فريدة بليزيد امرأة عصرية تحمي التراث

هي من الرعيل الأول لنساء الصورة، رسخت حضورها الفني من خلال أعمال انتصرت لقضايا المرأة، ورفدت مسيرتها الفنية بفيلم عن أحد أهم القضايا الوطنية : قضية الصحراء. وذلك انطلاقا من افتخارها بالانتماء للوطن، وغيرتها عليه. لم تفارقها أبدا المقاربة الدولية كصيغة اشتغال، وهي تتعرض لقضايا التعدد الثقافي أو الحرية كمبدعة متعددة الثقافات والرؤى، مع ذلك هي من أكثر المدافعين والملتصقين بالتراث المغربي الذي تشتغل عليه بنفس آخر. البساطة والصراحة أهم الصفات الإنسانية التي تتمتع بهما فريدة بليزيد المخرجة والكاتبة، التي استضافتنا في بيتها بقلب قصبة مدينة طنجة معلنة انحيازها للتراث والتاريخ المغربي وتمسكها بقضايا الناس. قبل بداية الحوار قادنا النقاش حول الأعمال المغربية إلى الجدل الذي أثير خلال رمضان عن صورة المرأة في الدراما، فكان أن بدأ اللقاء بقضية تستأثر باهتمامها.

هل تابعت الجدل حول صورة المرأة المغربية في الدراما العربية والمغربية، وهل لك حساسية من هذه الصورة، خصوصا وأنت واحدة من صناع الصورة ؟

صورة المرأة في المغرب محترمة، وأعتقد أن الدراما في المغرب قدمت صورة جيدة عن المرأة المغربية، حتى لو تم تقديمها دائما كمغلوبة وضحية، وهذه الصورة موجودة في المجتمع وفي الواقع، ولذلك قدمتها الدراما ولم تخترعها، أعتقد أن المغربية في الدراما لها حضور قد لا تتمتع فيه في مصر حيث أثير الجدل. من أي ناحية تقصدين ؟ من ناحية الشخصيات التي قدمت، خذي مثلا، عملا مثل “بنات لالة منانة” الذي كُتب كعمل مسرحي من طرف نساء، وتقدمه نساء، ثم تحول إلى عمل تلفزيوني، كلهن مثقفات حاضرات بقوة وكل ممثلة نفكر فيها لها حضورها الخاص. هل ينسحب رأيك حتى على الأعمال الكوميدية التي قدمت خلال رمضان الماضي؟ هذا شيء آخر، التلفزيون له خصوصيات وبعض صناع الأعمال الدرامية يميلون لتقديم المرأة العروبية، لكن ذلك لا يعني أن هذا هو البروفيل الوحيد بالمغرب، أعتقد أن ذلك يحدث بسبب تركّز شركات الإنتاج بالدار البيضاء والرباط ، بالتالي تقدم بروفيلات من نوع ما. السينما تبدو أكثر انفتاحا في تقديم وجوه وشخصيات مختلفة. لقد بدأنا مشوار السينما متأخرين وكان هناك وعي منذ البداية بقضية المرأة، أول فيلم كتبته كان فيلم “عرائس من قصب” وتعرض لمشكل المرأة التي تظهر عليها علامات الحمل من علاقة تمت خارج مؤسسة الزواج، كتبت كثيرا عن القانون والمدونة التي كانت غير مواكبة، وقلت دائما إن المرأة هي سابقة القانون. كان هناك وعي بهذه المشاكل من طرف المخرجين، لقد طلب مني محمد عبد الرحمن التازي، كتابة بعض الأفلام، كتبت “باديس” البحث عن زوج امرأتي، بمعنى أن حتى المخرجين الرجال كانوا يهتمون بقضايا المرأة، هذه كانت ظاهرة، لقد بدأنا متأخرين كما قلت ولكن بدأنا بوعي آخر.

هل يهتم المخرجون بقضايا المرأة لأنها قضية تضمن الجمهور؟

صحيح، لكن مع ذلك لا يمكن إنكار أن قضية المرأة عرفت بعض التحرك والتطور من ناحية الاتجاه العام في البلاد . اليوم بعد هذا العمر والنضج الفني، ما هي القضية التي تشغلك أو التي تتعاملين معها باهتمام كمخرجة امرأة؟ في الحقيقة، لقد بلغت مرحلة من العمر تتيح لي أن أرى أشياء كثيرة قد تغيّرت، كما قدمت الكثير مما أردت قوله، لن أكرر نفسي، اليوم يهمني أن نبني العالم وفيه المرأة وليس المرأة بمفردها، طبعا يسعدني أن أعاصر هذه المرحلة حيث ازداد الوعي النسوي، هناك جمعيات كثيرة وتطور مهم يستطيع جيلي أن يلاحظه عكس الشباب الذي لا يري هذا الفرق لأنه جاء في مرحلة تغيرت فيها الأشياء ولم ير المرحلة الصعبة التي سبقتها، اليوم كل امرأة تدافع عن نفسها وهي تفرض حضورها في كل مجال. أمس مثلا، وجدت امرأة متحجبة تشتغل مرشدة سياحية، هذا يعني أن المرأة اليوم، لم تعد تقف عند الحواجز، تبقي الإرادة أيضا، فهي ذات أهمية قصوى في كل هذا لأن هناك اتجاه يجر للخلف أيضا، أمس قالت لي سيدة أن إمام المسجد قال لها أن كل ما يقع في العالم سببه حقوق المرأة!!

حين تسمعين ذلك ما يكون رد فعلك؟

هذا أصبح عالميا نحن نشكل الهامش، هذا تيار لا أحد يفهمه لحد الآن، فما يحدث في العراق وسوريا، يجعلني أشعر بالانفعال. أنجزنا أفلاما وكتبنا أفلاما، لكن للأسف، إن الذين نريدهم أن يتغيروا لا يشاهدون الأفلام، بل يشاهدها فقط المتعلمون أصحاب الوعي، هذه ملاحظتي الخاصة، من الصعب أن تصل لهؤلاء الناس الذين لديهم نظرة متطرفة، مع الأسف، هناك مشكلة الوعي والشباب الجاهل لديه ثقافة محدودة ومع ذلك يفتي ويحرّم ويحلل، هذا مشكل كبير. تشتغلين حاليا على مشروع يتعلق أيضا، بالمرأة. رفقة مخرجة إيطالية، اشتغلت على فيلم وثائقي تم تصويره بالمغرب حول المغنيات التقليديات والشيخات والرايسات الخ، وسبحان الله، حين طلبت مني الاشتغال رفقتها على الموضوع كنت شبه جاهزة وأعرف الموضوع لأني طوال سنة تقريبا، اشتغلت على أفلام تسجيلية عن الموسيقى والرقص الأمازيغي، صدفة جاء هذا التعاون. في الحقيقة أشتغل دائما على التراث الثقافي والخيال المغربي، لدي قناعة أن هذا هو دوري، لا يهمني المعاصر أو الراهن لأن الجميع يهتم به، بخلاف ما له ارتباط بالتراث والذي إذا لم نهتم فيه نحن لن يهتم فيه أحد، خصوصا، الجيل الجديد.

هل انتقل هذا الاهتمام للعائلة ؟

طبعا، بطريقة غير مباشرة، لأننا منحنا الحرية لكل فرد ليصنع عالمه الخاص، لكن أعتقد أنهم تأثروا على نحو ما.

كيف تعيشين يومك، برجوازية طنجاوية أو سيدة عادية تهتم ببيتها ؟

أجمع بين الاثنين، أولادي لا يعيشون معي لأنهم شبوا عن الطوق، وبدون أبناء يتخفف البرنامج من المسؤوليات، لدي مساعدة لا تداوم بشكل يومي لأني أهتم بأموري، أتسوّق وأطبخ لنفسي، لا أخرج كثيرا من بيتي لكن في الغالب أسافر أو أصوّر أعمالي، أغيب كثيرا وحين أكون بالبيت أحاول أن أستغل الوقت في إعادة ترتيب الأشياء وهذا ما قمت فيه خلال رمضان. خلال هذه السنة، كنت أمضي أسبوعا بالبيت ثم أسافر ثلاثة أسابيع، في أحيان كثيرة أنسى ترتيب مكان بعض الأغراض المنزلية.

من هي الممثلة التي تتعاطفين معها أو تفضلين العمل برفقتها؟

كثيرات، لكن بالدرجة الأولى أفضل الممثلة سامية أقريو، ليس لأنها شمالية لكن لكونها لطيفة خفيفة الظل، وكفنانة وكامرأة مجتهدة مكافحة تعرف ماذا تريد. لدي توافق كبير أيضا، مع فاطمة الوكيلي سواء في الكتابة أو التمثيل، ودائما أجد لها دورا صغيرا في أعمالي.

ومن المخرجات؟

تعجبنني///// أجد أنهن يتمتعن بالكفاءة، وعلى فكرة، تروق لي أفلام المخرجات النساء أكثر من أفلام المخرجين الرجال، فلكل واحدة قضيتها الخاصة بها، يعملن بتعمق وليس بشكل سطحي.

تكتبين السيناريو بالإضافة للإخراج، لماذا الجمع بين الاثنين لدى معظم السينمائيين المغاربة؟

أولا لغياب الإنتاج، اليوم فقط نشاهد إنتاجا جزئيا في المغرب، قبل ذلك كان المخرج ولكي ينجز فيلمه يضطر لإنتاجه بنفسه، ومن له الإمكانيات لا يكتب السيناريو بل يطلب ذلك من الكتّاب، مع ذلك ليس جميع المخرجين يكتبون السيناريو لأفلامهم، لقد كتبت السيناريو لبعض أعمال الجيلالي فرحاتي ولأعمال عبد المجيد رشيش، هناك من لديه الإمكانيات لفعل هذا وهناك من لديه ما يريد قوله فيفضّل الكتابة لنفسه، ليس هناك تعميم، شخصيا، لم أعد أقوم بالإنتاج، أما الكتابة فمنها جئت والإخراج مهنتي.

مارستِ العمل الصحفي في فترة ما، هل لديك حنين للصحافة؟

ليس بالمعنى الصحيح أو الكامل للعمل الصحفي، كنت كرونيكوز فقط، لم تعد العلاقة كما في السابق، كتبت في الصحف الوطنية والدولية في المغرب، مثل صحيفة الأمة، الباييس، الموندو، كتبت حول مواضيع مختلفة، ولم أكن أعتبر نفسي صحافية، اليوم لدي الرغبة في كتابة الروايات لكني لا أملك الوقت اللازم، الكتابة تحتاج للوقت وأتمنى أن أمارسها يوما ما.

أنت من مواليد مدينة طنجة، ماذا يعني لك مسقط الرأس أو القلب؟

أي شخص له ارتباط بمدينته يحبها وتمثّل بالنسبة له الارتباط، لكن طنجة من ناحية أخرى، هي صاحبة فضل إذ عشنا نوعا من التحرر والانفتاح على الثقافات منذ الصغر، هناك انفتاح للخيال أيضا، ليس هناك ضغوطات ولذلك هي مدينة تجلب المبدعين من العالم، هناك شيء خفي في الضوء أو الهواء “ضحك”، أعتقد أنها مدينة فيها كل شيء، لأن طنجة هي عالم صغير فيها البغاء والمتطرفون المهاجرون والأغنياء والفقراء، اللي بغيتي كاين.

لذلك صورت معظم الأعمال فيها إلى أن حوّلتِ البوصلة نحو الجنوب من خلال فيلمك الأخير “حدود” الذي تناول قضية الصحراء، لماذا هذا الفيلم ؟

لا أصوّر فقط في طنجة كما يعتقد البعض، أول أفلامي “باب السماء مفتوح” صورته في فاس بعيدا عن طنجة، الأفلام التلفازية أصورها في طنجة لأن ذلك أسهل. صوّرت “عرائس من قصب” بمدينة الشاون، كذلك صوّرت أعمالي بإفران ومرزوكة والدار البيضاء والصحراء. كما قلت أهتم بالتراث ونحن في طنجة قريبون من إسبانيا، وحين رأيت فيلم خافيير بارديم والحملة المغرضة عن المغرب، جاءتني الغيرة، قلت ألا نستطيع أن نقدم رأينا مقابل ما يحدث، هذا كان دافعي الأول والأخير. معالجة قضية وطنية في فيلم لا تمنحه في الغالب الحبكة والبهارات التي تجلب الجمهور. يظل الحكم للجمهور، نحن لا نملك الخلطة لكن أظن أن كل أفلامي حين تشاهد في البداية لا تعطي ذلك الشعور بالدهشة، باستثناء فيلم “كيد النساء” كل مرة أغيّر العمل حول موضوع مختلف لكنه مع الوقت يصمد يعيش يخلد ومع الوقت نكتشف عمقه لذلك أقول أن فيلم “حدود” هو فيلم هام وليس للجمهور الواسع.

إنه آخر أفلامك، ما المدة التي تقضين بين إنجاز فيلم وآخر؟

الأمر تحكمه الظروف، لكني أشتغل بمعدل فيلم كل ثلاث سنوات، لا أرتب للأمر، لكن أرتاح أولا، ثم أنتظر إلى أن تأتي الفكرة والرغبة والانجذاب نحو فكرة جديدة، وإذا غاب ذلك الانجذاب الكبير، لا أصنع فيلما، الفكرة يجب أن تكون مغرية لدرجة أن تطرد النوم عنك، لذلك أترك كل شيء لوقته كي ينضج ويكون في المستوى.

تخافين على اسم فريدة بليزيد ؟

يجب أن أقدم شيئا مقتنعة فيه لأبعد الحدود، لشيء يحركني أولا، أنا شخص لا تحركه الفلوس، احتاجها ككل الناس، لكنها ليست السبب الأول الذي يجعلني أشتغل وإن فعلت ذلك لن أنجح فيه، بالتأكيد لن أكون أنا. ما يحركني لإنجاز عمل جديد هو تلك الشهقة، الفكرة التي لا أعرف لماذا وكيف لكني أتعلق فيها هي وليس غيرها وتسكنني ليلا ونهارا. أبذل مجهودا كبيرا وأحب أن أعطي الأفضل لكن أعتقد أني لا أعرف، بديت نعيا “ضحك”.

من يساعدك في العمل ؟

تساعدني إبنتي عايدة التي تشتغل إلى جانبي، هي تهتم في المقام الأول بالأزياء، وهي شريكتي في شركة الإنتاج، كما أنها على اطلاع بمواعيدي وتعاقداتي.

ألا تعتقدين بأن دعم الدولة للمسرح والسينما والثقافة يتضمن نوعا من التوجيه؟

لابد من الدعم بسبب غياب سوق الإنتاج المغربي، لا في الكتابة ولا في المسرح والسينما، والمدخولات التي تحققها بعض الأعمال لا تكفي لإعادة دورة الإنتاج، بالنسبة للتأثير كانت هناك فترة لم تكن الدولة تراقب الأعمال، كانت الدولة قد تركتنا ننجز ما نشاء وكنا نشبه المجانين، إذ كنا نمارس دهشتنا، اليوم تغيرت الأمور دون أن يعني ذلك أننا لا نتمتع بالحرية في مقاربة المواضيع. وبالنسبة للدعم فإن الدولة لا تعطي ما يكفي، هناك طبعا، لجان خاصة بالدعم، لكن لا أفهم كيف لفيلم وطني مثل “حدود وحدود” يتعرض لقضية الصحراء، أن يستفيد من أقل الدعم رغم أنه ليس فيلما شخصيا، ومع ذلك تم منح دعم أكبر لأفلام عبد الله فركوس ومحمد مفتكر، لا أفهم رهانات اللجنة، دعم الدولة لا يكفي وهذه حقيقة.

ما أمنياتك للمشهد الفني اليوم؟

هناك نزاع ما بين الحكومة وبين المنتجين وشركات الإنتاج والتلفزيون حول دفاتر التحملات، مع الأسف، كان بالإمكان اشتغال الجميع بعضهم مع بعض دون هذا الحد من التوتر، يجب أن يعاد النظر في كل ما يحدث، الممثلون متوقفون عن العمل وهناك شركات إنتاج أفلست وأقفلت أبوابها. ليس هناك مرونة في التعامل ولا يتم التفكير في الناس العاملين في هذا القطاع.

رهانك كامرأة في مغرب يتغيّر ؟

أراهن على جودة التعليم، فسبب التطرف هو عدم جودة التعليم، والتعليم الجيد سوف يعطينا مواطنا حرا. الفيلم الذي تمنيت أن يحمل توقيعك؟ ليس هناك فيلم تمنيت أن يحمل توقيعي، تعجبني بعض الأفلام لكنها ليست عالمي ولا تمثلني، هناك أفلام تعجبني لمخرجين مختلفين، لكنها تظل تمثّل عالم أصحابها فقط.

سيلين ديون تصل إلى العاصمة الفرنسية باريس، استعدادًا لمشاركتها في افتتاح أولمبياد 2024.
حققت اللاعبة الدولية المغربية فاطمة تاغناوت حلمًا طال انتظاره بانضمامها إلى نادي إشبيلية الإسباني للسيدات، لتصبح أول لاعبة مغربية ترتدي قميص النادي الأندلسي.
قالت مصادر مُطلعة على الوضع، أن بيلا حديد استعانت بمحامين ضد شركة أديداس بسبب افتقارها إلى المساءلة العامة، وذكرت أنها تشعر أنهم قادوا ضدها حملة قاسية ومدمرة.