مهما أزيلت الحواجز بين الطرفين ومهما بلغ البوح والاحتكاك وإضاءة كل الجوانب المظلمة من حياة الآخر يترك كل من الزوجين زاوية تخصه وتعنيه بمفرده، إنه عالمه الصغير الذي يمارس فيه خلوته بعيدا عن أنيس أو رفيق. هو طقس يميل إليه الأزواج عن قصد بعد انزعاج، أو هي خطة يعتمدها البعض منذ بداية العلاقة إما بإعلان ذلك للشريك أو بإخفاءه، ويعتبر الكثيرون تطفل الشريك على الدائرة الخاصة بالطرف الآخر دخول في خصوصياته وكثيرا ما يتضايق الزوج من فضول شريكه ورغبته في كشف الأوراق كاملة.
بالرغم من ميول الكثير من الأزواج في بدايتهم إلى التماهي في الأفكار والسلوكات كما الجسد إلا أن ذلك لا يكون دائما في مصلحة علاقتهما إذ سرعان ما يضيق أحدهما ذرعا بالتقرب الكبير للآخر وسرعان ما يحن إلى العزلة والإنفراد ولو لفترات، ويؤكد الخبراء أن وجود مسافة بين الزوجين في علاقتهما شرط لنجاح العلاقة الزوجية إذ يزيد من تأجج الشوق والرغبة في معرفة الآخر في حين يؤدي الإنكشاف والفضح إلى تسرب الملل والنفور للعلاقة. تسعى بعض الزوجات إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة عن زوجها ولأن ذلك صعب المنال فإنهن يلجأن إلى الهواتف للتجسس على المكالمات والرسائل القصيرة في غفلة من أزواجهن. عموما تجد الزوجة في التجسس وسيلة مثلى لإشباع فضولها تحكي ناية 26 عاما ربة بيت، عن بحثها الدؤوب في هاتف زوجها وعن مراقبتها المستمرة لأشيائه بالرغم من معرفتها المسبقة أن ذلك يغضب زوجها إلا أنها تؤمن بأن المرأة لا يجب أن تثق في الرجل وأن ما تقوم به من تجسس جزء من واجباتها لحماية بيتها من احتلال امرأة متربصة .
المسافة رحمة :
شبه أحد علماء الاجتماع العلاقة الزوجية بحياة القنافذ فالابتعاد عن بعضها يشعرها بالبرد والاقتراب من بعضها البعض يجعل أشواكها مؤلمة، هكذا هي حياة الأزواج وكثيرا ما يتضايق الأزواج الذكور من تصرفات الزيجات اللائي يحاولن معرفة بعض التفاصيل خوفا على أزواجهن وعن حسن نية إلا أن القليلون من يتفهم ذلك، ويعمد بعض الأزواج إلى إخفاء معلومات من الشائع إشراك الشريك في معرفتها مثل ما يتعلق بالممتلكات والرصيد البنكي ويتجاوزها البعض إلى إخفاء أدق التفاصيل كتعريف الزوجة بأفراد عائلته بدعوى أنه الزوج والكل والباقي لا يعنيها. ومن النساء من ترغب في وضع زوجها تحت المجهر حياته في الماضي والحاضر وأصدقاءه، وعمله وممتلكاته وحتى أفكاره ومشاريعه المستقبلية ولا تدع له فرصة ليفاجئها بإنجاز أو خبر سار. وكثيرا ما يتضايق الأزواج من هكذا سلوك الذي يصعب معه الوصول إلى حل لأن المرأة شغوفة بأوراق الزوج مكشوفة أمامها، فيما الرجل أكثر ميولا إلى الإنزواء بخصوصياته كتعبيرعن استقلاله لأنه يرى في كشفه لخصوصياته لزوجته نوعا من التملك، ويرى الأخصائي الأستاذ عبد الجبار شكري، باحث في علم الاجتماع وعلم النفس أن السماح باقتحام الخصوصيات نوع من تحصين الذات وأن عدم احترام خصوصية الآخر هو في الوقت نفسه عدم احترامه، إذ من المعلوم أن مل شخص يرسم لنفسه حدودا يفرض على الآخر ألا يتخطاها وإذا ما تعداها هذا الأخير فإن هذا يعني أنه لا يحترمه ويستصغره. إن لكل منا دائرة خاصة لا يسمح باقتحامها من طرف أي كان إنها نوع من الحماية الذاتية التي يحصن بها نفسه ويحميها ويرفض أن تخترق من طرف أي كان.