عدا الحديث عن الخيارات الاستراتيجية والجريئة، وعدا الاهتمام بقضايا كل أطياف المجتمع من التعليم للمساواة للتعبئة الاجتماعية من أجل التنمية، وعدا الحضور الدولي في ملفات متشابكة واستراتيجية، استطاع جلالة الملك محمد السادس، أن يلفت الأنظار والاهتمام
بحضوره الإنساني وقربه من الناس، صوره باللباس الكاجوال، تشعل مواقع التواصل الاجتماعي وأخبار تحركاته وهواياته تسيل مداد الصحف عبر العالم.بعد خمسة عشر سنة من اعتلائه العرشالعلوي المجيد، يواصل جلالة الملك في تكريس أسلوبه في القرب من الناس ليكون بحق الملك الإنسان.
بدون إجراءات بروتوكولية، بدون حراسة أمنية، كثيرا ما فاجأ الملك محمد السادس، المغاربة بالتجول بسيارته الخاصة في شوارع المدن التي يزورها. لقد أصبح أسلوب محمد السادس، وخرجاته غير الرسمية مثار الاهتمام في الداخل والخارج، كما أن أسلوبه في اللباس أو هواياته وذوقه وحرصه على التواصل مع الناس، أصبح مادة دسمة للإعلام الاجتماعي والتقليدي والمنتديات، بل مصدر إلهام للشباب في كل العالم.
في آخر زياراته الرسمية للجمهورية التونسية، راجت مقاطع فيديو وصور تظهر الملك وهو يتجول في أحد الشوارع الرئيسية للعاصمة، ولم تمر الصور التي أشعلت صفحات التواصل الاجتماعي دون أن تستفز الكثير من ردود الفعل المرحبة جدا، عناوين كثيرة ركزت على الجولة التي قام بها الملك مرفوقا بولي العهد وشقيقه في الأحياء التونسية، من قبيل محمد السادس ملكا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الملك يحول زيارته لحديث عالمي، أو الملك الذي نزع التاج بتونس الخ، بداية كتبت جريدة السفير اللبنانية عن جولات الملك في الشوارع التونسية، وقالت أن العاهل المغربي خطف الأضواء بعدما بدأت صوره تغزو الفيسبوك، إذ قام مستخدمون ممن التقوه في الشارع بالتقاط صور معه ونشرها وبدا فيها متحررا من البروتوكول دون مواكبة أمنية مشددة، وفسر بعض المراقبين تلك الخطوة بأنها إشارة إلى استقرار الأوضاع الأمنية في تونس، رغم الهجمات الإرهابية التي شهدتها في الأيام الأخيرة.
أضافت الصحيفة أن معظم من تداولوا صورهم مع محمد السادس على الفيسبوك، اتفقوا على وصفه بالملك المتواضع، وتظهر بعض الصور أن الملك ظل يبادل المارة التحية والإبتسامة، كما التقط صورا مع كل من طلب منه ذلك.
تعليقات كثيرة رافقت هذا الحضور والقرب الرمزي إذ عبرت سيدة تونسية، عن فرحتها العارمة بالتقاط صورة تذكارية لها بجانب العاهل
المغربي، وحكت كيف أنها شاهدته بدون تخطيط مسبق يتجول بسيارته في أحد شوارع تونس، فالتمست منه أن يقف لحظة من أجل صورة خاصة تجمعه وابنها الصغير به، لتتفاجأ بسرعة جواب الملك محمد السادس، الذي لم يُبد أي تبرم من طلب المواطنة التونسية، بل قام بإيقاف سيارته بكل هدوء، ونزل منها ليأخذ معها صورا عديدة، أمام ذهولها لأنها لم تصدق نفسها أن ملكا سيلبي طلبها بهذا التواضع والقلب الكبير.
أثارت الصور الخاصة بالملك محمد السادس، إعجاب الكثيرين في تونس، ومنهم الإعلامي التونسي نضال حمدي، الذي كتب على حسابه
إن الملك المغربي قام بدعم معنوي كبير لنا كشعب، أصبح » ، بالفايسبوك يخاف المجهول بحركته الرائعة هذه، وشكرا، لأنه دعم السياحة بما لا .« يقدر بثمن، وشكرا لأنه احترمنا زيارة الملك محمد السادس، الأخيرة وتوقيع اتفاقيات » وأضاف حمدي شراكات وعمل مع تونس، إضافة إلى حركته الأخيرة بالتجول بتحرر وبزي عادي في شارع الحبيب بورقيبة، جعلتني أفكر.. هذا الملك ذكي، وقد قام .« بضربة معلم سياسيا واستراتيجيا في ظل الأوضاع الإقليمية الحالية ليست هته هي الصورة الأولى التي تسربت عن تحركات الملك غير الرسمية قبلها وخلال زياراته العديدة لعدد من الدول، كثيرا ما راجت بعض الصور التي توثق لحضوره الإنساني واختلاطه بالناس خلال الجولة الإفريقية، أصر الملك على لقاء عدد من أفراد الجالية المغربية، صورته أثناء التبضع من محلات أمريكية أو فرنسية. جولته في الإمارات لقاؤه بالناس
والتقاط الصور برفقتهم، لباسه المخفف والقميص الشهير الذي كان يرتديه وتحوله بعد انتشار الصور لقميص رائج ومطلوب، إن هته الصور
التي تكرس الاقتراب الإنساني والابتعاد عن البروتوكول، قد قدمت الملك كملك كول حيوي وشاب، كما أن هته الصور التي ترصد تحركات الملك أو طريقة عيشه هواياته ذوقه الفني ومظهره جعلت منه أيقونة إنسانية وسط الحكام العرب.
ليست صورة الملك غير الرسمية معطى جديدا في الصورة الإعلامية التي اكتشفه من خلالها المغاربة، إذ منذ السنوات الأولى لتوليه العرش سيكتشف المغاربة الكثير من شخصية الملك، رياضاته المفضلة لباسه الكاجوال المفضل الإكسسوارات التي لا تفارق يده، سياراته المفضله اللمسة الجديدة للباس التقليدي، كما يفضله صورة، ستلهم المغاربة وتدفعهم لتقليده. اليوم يعرف المغاربة أكثر جزءا مهما من شخصية محمد السادس، يتابعون تفاصيل حسه الإنساني المرهف، مللك إنساني لا يمكن إلا أن يقطف الاهتمام والاحترام والمحبة.
صورة ملك ورمز للاستلهام
ما هو الميساج الذي يجب قراءته من ظهور الملك، الصورة لها دلالاتها السيميائية التي جعلت الاختيار يقف عند صور معبرة لهوايات الملك أو جولاته، إنه نوع من تجديد الرأسمال الرمزي وإبراز انفتاحه وقدرته على ملاءمة العصر حسب الباحث محمد الناجي، فتسويق صورة الملك كنموذج اجتماعي يمر عبر الميديا وقد اختار محمد السادس، صورة ملائمة للعصر.
إذ يختار المسؤولون عن ترويج صورته من خلال هواياته أو جولاته فئات عمرية معينة خاصة، الشباب. ويعتبر محمد الناجي، أن تحول هوايات الملك مثلا، للمجتمع وتأثر الناس بها فيه نوع من بيبوليزاسيون، أي التركيز على حياة المشاهير، وهذا لا يقتصر على الهوايات بل يشمل الحياة العائلية الخاصة ويحصل كثيرا في الغرب إذ لم تعد حياته سرا على المغاربة وفي ذلك ترسيخ في العقلية الجماعية للقطيعة مع المرحلة السابقة ومحاولة إضافية لتكثيف الملك وعصرنة النظام عن طريق المظهر.
لعب الإعلام دوره في إعطاء صورة جعلت من الملك موضوع تقليد مرغوب فيه، يؤكد عبد الوهاب الرامي، أستاذ الإعلام، وكانت البداية بمقالات مثل الملك الشاب البسيط القريب من الشعب. وبالنظر إلى الأسلوب الذي أظهره الملك، لم يكن غريبا أن يقلده الناس، فهته نتيجة منطقية لكون الملك جمع كل العناصر التي تجعل منه رمزا للاستلهام بالنسبة للكثيرين، فهو ذو سلطة ومال، منفتح وقدم نفسه ببساطة لم يكن يتوقعها المغاربة خصوصا، من ملك.
