وبهذه المناسبة، نظم المجلس ندوة وطنية حول موضوع “العنف الذي تيسره التكنولوجيا ضد النساء والفتيات، جائحة رقمية صامتة”، وذلك في سياق الانخراط في الحملة الدولية “متحدون لإنهاء العنف الرقمي ضد جميع النساء والفتيات”.
وتوخى هذا اللقاء ترسيخ حماية حقوق النساء والفتيات والنهوض بها في الفضاء الرقمي، والنهوض بثقافة سلامة وأمن واستخدام التكنولوجيا والتشجيع على سبل تبليغ الفتيات عن العنف الرقمي، فضلا عن تسليط الضوء على مسؤوليات المنصات الكبرى في التصدي للعنف ضد النساء والفتيات والسبل الممكنة للحد من الآثار الخطيرة لهذه الانتهاكات.
وفي كلمة بالمناسبة، أكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، أن العنف الكامن في محتويات المنصات الرقمية بات يشكل أحد أخطر الانتهاكات الحقوقية بفعل الثورة التكنولوجية وسرعة انتشار المحتوى الرقمي وعبوره للحدود، مشيرة إلى أن هذا النوع من العنف، الذي يتغذى من خصائص الفضاء الافتراضي، يمس كرامة الضحايا وسلامتهن الجسدية والنفسية، ويتجاوز العالم الرقمي ليؤثر على حياتهن اليومية.
وأبرزت السيدة بوعياش أن التحول الرقمي أصبح فضاء لإنتاج الإقصاء والتمييز بصيغ جديدة ومعقدة حيث يتخذ العنف أشكالا متعددة تشمل التحرش الإلكتروني والابتزاز والتنمر ونشر الصور والمعطيات الشخصية بدون موافقة، لافتة إلى أن حملة هذا العام سترتكز على القرب الميداني من المواطنات والمواطنين عبر قافلة تجوب 12 جهة ومدينة خلال 16 يوما، إضافة إلى إقامة رواق تفاعلي للتوعية بالمخاطر الرقمية.
من جهته، أوضح المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، أن تطور استخدام الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي ساهم في اتساع نطاق العنف الرقمي الذي يمس خصوصا الفئات الشابة والنساء في وضعيات هشة، لافتا إلى أن النساء العازبات، والطالبات، والنساء ذوات المستوى التعليمي العالي، يشكلن الفئات الأكثر عرضة لهذا العنف، الذي يتخذ أشكالا متعددة، من بينها التشهير، والابتزاز، والتعليقات المسيئة، والتنمر الرقمي.
وبعد أن استعرض أهم الإحصائيات المتعلقة بالعنف الممارس ضد المرأة، أشار السيد بنموسى إلى أن هذه الظاهرة شهدت تراجعا في الفترة ما بين 2009 و2019، خصوصا في الوسط الحضري، مؤكدا أن مواجهة هذه الظاهرة تستلزم رؤية واضحة تستحضر العوامل المؤثرة فيها.
وسجل، في هذا الصدد، أن المندوبية تواصل، من خلال بحوثها الوطنية حول الأسرة والديناميات الاجتماعية، وإنتاج معطيات إحصائية دقيقة ومصنفة حسب الجنس، بما يسهم في تعزيز قاعدة البيانات الوطنية حول النوع الاجتماعي.
من جانبها، أبرزت ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، مريم أوشن النصيري، أن التصدي للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات يستدعي اعتماد مقاربة شمولية تجمع بين التوعية، والحماية، وتحديث الإطار القانوني، مشيرة إلى أن الفضاء الرقمي الذي صمم للتواصل والتفاعل تحول في كثير من الأحيان إلى مجال تمارس فيه أشكال مختلفة من التحرش والابتزاز وخطاب الكراهية.
بدورها، سجلت مفوضة ورئيسة فريق العمل المعني بحقوق الأشخاص المسنين والأشخاص في وضعية إعاقة باللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ماري لويز أبومو، أن النساء المسنات والنساء في وضعية إعاقة يتعرضن لأشكال خاصة من العنف نتيجة وضعهن المزدوج، باعتبارهن نساء من جهة، ومسنات أو معاقات من جهة أخرى، لافتة إلى أنهن يعانين من الإقصاء المجتمعي، ومصادرة حقهن في التعبير واتخاذ القرار، بل وأحيانا من النبذ خاصة داخل المجتمعات التقليدية.
أما رئيسة لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة، نهلة حيدر، فقد أشارت، في كلمة مسجلة، إلى أن القوانين الحالية لا تغطي معظم الانتهاكات الرقمية، مما يؤدي إلى تراجع مشاركة النساء في الفضاء الرقمي وشعورهن بالخوف من التعرض للاستغلال أو إساءة الاستخدام، بما في ذلك صورهن ومعلوماتهن الشخصية، مشددة على ضرورة تكاتف جهود الدول والقطاع الخاص لتطوير أطر قانونية وسياسات فعالة لحماية النساء والفتيات.
وشهد اللقاء، الذي حضره عدد من الشخصيات الدبلوماسية والسياسية والحقوقية، عرضا مبتكرا باستخدام تقنية (Mapping) على واجهة مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مما أضفى بعدا بصريا تفاعليا على الحدث وساهم في التحسيس بأهمية مكافحة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات.
كما تم خلال هذا اللقاء افتتاح رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان للتوعية بمحج الرياض، بهدف تعزيز وعي الجمهور العام بالمخاطر الرقمية وسبل الوقاية منها.