من منا لا يخفي في داخله أسرارا لا يبوح بها حتى لأقرب الناس إليه بمن فيهم شريك حياته؟ قد تفاجأ الزوجة أو الزوج بردة فعل غير متوقعة بعد إخبار الطرف الآخر بالحقيقة مما يجعل من هذه الأخيرة زلزالا قد يعصف بحياة عمرت لسنوات هل ينبغي إخبار الشريك بكل ما مر أو يمكن أن يمر بحياة شريكه مهما كان الثمن؟ هل يشكل الكذب أحيانا شرا لابد منه لإنقاد الحياة الزوجية؟ إلى أي حد يمكن للشفافية والتواصل أن يعمقا من الهوة بين الزوجين بدل تقربيهما من بعضهما البعض؟
كيف كان يومك؟ مع من التقيت اليوم؟ إلى أين أنت ذاهب؟ وغيرها من الأسئلة الاعتيادية التي تطرحها الزوجات على أزواجهن ليست أكثر من نبش بسيط في يوميات الأزواج ليست الغاية منه إلا التقارب أكثر أكيد أن الحديث عن تفاصيل يوم شاق من العمل أو المشاريع المستقبلية والترتيبات العامة للحياة أمور لن تخلق أية هزة في حياة الزوجين لكن عندما يتجاوز البوح المسموح به خيانة زوجية أو حياة أسرية أخرى قبل الإرتباط بالشريك أو الإصابة بمرض خطير لا بد وأن ينقلب الوضع ويعصف بالحياة الزوجية. يكاد المختصون في العلاقات الاجتماعية والزوجية أن يجمعوا على أن قول كل شيء بين الأزواج ليس علامة على أنهما متفاهمين ولا مؤشرا على سعادة مفترضة. الشفافية والصراحة الزائدة بين الشريكين من شأنها أن تذيب أحد الطرفين في الآخر مما لا ينصح به من قبل الأخصائيين حيث يفترض أن يحافظ كل منهما على استقلاليته وخصوصياته طبقا للحدود المسموح بها. إذا كان من الضروري الكشف عن الحقيقة بحثا عن راحة الضمير دون وضع اعتبار انعكاسات ذلك على الطرف الآخر فمن الأفضل الاحتفاظ بها.
لم يكن زواج أحمد 36 سنة، صاحب وكالة للاتصال، الأول سرا من الأسرار التي أخفاها عن زوجته الثانية فقد عاهد نفسه قبل أن يعاهدها على أن يصارحها وألا يخفي عنها أسرارا كيفما كانت، وما لم يكن متوقعا هو أن تتصل الزوجة الأولى بأحمد وتخبره أنها تود لقاءه لأمر هام يخص ابنتهما التي تعيش مع أمها، صحيح أنه كان يلتقي بها من حين لآخر حين كان يرغب في اصطحاب ابنته خلال العطل المدرسية لكن لقاء ذلك اليوم كان مختلفا حين وجد طليقته وحدها في البيت لم يكن من الصعب عليه أن يدرك أن طليقته تود التقرب منه من جديد حتى وإن لم تكن تملك الشجاعة الكافية لقول ذلك بصريح العبارة خوفا من أن تلاقي صدا من قبله، كثرت الاتصالات بينه وبينها لتبوح له بمكنونات دواخلها وأنها لا تستطيع العيش بدونه وأنه منذ طلاقهما وعملها بزواجه الثاني وهي تعاني في صمت. يرفض أحمد أن يسمي ما اقترفه خيانة في حق زوجته الثانية “بقيت شهورا وأنا أتردد هل أخبر زوجتي بما حصل مع طليقتي أم أكتم السر إلى الأبد وفي الأخير اقتنعت بأن إخبارها بذلك لن يجلب علينا إلا المتاعب والمشاكل لكن عذاب الضمير كان أكبر فاعترفت بما اقترفت في حقها وكانت أن فاجأتني بطلب الطلاق”.
التواصل شرط لا بد منه لكي تستمر العلاقة الزوجية وهو لا يعني بالضرورة أن يطلق الشريك العنان للسانه ويخبر الطرف الآخر ب الشادة والفادة كما يقول المغاربة فقط إذا لزم الأمر ذلك إذ هناك أمور لا ينبغي إخفاؤها والتي يمكن أن يكتشفها الشريك حيث يفضل أن يسمعها على لسان شريكه بدل أن يستقيها من جهات أخرى أما إذا علم الشريك بأمر من مصدر خارج البيت فلا شك من أن الثقة التي وضعها في الطرف الآخر سرعان ما تهتز وتزعزع الاستقرار الزوجي هناك حقائق لا ينبغي أن تخفي عن الطرف الآخر حتى وإن كانت تنتمي للماضي البعيد وقولها يشكل الأرضية الصلبة التي يمكن أن تنبني عليها العلاقة فيما بعد إذا قبلها هذا الطرف طبعا في حين أن إخفاؤها يعد غشا وخيانة.
عندما تتفجر الحقيقة فإنها تصبح كبركان يصب حممه ليحرق كل شيء في طريقه. هكذا فكرت مليكة وهي تسرد تفاصيل حكايتها والإحساس بالذنب يخنقها تجاه فلذة كبدها الذي حرمته حتى من أبسط الحقوق وهي أن يعرف أمه الحقيقة. على الرغم من السنوات التي مرت بعد الحادث ورغم الذي سمعته من زوجها إلا أن كلمات ابنها وهو يبكي بمرارة مازالت ترن في أذنيها وإلى غاية اليوم حين خاطبها قائلا : كيف تحرصين على مستقبل أطفالك وتخافين عليهم في حين أنك لم تفعلي الشيء نفسه معي. هذه العبارات اختزلت كل السنوات التي أخفت خلالها مليكة الحقيقة انحنت مليكة على ركبتيها وهي تطلب من ابنها أن يسامحها وأنها مستعدة لدفع الثمن حتى وإن كان التخلي عن حياتها الحاضرة. ظلت مليكة لشهور وهي لا تقوى أن ترفع عينيها في عيني زوجها “لا أعرف إن كان تسامحه معي من أجل أطفالنا أم أنه تفهم الأمر فكلما حاولت أن أفتح ذلك الملف كان يرفض الحديث فيه”.
يرى بعض المحللين النفسيين أن اللعب بورقة الشفافية من شأنه أن يفقدها قيمتها أن تبوح بكل شيء للطرف الآخر كفيل بأن يفقدك سحر شخصيتك وبالتالي سيضعف من رغبة الآخر في استكشاف عالمك الداخلي مما يقضي على أهم شرط من شروط الإثارة بين الزوجين أن تخبر الزوج بكل شيء شبيه بأن تتعرى أمامه مما لا يدع الرغبة في استكشاف ما لم يره بعد ومع مرور الوقت تصبح العلاقة الزوجية باردة ورتيبة ويذهب بعض المحللين النفسيين إلى أن العلاقة الزوجية التي تكون مبنية على الصراحة والشفافية الزائدتين قد تنقلب مع مرور الوقت إلى علاقة أخوية لأنها أي العلاقة تفقد حرارتها وتفقد أهم شرط للتجاذب والإثارة بين الطرفين.
في نظر البعض فإن الجهل بالشيء أحيانا يكون أفضل من العلم به بالنسبة ل زبيدة 42 سنة، أستاذة العلوم الطبيعية بالتعليم الإعدادي، وأم لطفلين، فهي تؤمن بقول الله تعالى :”لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”، وتقول : “حتى وإن كان زوجي يخونني أو يخفي عني حقائق كبيرة من شأنها أن تزعزع استقرار أسرتي فأنا أفضل ألا أعرفها”، كغيرها من نساء كثيرات تحرص زبيدة ألا تنبش في أغراض زوجها حتى لا تعثر على أشياء قد تنغص عليها عيشها وتصبح مطالبة بأخذ مواقف محددة للحفاظ على كبريائها “لا أذكر أنني فتشت في جيوب زوجي أو تنصت على مكالماته أو قرأت الرسائل التي تأتيه على هاتفه النقال فمن جهة أرى أنه سلوك غير صحيح لأن خصوصيات زوجي لا يحق لي التلصص عليها ومن جهة أخرى حتى لا أكتشف أشياء من شأنها أن تعكر صفو حياتي واستقرار طفلي”.