على غير العادة في نهاية هذه السنة لم يتبادر إلى ذهني السؤال الذي اعتاد أن يداهمني كلما حلت هذه المناسبة حصيلة السنة مثلا وهل تحققت أحلام وأجهضت أماني….
ألح علي فجأة هذا السؤال : ما الذي ينقصنا حتى نكون راضين عن أنفسنا؟ هناك شيئ ناقص في حياتنا ولكن ما هو هذا الشيئ؟ الحادثة التي دفعتني إلى هذا التساؤل بسيطة أوقفني شرطي المرور بسبب السرعة قال لي: خصك تخلصي ربعميات درهم قلت ليه : قيد ليا بروصي ونخلصو في المحكمة قال : غادي ندي ليك البيرمي ومللي تجي للكوميسارية وتخلصي غادي تاخديه. ورأيت الكوميسارية والطلوع والهبوط والوقت الذي سأضيع. قلت له : لقد حدث لي أن ارتكبت المخالفة نفسها وأعطاني الشرطي ورقة وذهبت إلى المحكمة وأخرجت المطبوع الذي كان مايزال بحوزتي. هنا حدث شيئ غريب انتشل الشرطي الورقة تفحصها ثم أعادها إلي وهو يتميز غيظا أنا التي كنت معولة على استدرار عطفه رأيته ينقلب رأسا على عقب قال منفعلا: كتعطيو الفلوس غير للدولة وحنا ؟ كتسمنو الوزراء وتعطيوهم البريمات واحنا نكبو الما على كرشنا؟ استمر يتحامل على اللذين يؤدون الذعيرة في المحكمة وعلى الدولة التي تسمن على حسابهم هم الذين يسجلون المخالفات وبدل أن يذهب المال إلى جيوبهم يذهب إلى جيوب الموظفين الكبار لم أسمع في حياتي منطقا كهذا شرطي يشتغل في إدارة الأمن الوطني وبين مؤسساتهم، بين الناس وجيرانهم بدل الثقة ساد سوء النية خذوا مثلا هذا الأمر لماذا كلما انخفضت رسوم الجمارك يهرول الكثيرون لاقتناء سيارات الخارج؟ ماذا سيحدث عندما ستلغى الرسوم نهائيا؟ لن يشتري مغربي سيارة مغربية واحدة أكثر من هذا عندما ستمحي هذه الحواجز لن يشتري أحد أي شيئ مغربي لا يتعلق الأمر بجودة هذا المنتوج وإعدام الجودة في ذلك لا الأمر أكثر إيلاما. الناس فقدت الثقة في كل ما هو مغربي سياسة وفن وأدب ورياضة ومنتوج اقتصادي.
انس ما تقوم به الجماهير كرة القدم وهي حاملة الإعلام عندما يغادرون الملعب يعرجون على أحياء الأثرياء ليرموا سياراتهم بالحجارة أو ينهبون المحلات التجارية أو يخربون الحافلة التي تقلهم. انس خطاب التلفزيون نحن في بلاد تفعل فيها الباطرونا ولوبيات العقار والصناعة والمال ما تريد تصدر المراسيم وتقرر في كل شيئ ستجد أراض ممنوع أن تبني فيها إذا لم تكن حائزا على هكتار لماذا ؟ لأن أعين تلك اللوبيات ارتمت عليها وستشيد عليها مجمعات سكنية وتجد هذا الفريق البرلماني يقرر الزيادة في رسوم العجول المستوردة لأن ضيعاته تنتج عجولا ولا تريد منافسة أحد إنهم يشعرون لذويهم يؤمنون مستقبل عائلاتهم ليس إلا قد تكون هذه الأشياء غير صحيحة لا وجود لها ولكن خيالنا يذهب بنا إلى الأسوأ دائما حتى عندما يتعلق الأمر بمرض مقلق كأنفلونزا الخنازير سمعت الناس يقولون إن الدولة تكذب فنحن شعب لا نأكل الحلوف كل هذا يحدث لأننا نعيش في مجتمع ينتشر فيه الرفاه الفاحش بلا حياء بينما الأمهات يفترشن الضس أو تتقاسمن نفس السرير مع نزيلات أخريات.
الثقة تنجلي في الثقافة وليس في البرلمان في المسرح والموسيقى وليس في غرفة أو غرفتين أو ثلاث غرف برلمانية المسارح بنيات فارغة والأرصفة مليئة بجرائد تحكي الترهات وفي أحسن الأحوال تؤلب أحدا ضد أحد لأنها هي الأخرى تعلمت من أين توخز جرح الحاكمين كل ما يقال على صفحات الجرائد وفي التلفزيون والإذاعة الغرض منه إخفاء الحقائق أكثر من إعلانها في الحياة العامة وفي الحياة الخاصة الناس تتحدث ولا تقول شيئا تتحدث عن بن لادن والعراق وأفغنستان لأنها ترى منفعة في الحديث عن نفسها وحتى إذا حدث فإنها لا تعرف شيئا عن نفسها.
الحشمة والوقار والحياء وكل هذه الترهات أعذار يراد منها أن تظل الناس جاهلة تتداول أمورها النفسية والعاطفية في الخفاء تتداول أفكارها البناءة والهدامة في الخفاء لأننا مجتمعات مجتمع علني يستحود فيه القليلون حولهم ومجتمع سري يقتات على البؤس ويجمع الأحقاد يأكل من فتات الأغنياء ويتحين الفرصة ليعضها الثقة هي التي تنقص هي العقد الذي يربط طرفي المعادلة التي يقوم عليها أي يناء سوي والثقة هدية باهضة الثمن أليس كذلك؟
يوسف فاضل