عاشت إميلي برونتي حياة قصيرة جدا، فقد توفيت في الثلاثين من العمر، كما لم تكن الكاتبة الوحيدة في العائلة، فهناك أختاها شارولوت برونتي وآن برونتي.
لاقت رواية «مرتفعات وذرينغ» نجاحا منقطع النظير ولكن عبر الزمن، بحيث لم تشهد الكاتبة نفسها هذا النجاح لأنها توفيت بعد سنة من صدور روايتها. فقد انتقلت الرواية إلى شاشة السينما عدة مرات، كما أصبحت من الروايات شديدة الغموض في العلاقات الانسانية وخاصة ذاك التذبذب الغريب بين مشاعر الحب والكره. ويمكن للحياة القاسية التي عاشتها عائلة برونتي فيما يخص موت الكثير من أفراد العائلة أن تجد مسوغا لقسوة أبطال الرواية وعنفهم الذي يقدمهم في أبشع الصور.تحكي الرواية عن عائلتين من النبلاء تعيشان متجاورتين في مرتفعات وذرينغ والتسمية هنا تعني الجو المتقلب، وهو شبيه بأحداث الرواية أو بالأحرى بمشاعر الحب والكراهية. فقد أحضر ذات يوم أب عائلة من العائلتين طفلا متشردا ليعيش مع أولاده أمام رفض أسرته إلا ابنته التي ستتعلق بذلك الطفل منذ الصغر وتنمو مشاعر كبيرة جدا بينهما، وحين يكبرا يموت الأب، فيطرد أخ الشابة العاشق الذي نشأ في تلك الأسرة ويعذبه شر تعذيب، فيختفي العاشق وتتزوج الشابة من ابن عائلة النبلاء التي تجاورهما، إلى أن يعود العاشق وقد أصبح رجلا ذا مال فيتزوج أخت زوج عشيقته ويحتدم الصراع بينه وبين الحبيبة السابقة، فتنشأ الكراهية وتلتبس المشاعر إلى أن تؤدي إلى تدميرهما معا حتى الموت.
يبدو الحب حنونا في طعمه الأولي في الرواية، فهو يشتعل إلى أن يصل إلى الذروة وتؤججه في هذه الرواية الطبيعة والفراغ والمرتفعات وصوت الريح والمشاعر الغريبة التي تكبر دون أن يستطيع أحد العاشقين إيقافها رغم الاختلاف الطبقي إلى غيره، وتبدو الكراهية أيضا لصيقة به، فهي الأقرب إلى مشاعر الحب.
عكست هذه الرواية قسوة المشاعر وشراستها كما أنها عكست أيضا وجود عاطفة لم يستطع الزمن محوها رغم كل العلاقات الرسمية التي عاشها العشيقان.
في نظام الحياة اليوم، ابتلعتنا السرعة وزحام المدن وهيمنة كل أشكال التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح من السهل جدا أن تطوي كل هذه الصيحات أواصر العشق. فكم من عشق ما يفتأ ينمو، حتى تشرع هذه الوسائل في طمسه في المهد وكأنها تحاربه، لذا أصبحت الكثير من مرتفعات الحب وكأنها تصل إلى الذروة لتهبط إلى السفح وكأنها منذورة للخراب.
من الغريب جدا أن نجد الكثير من العلاقات الانسانية تتقد بسرعة الضوء ثم تنطفىء وتتلاشى مخلفة رمادها الذي تذروه الرياح، بل في كثير من الأحيان يسعى الطرفان إلى أن يحولا كل تلك المشاعر الجميلة والحانية إلى وجهة أخرى يغيب فيها كل أثر للمشاعر الجميلة.
تشبه رواية مرتفعات وذرينغ ما نعيشه اليوم رغم سياقها التاريخي المختلف، ذلك لأن المشاعر غالبا ما تتحول إلى رغبة في الانتقام وكأن الكراهية هي التي تتبقى من الحب، وكأن الحب كلما كان كبيرا ومتملكا إلا وأصبح مدمرا .
مرتفعات الحب حين تكتمل الذروة دون بلوغ أشكال تحققها كما يريد العاشقان، يعودان بها إلى السفح وكأنهما ينتقمان من مشاعر العاطفة والزمن والرغبة في الآخر ذات يوم، وكأن الفرد يلوم نفسه على كل أشكال الانتظار والحب والاعجاب والرغبة وكل معاجم العشق، فيقلب المعجم ليضج بفصيلة أخرى نادرة تتلف كل ما سبق.
تقترب مرتفعات الحب من ضدها وكأنها تعيش معها في نفس اللحظة، ذلك لأن الحب مكابر، عنيد، مستبد، لا يقبل ولا يتنازل عما يريده هو أن يتحقق، لذا من الصعب عليه أن يعيش باعتدال…إنه يشبه مرتفعات وذرينغ.