تحرص كثير من العائلات على حسن اختيار الزوجة أو الزوج، فالزواج لا يختصر في علاقة طرفين بل يتجاوزهما إلى علاقة عائلتين، ومنذ البداية يحرص كل من عائلة الزوج والزوجة على أن يكون لهما القرب والنصيب الأوفر في بيت العروسين، وتنجح العائلة في ذلك حسب قوة الزوج أو الزوجة وسيطرتهما.
بداية مشروع الزواج، تبدأ كل عائلة في شق طريقها إلى قلب العريس أو العروس، وتحاول أن يكون لها حضورها القوي ليلحظه المدعوون الذين يستطيعون من خلال تحركات العائلتين أن يعرفا الأقدر على استمالة العروسين، والتقرب منهما ومن حياتهما الخاصة، وسيتم هذا إلى ما بعد الزواج، حيث يظل قرب الأم من ابنتها التي ألفتها أو تعودت على قربها قائما من خلال الزيارات المتكررة، فيما تحاول عائلة العريس رسم خريطة ملتوية الطرق لزيارة ابنها، وغالبا ما يسبق هذه الزيارة استئذان. فالمرأة العربية سيدة بيتها، ومع أنها لا تكون لها السلطة المطلقة في جميع شؤون حياتها الزوجية إلا أنها تستطيع أن تقرب من تشاء من أهلها وتحببه لزوجها، كما تقدر على إبعاد من ينفر منهم قلبها وتبعده عن زوجها دون سبب. غير أن ذلك لا يشكل دائما القاعدة فحاجة الأسرة الجديدة (الزوجين) إلى سند مادي يبقيهما على صلة بأهل الزوج، ويعد هذا من الأسباب القليلة والمحدودة التي تنجح قرب عائلة الزوج من عش ابنها، فيما تفتح أبواب عديدة تشجع الزوج على الترحيب بعائلة زوجته، إما لأنها ترعاها وتعينها على العناية بالأبناء أو لأسباب أخرى، ويعتبر هذا الصراع بين العائلتين قائما منذ البداية ولا يستكين إلا عندما يفقد أحد العائلتين الأمل في استمالة الأسرة الجديدة إليه.
ولا تسلم العلاقة الزوجية من ندبات سببها هذا الصراع الخفي، الذي لا تتعدى صوره العفوية والهدوء وكثير من اللباقة، إذ عندما يستشعر أحد الزوجين إقصاء أهله يحاول أن يجتهد في تعبيد الطريق نحو بيته وهو ما يضايق الطرف الآخر ويقلص من مساحته داخل هذا البيت الذي كثيرا ما يفقد توازنه عند اجتماع العائلتين معا، ويفقد معه الزوجين كثيرا من التفاهم والاحترام. ونادية 25 سنة، ربة بيت، نموذج الزوجة التي أثر الصراع على استقرار علاقتها، وترجع استيلابها وتبعيتها لأهل زوجها إلى السلطة المادية التي ينفرد بها زوجها داخل البيت والتي تجعل القوة بيد عائلته، والتي تسحب حياتهما في اتجاههم خصوصا في المناسبات والاحتفالات، وهو ما يقلص بالمقابل المسافة بينها وبين أهلها الأمر الذي يقض مضجعها.
إن اصطدام العائلات بعضها ببعض نتيجة حتمية لعلاقات تبنى على فكرة السيطرة لكن المؤسف في ظل هذه الوضعية هو أن الزوجين يدفعان ضريبة هذا الاستيلاب من استقلاليتهما، وراحتهما أيضا في صمت، وهو ما يؤثر فعلا على توازن العلاقة الزوجية.
في ظل هذا الصراع الذي لا يغادر من رحم ربي من العائلات، تنصح فاطمة كتاني، أخصائية في العلاج النفسي والأسري، بخلق نظام عائلي جديد منفصل ومستقل واحترام كل من الزوجين أهل الآخر، والاحتفاظ بخصوصية أسرتيهما وعدم السماح بتدخل الأهل في شؤونهما الخاصة، إضافة إلى ذلك من المهم جدا فهم الزواج على أنه علاقة عائلة بعائلة وليس علاقة شخص بشخص فقط. من هنا يمكن رسم الحدود التي لا تعني إقصاء العائلات من حياة الأزواج بقدر ما تعني ترك مسافة بين البيت الجديد، وبيت العائلتين على اعتبار أن اللحمة العائلية لا تضعف أمام الاستقلال المطلوب للخلية الجديدة.