاتي عبر الاشتغال على الذات من خلال الجسد وبين المهني  فرصة محفزة وأول تجربة في المغرب. 

كان من المستحيل إضاعتها، مدة  التكوين تبدأ من  صباحا الى الخامسة مساء، خلالها ينطفأ دماغي عن التفكير الذي أعاني من زيادته حسب فحوصات طبية، كل ما يشغلني تعبئة الطاقة الايجابية التي آخذها معي ويتأثر بها محيطي العائلي أيضا . ذاتي دروك  

BIG EXPERIENCE 

تصوير : عبد الرحيم عناق

ياسين من طنجة 

من طنجة إلى الرباط، تلخص رحلة عشقي للرقص. حتى أني أوقفت مجال تخصصي في التنمية كي أستفيد من هذه المبادرة المهنية والذاتية، أكيد أن الاستجابة لها مثير وهو أن السعادة في الرقص لا يمكن قياسها وأن الربح فيها هو الذات، الإحساس بالطاقة الايجابية  في ممارسة مهنية مهم . وأعتقد أن الانسان صار كئيبا لأنه لم يعد له من هدف يحارب من أجله. 

«ذاتي دروك» مبادرة لا يمكن أن تتوقع تكرارها او حدثها بين يوم وليلة،  الفرصة لا تفوت وإلا لما وجدنا 18 طالبا من مختلف المغرب «تلاحوا» أمام أساتذة رقص عالميين من أجل هدف: سعادة مهنية وذاتية. 

 

تصوير : عبد الرحيم عناق

كريم من غينيا 

خريج المعهد الوطني للمسرح منذ سنة، والان في «ذاتي دروك» كفاءات لفن الرقص المعاصر. بالصدفة وجدتني في مجالين فنيين لأن تخصصي في الباكالوريا كان العلوم التقنية والكهربائية، أعتبر هذا التوجه جاذبية داخلية  تحكمت في مسارك، النفس تهوى وأحيانا لا ندرك كيف نخرج هذا الهوى في اختياراتنا. .. دماغي وجسدي يرسلان لي رسائل تجعلنا مرتاحا، وأعتقد أني أترجم نفسي في الحركة وعبرها أجد سعادتي ..حتى أني لا يمكن أعبر أكثر من التعبير بالرقص . 

أعلنت كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني عن تنظيم الدورة التاسعة "للجائزة الوطنية لأمهر الصناع".
بعث صاحب الجلالة الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الراحل عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي ومدير القصور والتشريفات والاوسمة السابق، الذي توفي مساء الاثنين عن عمر يناهز 91 سنة.
قبل يومين من اجراء قرعة بطولة كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة "المغرب 2025"، التي ستستضيفها العاصمة الرباط، كشف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، امس الإثنين، عن الشعار الرسمي للنسخ الخمس القادمة من كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة التي ستجرى بالمغرب، مؤكدا على ان نسخة 2025 ستكون تاريخية، إذ ستشهد لأول مرة في تاريخ المسابقة مشاركة 24 منتخبًا، في خطوة تعكس تطور البطولة وزيادة شعبيتها عالميا.