قبل أن يكون الزواج رباطا وثيقا يجمع بين اثنين فهو ثلة من المشاعر و الأحاسيس اتفق على الحفاظ عليها من خلال مشروع الزواج، الذي تغيب كل الأحاسيس الجميلة بعده أو هكذا يبدو، ليبقى ذلك الرباط مليئا بالمسؤوليات فارغا من العاطفيات، فهل حقا يفقد الزواج الحب؟ كيف يستطيع الأزواج الحفاظ على حميمية علاقتهم بعد الزواج؟
يضع كل فرد تخمينات عديدة لمشروع الزواج والذي يعرف الأفراد من خلاله تحولا كبيرا يجعلهم يتخيلون صورا كثيرة غارقة في رومانسية لا تنتهي، و رغم أن كل فرد يلاحظ طبيعة علاقة الأزواج في محيطه إلا أنه يرغب دائما في علاقة أفضل، مميزة و مختلفة شبيهة بعلاقات الرومانسين التي يروج لها الإعلام ، إلا أن ذلك صعب التحقق فسرعان ما تخضع قافلة الزوجين لضغوطات الحياة، والتي تجعل التعبير عن الحب في اخر قائمتها، ويتخد لهذا التعبير نفسه اشكالا مختلفة فبعدما كان التعبير الشفهي الوسيلة الأبرز في التعبير عن الحب، تلك التعابير التي يتفنن فيها العشاق أو الخطاب قبل الزواج، تصير الحياة ميكانيكية و يعدو كل شيئ فيها تطبيقيا حتى الحب الذي يمارس على الفراش ولا ينطق به أو يلمس في السلوكات.
كل ممنوع مرغوب
بحكم البعد و قبل تجدر المحبة في الأعماق يسعى كل طرف قدر جهده و أكثر إلى أن يملأ معشوقه نبضه وسمعه و نظره بحبه، فإذا تملكه و حسم في أمره و صار تحت قيده و بين أضلعه، انصرف عن الاشتغال به إلى غيره، إما إلى المال أو إحدى مشاغل الحياة وأحيانا إلى امرأة أخرى صعبة المنال .
يختلف ايقاع الحب مع مرور الوقت فهو أيضا يخضع للمد و الجزر و الزوجة أول من يحس بذلك إذ تطمع دائما أن تكون نقطة اهتمام الزوج و ملهمته و محط كلماته، و ليست المرأة وحدها بل الرجل أيضا فهو يحتاج إلى جانب إسماعه كلمات الحب و الود إلى بالغ الاهتمام بأكله و فراشه و أبنائه ، و أمام هذه الاحتياجات يتأرجح نبض الحب فالحب أيضا كالإيمان يزيد و ينقص كما تقول أحلام مستغانمي. إلا أن الأزواج الناجحين هم من يستطيعون التحكم في نبضه فما هي إلا كلمات لا يدفعون مقابلها ضريبة وتزداد حلاوة حين تنطق وسط الانشغالات، وقد يتحول عدم التعبير عن الحب أو السكوت عنه إلى صدمة أو خيبة أمل فأمينة ، أستاذة تقارن ما كانت عليه علاقتهما من حرارة قبل الزواج و ما الت إليه مباشرة بعد الزواج من برود عاطفي، و تضيف ” عند دخول الحياة الزوجية كنت أعتقد أن الزواج علاقة عشق و رومانسية فيها الكثير من الحميمية و الحب، فيما بعد اكتشفت أن الحب حالة و الزواج حالة أخرى إنه مؤسسة مختلفة تجعل من المرأة والرجل شخصين يدخلان في دائرة المطالب و المهمات فالزوج الذي كان عاشقا ورومانسيا في أيام الخطوبة لم يعد يسعى إلى اسعاد زوجته حتى و إن لم يكلفه ذلك إلا بضع كلمات ” وعلى الرغم من أن طبيعة أمينة العملية تجعلها متوازنة و متكيفة مع هذا الوضع إلا أنها لا تنفي أن صدمتها بهذا التغير كانت كبيرة، على عكسها يرى هشام أستاذ الفلسفة أن بإمكان الزوجين الإبقاء على مشاعر الحب متى أرادا ذلك شرط أن يجتهدا في عدم الوقوع في اشكالية الحياة اليومية الرتيبة، و ادراك كل منهما الحاجات النفسية للاخر.
ويرى الأخصائي عبد الكريم بلحاج أستاذ علم النفس الإجتماعي أن الحب ليست له قاعدة واحدة، بحيت هناك زواج عن حب و زواج آخر يكون بداية للحب و غيرها، ولكي يكون الحب قائما و مستمرا لابد أن يسعى الزوجان لتقوية علاقتهما من خلال تكامل الأهداف وتقارب الإهتمامات، و إذابة المصلحة الشخصية في مصلحتهما المشتركة مع اجتهاد كل طرف لإنعاش العلاقة عن طريق المواقف والهدايا لتوليد الحب و إنماءه، كشرط أساس لإنجاح مؤسسة الزواج.