نحن أمام محطة تاريخية اختيرت يوما وطنيا للمرأة وهي العاشر من أكتوبر، ما رمزية المناسبة، بالنسبة لك ؟ ؟
دلالاته مرتبطة بالنضالات وتحقيق بعض المكتسبات التي تتعلق بالتشريعات خصوصا تشريعات مدونة الأسرة. جذور هذه المناسبة ترجع إلى أزيد من عشرين سنة، حيث الخطاب الملكي في المؤسسة التشريعية، قدم فيه توجيهات لحسم النقاش حول تغيير مدونة الأحوال الشخصية آنذاك. وهي محطة تخلد لنتائج عقدين من زمن نضالات الحركة النسائية من أجل لتغيير مدونة الأحوال الشخصية. نضالات تكثفت بشكل كبير ما بين 2000 و2003 في إطار تحالف ربيع المساواة والنقاش العمومي الذي كان فيه خلاف بين اتجاهين، اتجاه محافظ ضد المساواة، واتجاه حداثي ديموقراطي مع إلغاء التمييز في القوانين وتغيير مدونة الأسرة. أهمية هذه المحطة تكمن في كونها تتوج نضالات الحركة النسائية وفي نفس الوقت تبين، لأول مرة، بأن قانون الاسرة ليس قانونا مقدسا رغم ما يروج عن ارتباطه بالشريعة، هو قانون يضعه المشرع في تفاعل مع الشارع والنقاش العمومي ومع ذوي الاختصاص، وأيضا في تفاعل مع تحولات الواقع، واستجابة لما يظهره تطبيق القانون من ثغرات. إذن، هي ذكرى عزيزة رغم أن التغيير الذي كان في 2003 لم يجب على كل تطلعاتنا. مدونة الأسرة، التي دخلت حيز التنفيذ في فبراير 2004، كانت تشكل خطوة جميلة جدا بالمقارنة مع مدونة الأحوال الشخصية، لكن، في نفس الوقت، كانت فيها مقتضيات تمييزية لم نكن راضين عليها كمكونات الحركة النسائية منها عدم المس بمنظومة المواريث، والحفاظ على الولاية القانونية على الأبناء كحق للأب، الإبقاء على تعدد الزوجات رغم تقييده، إبقاء التمييز في إنهاء العلاقة الزوجية كحق مطلق للرجل، ومنها تمييزات في الحضانة عندما تتزوج المرأة بعد طلاقها وتكون حاضنة، إذ يمكن لطليقها إسقاط حضانتها. من بين الثغرات أيضا، الإبقاء على الاستثناء بالنسبة لتزويج القاصر حتى صار قاعدة خلال عشرين سنة من تطبيق مدونة الأسرة ، والأسوأ أن الترخيص بيد القاضي.
لو أعدنا ذاكرتك لبدايات مطالب الفعاليات النسائية بتغيير مدونة الأسرة، ماذا يوجد فيها من تفاصيل ؟
بالنسبة لنا، لم تتوقف المطالبة بمراجعة مدونة الأسرة منذ صدورها في سنة 2004 رغم القول بأن تعديلها كان متقدما مقارنة مع سابقتها. لكن، سجلنا التمييز في مجموعة من المقتضيات الجديدة، واستمر عمل الجمعيات النسائية بالترافع اعتمادا على الدراسات التي تقوم بها، واشتغالها مع النساء ضحايا العنف في مراكز الاستماع، و أغلبية قضاياهم تتعلق بتطبيق مدونة الأسرة في قضايا الطلاق والتطليق والنفقة والولاية الشرعية و التعدد وغيرها .. هذا العمل، كان تلازمه مطالب بتغيير المدونة. وكان المطلب الرئيسي، الذي حدث فيه إجماع، هو توحيد سن الزواج، وإلغاء الاستثناء في زواج القاصر الذي تسمح به المواد 16 و20 و21 والتي، جعلت القضاة يرخصون للزواج بناء على معايير مهينة للمرأة، كالإكتمال الجسماني، قابلية الفتاة للإنجاب. هذه المعايير منتهكة للكرامة وينبغي منعها، واعتبار مكان الأقل من 18 سنة، من فتاة وفتى، هو المدرسة وليس بيت الزوجية، وأن دور الفتاة كمواطنة هو التعليم والاستقلال الاقتصادي والمشاركة في الحياة العامة وممارسة مواطنتها كاملة بدون تمييز. بالإضافة إلى هذا المطلب، كان هناك مطلب إلغاء التعدد، حيث الترخيص الذي يمنح من طرف المحكمة يستند على معايير مادية، تتعلق بإمكانيات الزوج تحمل مسؤولية الإنفاق على الأسرتين، في حين أن الواقع يبين صعوبة ذلك بعدل ومساواة، كما أن التعدد يكون مقترنا بالتخلي وعدم الانفاق و بالعنف والحرمان من السكن وسوء المعاملة فضلا عن كونه انتهاك للكرامة والحقوق الإنسانية للمرأة.
في سياق دات الاسترجاع كانت الولاية على الأبناء، من مطالبنا الأساسية أيضا. إذ كيف يعقل التنصيص في المدونة على أن الأسرة هي تحت رعاية الزوجين، في نفس الوقت نجد فيها مقتضيات تمييزية في المسؤولية القانونية عليهم، الأم حاضنة، لكن دون مباشرة أي إجراء قانوني وإداري كتغيير مدرسة أو إنجاز جواز سفر الأبناء دون موافقة الأب؟!. الأم، هنا، تصبح مجرد حارسة، مربية ولا تملك سلطة في تدبير متعلقات محضونيها. هذا التمييز يؤدى الى انتهاك حقوق الأطفال، إضافة الى ما يشكله من تمييز ومس بكرامة المرأة. هذا الإشكال يعود بي إلى المقتضيات التمييزية في نظام المواريث. التعصيب فيه إجحاف للأسرة التي فيها بنات، ويسمح بدخول عصبة من الأسرة فيها تركة لم يساهموا فيها. هذه بعض القضايا التي شكلت مجال التفاف وتقارب وجهات النظر بين مجموعة من الجمعيات النسائية، وقد أدت إلى إطلاق دينامية تحمل اسم التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل لمدونة الأسرة، حدث ذلك منذ نونبر 2022. وتفاعلت بشكل إيجابي مع تكوين اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة الأسرة، حيث أعدت مذكرة مقترحات تضم كل هذه المقتضيات التمييزية، وتقوم على مبدأ أساسي وهو أن تغيير المدونة ينبغي أن يراعي انسجام القوانين الوطنية فيما بينها، وانسجامها مع الدستور الذي تختلف عنه في تنصيصه على المساواة بينما مقتضياتها تتخلف عنها. في مذكراتنا، نطالبا أيضا، بضرورة الإنسجام مع الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب خصوصا اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، والتزم بها منذ 1993، وأصبح يقدم تقارير دورية لإعمالها في التشريعات والسياسات والواقع، إضافة إلى مصادقته على اتفاقية حقوق الطفل التي تعتبر سن الطفولة هو 18 سنة، لكن في المدونة يسمح بزواج طفل وطفلة! ..
قربينا من مذكرة التنسيقية ؟
فيها المطالبة بمراجعة جذرية لقانون الأسرة بما فيها الفلسفة التي يقوم عليها القانون، والتي لا ينبغي أن تكرس قوامة الرجل. الأخيرة لم يعد لها مكان في الواقع، النساء يعملن ويتحملن المسؤولية والانفاق على الاسرة إما بشكل مباشرعن طريق المساهمة النقدية، أو بشكل غير مباشر عن طريق أعمال الرعاية المختلفة التي يتطلبها تدبير الحياة الأسرية، وهي أعمال بدون مقابل، لكن إذا تم تقييمها وتقديرها ماليا تعتبر مساهمة في النفقة. فلسفة مدونة الأسرة ينبغي ان تقوم على المساواة لا على القوامة والتفاوت. لغة المدونة، أيضا ينبغي مراجعتها لتنقيتها من بعض الكلمات المهينة والماسة بكرامة المرأة كالنشوز والبناء.. وهي مفردات لها حمولة جنسية حاطة بالكرامة . المقتضيات ينبغي ان تراجع ليكون الانسجام بينها، وقائمة على المساواة بين جميع أفراد الأسرة،الرجال والنساء، النساء والنساء مهما كانت وضعيتهن الاجتماعية.
سقف انتظاراتكم من تعديل يحسب على ما بعد 20 سنة من تطبيق مقتضيات سابقة، وكيف تقرأون التغيير في علاقته بالواقع؟
نعتبر أن القيام بالمراجعة الشاملة من أجل اصدار قانون أسرة عصري، حداثي، ديمقراطي، يضمن المساواة دون تميز، أمر ممكن، ومنسجم مع التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، ويتلائم مع تطور المغرب على مستوى التزامته الدولية، والتزامه بأهداف التنمية المستدامة وخطة العمل المرتبطة بأجندة 2030، ممكنا، ولا يتطلب إلا الإرادة السياسية. كل من يتحدث على العراقيل والمقاومات الثقافية يبرر الفكر المحافظ، فكر ليس له أي مشروعية من حيث حقوق الإنسان وما يسعى إليه المغرب للتنمية. والتغيير ممكن بالنظر إلى أن قيمة مدونة الأسرة ستنعكس على بنية الأسرة من حيث استقرارها، كما سينعكس على المجتمع . عندما يتغير القانون يؤثر على العقليات. لا يمكن انتظار الشروط الثقافية المناسبة لتغيير القانون. القانون له، ايضا، دور بيداغوجي يربي السلوك. عندما يكون لدينا قانون يمنع العنف، يساوي في الحقوق، يحمي من الظلم، سيتغير السلوك الاجتماعي . لذلك ينبغي أن تنتج مراجعة المدونة قانونا أكثر عدلا وضمنا للمساواة من القانون القديم.