د. هاجر لمفضلي : الجمال الأنثوي بين «الصراع الرمزي» و «المعايير المعولمة» و «التكلفة الاقتصادية»

مع التغيرات الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي المعاصر، والمرتبطة أساسا بحركية مهمة في سوق الشغل، أصبح الاهتمام والعناية بالجسد جزء من تقدير الذات والتواجد في المجال العام.. تقدم هاجر لمفضلي أستاذة علم الاجتماع، قراءة للجمال الأنثوي باعتباره «رأسمالا ثقافيا» يحدد الهوية، ويؤثر في التواصل والحياة اليومية، بنفس الوقت تقربنا من ما وراء الاختيارات والقيم الجمالية للمغربيات حيث يكمن «الصراع الرمزي» و «المعايير المعولمة» و «التكلفة الاقتصادية».
د. هاجر لمفضلي باحثة متخصصة في سوسيولوجيا الجندر والجنسانية السيبرانية

كيف يمكن قراءة علاقة النساء بالجسد والحرص على امتلاك صورة معينة للأناقة والجمال ؟ 

إن الجمال الأنثوي، قيمة أساسية يتم تنشئة الفتيات عليها، باعتباره «رأسمال ثقافي» يحدد الهوية، ويصير مكونا فعالا في التواصل والحياة اليومية، كما أنه عامل أساسي «للجذب» أو «الإقصاء»، أي أنه يتحول إلى قيمة جنسية، مرتبطة بالإغراء وبذل الجهد لضمان الاعتراف الاجتماعي…

هنا نؤكد على أهمية العلاقة بين المجال العام والخاص، أي أن هذا التقسيم الاجتماعي الذكوري، الذي ظل يعتبر المكان «الطبيعي» للنساء هو المجال الخاص، ترسخ في اللاوعي الجمعي، وجعل التمثل في المجال العام، مرتبط بنفس التمثلات، أي هناك صعوبة ثقافية في الفصل بين استعمالات الجسد الأنثوي وتواجده بين الخاص والعام. 

لكن لا يجب تجاهل التغيرات الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي المعاصر، المرتبطة أساسًا بحركية مهمة في سوق الشغل، والتي تستدعي اهتمامًا بالجسد وفق شروط «مقبولة» تحددها المؤسسات… كما أن الاهتمام والعناية بالجسد هنا، تصير جزء من تقدير الذات والتواجد في المجال العام.. هذا إلى جانب الدور الأساسي لتنامي الخطاب الطبي، بما يرتبط به من تغذية ورياضة… فصارت العناية بالجسد الأنثوي متعددة الأوجه ومنفتحة ومستمرة في الزمن. 

كيف يمكن أن يساهم المنطق الاقتصادي في صناعة قيم وثقافة عن الجمال والموضة والأناقة ؟

يعمل المنطق الاقتصادي على الاستثمار في الجسد، بناء على التجربة الحسّية، وهنا تصير ثقافة الاستهلاك محددا أساسيا في هوية الجسد، بحثا عن «الصورة المثالية» لجمالية الجسد وفق معايير معولمة، تساهم في ترسيخ التمركز حول الجسد، للحصول على الصورة «النموذجية» للمرأة الجميلة، وفق منطق الصناعة، أي أن قيمة الجمال هنا تتحول إلى مسار قائم على التجربة والسعي المستمر إلى التجميل. ومن هنا يصير الجسد الأنثوي موطنا لاستثمار الشركات الرأسمالية الكبرى، في أشكال جديدة من الأبيسية، التي تفصل بين ما هو مادي وما هو رمزي، لأن الهدف الأساسي هو ربحي، بل ويتحول الجمال الأنثوي إلى أيديولوجية ذكورية، تجعل النساء تابعات وخاضعات للهيمنة الرأسمالية، كبنية منفتحة. 

ولعل هذا المنطق، يعمل على تشكيل مخيال اجتماعي، يعيد ليس فقط بناء صورة الجمال الأنثوي، بل ويعمل على إعادة هندسة العلاقات الاجتماعية والثقافية بين النساء والرجال، ومختلف تفاعلاتهم الممكنة. ليبعث هذا المخيال بقيمة إشباع الرغبات الجسدية ، وفق تلاشي العلاقة بين العالم الفعلي والممكن وبين العالم اللاواقعي-المتخيل، حتى أن قيم مثل الحب والسعادة والرضى تصير مرتبطة بثقافة الاستهلاك، وتوفير مستلزمات يصنعها المنطق الاقتصادي، على أنها حاجيات معولمة، تطلبها جميع النساء، بالرغم من مختف انتماءاتهن الجغرافية والطبقية الممكنة. 

تحمل الكثير من اتجاهات الموضة والجمال حمولات ثقافية دخيلة، ما تأثير ذلك على الهوية خاصة في زمن التواصل الاجتماعي والمنصات الشمولية؟

إن وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد اليوم مجرد وسائل تضمن وظيفة التواصل الاجتماعي، بل هي اليوم سلطة جديدة، تجعلنا نفهم العالم اليوم بشكل أعمق. 

وبالنسبة لي، فأنا أتجنب بشكل كبير، اعتبار أن هناك حمولات ثقافية «دخيلة» على مجتمعنا، وأعتبر الأمر  معقدا جدا من الناحية العلمية، ويصعب إثباته… فالعلاقة بين الجديد والقديم معقدة، لأنها علاقة مركبة وغير قائمة على القطيعة، بل هو نفس الجسد يعيش التهجين والتعدد. 

ربما الجديد هو انتقال الاستهلاك إلى نزعة استهلاكية، وخلق «صراع رمزي» لا ينقطع، من أجل البقاء والتواجد ضمن صيحات الموضة، وعدم تجاوزها… 

من هنا يتحول الجسد الأنثوي إلى هندسة حياتية، تعمل على تنميط النساء، وفق معايير محددة، تعمل على ترسيخ ثقافة «الهوس»، وكأنها «حرب باردة» عابرة للحدود الجغرافية. بل حتى الخطاب الطبي أصبح مندمجا ضمن هذه الصناعة من خلال التشجيع على التجميل، وضمان الشباب ما أمكن ذلك للبشرة، وبالتالي فالخطاب الطبي-التجميلي اليوم، يعمل على صناعة التمييز بين فئة النساء أنفسهن، لنصير أمام تمييز هجين، متعدد الأوجه، لا يقوم فقط على أساس النوع الاجتماعي، وإنما كذلك، بين مختلف الفئات العمرية للنساء، وبين المرأة البيضاء والسوداء… من خلال التشجيع المستمر على تشبيب البشرة وضمان بياضها، خصوصا على مستوى الوجه والعضو الجنسي، على إثر استعمال مجموعة من المستحضرات أو الأدوات أو التقنيات.

وتلعب ما يعرف ب «المؤثرات»، دورا مهما في الترويج، مما يجعلنا اليوم أمام مهن نسوية جديدة، تعمل على ضمان حركية النساء من «الهامش» إلى «المركز الرقمي»، وتحقيق مكانة اجتماعية وموارد مالية، وفق سوق منفتحة تتضمن الجديد الدائم، وبالتالي تجربته، للحصول على نتيجة جمالية أفضل، على أساس أن الاستمرارية هي جزء أساسي من الحصول على «الجسد الحلم» كسلطة رمزية تمكن من نزع الاعتراف الاجتماعي، وضمان حياة أفضل. 

هذا إلى جانب عالم «الفلترات»، الذي يساهم بشكل كبير في ترسيخ هذه الثقافة المعولمة، والتي تعمل على فتح عالم من الإمكانيات التي كانت غير ممكنة، وبالتالي تتلاشى العلاقة بين الممكن واللاّممكن، هذه المنطقة التي تصير مكونا أساسيا في الهوية، بل وقد تعمل على المساهمة في تعقيد المعنى، وتُنتج «أزمة الهوية»، حتى على المستوى العلائقي بين النساء والرجال، وبالتالي يعمل الأمر على توسيع مساحات الصراع القائم على النوع، على أساس أن هذا التجميل في تمثل بعض الرجال هو عالم من «الزيف» و «الوهم». 

كيف أصبحت أناقة النساء والفتيات مكلفة ماديا ومعنويا ومثقلة بحمولات ثقافية ؟

إن العوامل التي تحدثنا عنها، المرتبطة بالنزعة الاستهلاكية، جعلت الجمال الأنثوي، تكلفة مالية، ورأسمالا اقتصاديا عند الشركات الرأسمالية، وباعتباره علامة للانتماء إلى «عالم النساء المعاصرات». فتحول كل من الجمال والأناقة إلى سلع أساسية، تستدعي موارد مالية، ولها مدة صلاحية، وبالتالي فهي تتطلب التجدد والحفاظ على الاستمرارية. وبالتالي فالنزعة الاستهلاكية، تساهم في ترسيخ القلق من المستقبل، والتأكيد على أهمية الحاضر والعبور المؤقت، سعيا إلى الإشباع، القائم وفق المنطق الرأسمالي على منطق التسويق، وبالتالي يحلّ الجديد محلّ الاستمرارية. 

حين نتحدث عن النزعة الاستهلاكية في استهلاك الجمال الأنثوي، فيعني ذلك أن هذا الجمال صار خاضعا للمنافسة والإفراط والتبذير، ويصير حلم «الجمال الكامل» محط مفارقة أساسية، تتمثل في كونه يصير موضوعا للرغبة في الوفرة، وفي نفس الوقت عاملا في اللايقين، بل ويمارس العمل قلقا، لأن العديد من المستلزمات التجميلية تحتاج المزيد من الأموال، وبالتالي يتطلب الأمر البحث عن موارد مالية جديدة، نصير معها أمام دورة استهلاكية، لها تأثيرات على مجموعة من المؤسسات بما فيها الأسرة، كما لها تأثير مهمة على العلاقات والهويات والأدوار الجندرية.

أعلنت "سامسونج للإلكترونيات" عن توسيع مجموعتها من الأجهزة المنزلية الذكية في المغرب، بتقديمها أحدث تقنياتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي تعزز راحة المستخدمين وتوفر حلولًا أكثر كفاءة واستدامة.
 يحتفل "OVILLAGE"، المشروع التجاري المبتكر الذي طورته "Yasmine Immobilier"، بعامه الأول بعد نجاحه في تحويل موقع صناعي قديم إلى مركز تجاري حديث يجمع بين التسوق، الثقافة، الفن، والترفيه في بيئة آمنة ومتجددة.
هل أتاك حديث تعديلات المدونة، أم «نشرحها ليكم أنا...» على رأي الأغنية التي صار يحفظها المغاربة عن ظهر قلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى.