تنقلب حياة معظم النساء رأسا على عقب بعد مغادرة الزوج والأب والمعيل للأسرة ليترك خلفه مسارا من التيه والإضطراب والحزن وقلة الحيلة يصعب معهم الاهتداء إلى سبيل يضمن القليل من الاستقرار،… فالحاجة المادية من جهة والظروف الاجتماعية من جهة أخرى وفراغ عاطفي ونفسية متأزمة، كلها تبقى شارهة الأفواه أمام حل يستعصي حضوره.
المعاناة النفسية
تحتاج الأرملة لفترة غير محدودة لتستوعب حياتها الجديدة بعيدا عن النصف الآخر والسند القوي والحضن الدافئ قبل أن تشق طريقها لوحدها، فهي تستسلم لحزنها ودموعها وتستحضر حركات زوجها وسكناته وقهقهاته حتى أن نسبة كبيرة من الأرامل يحتجن إلى طبيب لاستعادة توازنهن النفسي والعودة للحياة الطبيعية لاستحكام الحزن على حياتهن فيما يتعالج البعض منهن مع الوقت فالمرأة العربية والمسلمة تؤمن بالقدر. ولا تستسلم له ويكفيها الوقت لترسم خريطة جديدة لحياتها.
المعاناة الاقتصادية
بعد تجاوز المرأة المترملة لأزمتها النفسية يصير جل همها هو البحث عن مصدر للعيش، فعجلة الزمن دائما في دوران ولا يوقفها موت لذا لابد لها من كسب الرهان والخروج إلى العمل كيفما كان الأمر. أما من تعودت على العمل فتستطيع خلال فترة قصيرة أن تسد ثقب الحاجة المادية وإن بصعوبة لأن اليد الواحدة لا تصفق. وأن تلعب دورين بدل دور واحد أمر ليس بالهين لكي تستطيع أن تلبي حاجاتها وحاجات أبنائها دون أن تكون عالة على أهلها أو أهل زوجها، فيما تتأرجح المرأة التقليدية القابعة بين جدران البيت بين البيوت والمعامل لتبدأ حياة معاناة أخرى جديدة تتطلب طاقة مقابل أجور زهيدة واحتياجات لا تنتهي تنعش كل المأساة بداخلها، مأساة لا تنطق لكنها ترسم ملامحها الخاصة على الجبين.
وحده المغرب والسودان خصص اللون الأبيض للمترملة فيما اتفقت البلدان الأخرى على أسود كرمز للحزن والأسى على فراق الزوج وقد خصص للمرأة هذا اللون لتختلف عن النساء الأخريات ولتعرف, لتحظى باحترام خاص مراعاة لنفسيتها إلا أن الكثيرات ينزعجن من ذلك لأنه يذكرهن بوضعهن ويحرجن بشفقة الآخرين مهما أردن التماهي مع المجتمع ونسيان الحدث.
بعيدا عن الزوج قريبا من المصائب
كثيرا ما تصدم المترملة بمفاجآت عديدة بعد وفاة الزوج بقليل كأن تظهر زوجة أخرى لزوجها أو أن تجده قد رهن كل ممتلكاته وأدناها أن تكتشف مرضه الذي أخفاه عنها لسنوات لتغرق في دوامة من المشاكل والإستفهامات لا يوقظها منها سوى الإرث العالق الذي يحتاج كثيرا من الجهد واليقظة لنزعه كما تنزع باقي الحقوق رغم الإصلاحات التشريعية المتجددة لتسوية الوضع، وقليل منهن تستفيد من حقها على أثم وجه. إنها سلسلة من الإشكالات تغوص فيها المرأة المترملة من الأزمة النفسية إلى الاقتصادية والاجتماعية فمشاكل الإرث وقسوة معاملة أهل الزوج. وبعد أن تستعيد قليلا من طاقتها النفسية وتشتد حاجتها للإحتواء وتفكر في الزواج هروبا من شبح الوحدة يقابل قرارها بالرفض، إذ يعتبر الكثيرون ذلك خيانة للزوج المتوفى وتفريطا في حق الأبناء لتجد نفسها وحيدة تجثو لحماية أبنائها وتربيتهم وفق منهج جديد يكلفها رأفتها وحنانها وصرامة الرجل وحزمه في الآن ذاته. وقصص الأرامل كثيرة لا تنتهي يتفجر منها القلب حزنا وألما.