وفق آخر الأرقام المسجلة والمعطيات الصادرة عن وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تلبس السياحة المغربية ملامح جديدة وهي قاب قوسين من موسم استثنائي رشحت ملامحه الأولى خلال شهر ماي المنصرم الذي سجلت فيه دينامية المؤشرات منحى ايجابيا مما
يعكس دينامية خاصة ساهمت فيها شروط متعددة على رأسها اعتماد خارطة طريق استراتيجية لقطاع السياحة تؤتي أكلها اليوم.
عرف عدد السياح الوافدين على المغرب ارتفاعا ملحوظا خلال الأشهر الأولى من السنة الجارية، مع استقبال 5.1 مليون في نهاية شهر مايو2023، أي بزيادة 20 % مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019. وتميز شهر مايو بارتفاع في عدد السياح الوافدين بنسبة 55%، مع إستقطاب 1.1 مليون سائح مقارنة بـ724 ألف سائح خلال شهر مايو من ا2019 السنة التي تعتبر، إلى حدود اليوم، السنة المرجعية بالنسبة للقطاع.
البعيدون عن مجال السياحة يلمسون حالة التعافي التي تعيشها سياحتنا على المستويين الداخلي والخارجي، من خلال تزايد المنشآت السياحية التي دشنت أخيرا ومن تزايد الفعاليات التي تنظم ببلدنا، أما بالنسبة للقريبين من المجال، فيعد تسجيل معدل نمو برقمين مؤشرا على أن هذه السنة ستشكل قفزة نوعية بالنسبة للسياحة المغربية.
إزاء هذه المعطيات، أعربت السيدة فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في بلاغ وجه للصحافة، عن فخرها «بهذه الإنجازات، التي جاءت نتيجة تنفيذ المخطط الاستعجالي الذي رصدت له الحكومة2 مليار درهم بهدف دعم المهنيين خلال سنة 2022 وتمكينهم من تأهيل الفنادق، بالإضافة إلى مختلف التدابير القوية التي اتخذناها في مجال النقل الجوي، والترويج السياحي و الشراكات الاستراتيجية مع كبار منظمي الرحلات عبر العالم، وكذلك لديناميكية الفاعلين في القطاع السياحي. وبالطبع، دون إغفال الإنجاز القوي لأسود الأطلس الذي أعطى دفعة قوية لبلدنا على واجهة المشهد العالمي».الوزيرة التي تواصل لقاءاتها الجهوية لعرض ورقة خارطة الطريق
مع التركيز على الروافع الخاصة بكل جهة للارتقاء بالعرض السياحي تؤكد ضمن كل هذه اللقاءات على الطابع الأفقي للقطاع السياحي.
المغاربة يحبون السفر ولكن..
يسافر المغاربة في جميع أنحاء البلاد، ويمكن ملاحظة نسبة الدينامية التي يبديها السائح المغربي سواء تعلق الأمر بالسياحة الجبلية أو الشاطئية أو غيرها، بنفس الوقت يمكن ملاحظة الدينامية التي تكتسيها جل المناطق السياحية بالمغرب، بعد الجائحة وخاصة خلال العطلة الصيفية.الاقبال الكبير للمغاربة، يقابله استياء من ارتفاع الأسعار الذي يسم العروض السياحية.لتشجيع السياحة الداخلية، أكدت الوزارة الوصية في مناسبات عديدة عن سعيها لتشجيع المغاربة على الاستمتاع بالمؤهلات السياحية لبلدهم وذلك بغض النظر عن مستوياتهم المعيشية وقدرتهم الشرائية.وخصصت عروضا حاولت تجاوز اشكالية الأسعار، التي تخضع لقانون العرض والطلب.
فبعد عامين من توقف المغاربة عن الأنشطة السياحية، هناك حاجة كبيرة للاستجمام ورغبة في السفر تولدت لدى المغاربة، تفسر لنا سناء يونسي مكلفة بالبرامج في مؤسسة فندقية مصنفة، هناك طلب متزايد يمكن أن يؤثر على أسعار الفنادق والمنتوج السياحي، كما أن الإقبال الكبير على والوجهات السياحية خلال الصيف، يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، تؤكد يونسي أيضا على ملحوظة أن هناك تغييرات مست السلوك السياحي للمغاربة والذي أصبح ممتدا على طول السنة.التغيير أكدته بعض دراسات وزارة السياحة التي قدرت بأن عدد الليالي التي أمضاها السياح المغاربة بأكثر من 30 مليون ليلة إذا احتسبنا الإقامة مع العائلة / الأصدقاء وكذلك الإيجارات الفردية ، وهو أسلوب استهلاك شائع للغاية لدى المستهلك المغربي، كما مر أكثر من 3.5 مليون سائح مغربي بمؤسسات سياحية مصنفة ، أي 10٪ من سكان المغرب. وتعكس هذه الأرقام تغييرا اجتماعيا كبيرا خلال العقد الماضي «أدى إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على السفر الترفيهي بدلاً من السفر الضروري».
الرياضة تدعم السياحة
أعطى الإنجاز القوي لأسود الأطلس دفعة قوية للمغرب ضمن واجهة المشهد العالمي، ومن أجل استثمار الإشعاع العالمي للإنجازالتاريخي لأسود الأطلس خلال كأس العالم لكرة القدم 2022 بقطر، تم التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية، بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمكتب الوطني المغربي للسياحة، والتي تندرج أيضا في إطار دينامية ترشح المغرب بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم لكرة القدم2030، تهدف إلى الترويج لوجهة المغرب من خلال كرة القدم، وتشمل الفترة 2023-2030.
ووفق الالتزامات المعلنة من الجانبين، من خلال هذه الاتفاقية التاريخية، على تحقيق الإشعاع لكرة القدم ووجهة المغرب سواء على المستوى الوطني أو الدولي،لاسيما عبر إدماج البعد الخاص بكرة القدم في الحملات المقبلة للمكتب الوطني المغربي للسياحة.
ويلتزم المكتب أيضا بمواكبة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في تحقيق تواصل شامل ومنسق حول السياحة الرياضية في المغرب لتحقيق إشعاع عالمي”.
لقد خلق الأداء البطولي الأخير للمنتخب الوطني في كأس العالم بقطر أزيد من 130 مليون تفاعل حول المحتوى المغربي ما حذا بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمكتب الوطني المغربي للسياحة بأن يجعلا من كرة القدم، من خلال هذه الشراكة الاستراتيجية، رافعة للترويج لسياحة المغرب، عبر تعزيز صورة المملكة “المغرب، أرض الأنوار” وأيضا المغرب “أرض كرة القدم” حيث تنظم الأحداث الرياضيةالكبرى مثل كأس العالم للأندية الأخيرة التي احتضنتها الرباط وطنجة، وكأس أمم إفريقيا للسيدات وغيرها من الأحداث القارية والعالمية.
فلسفة العروض أو السلاسل السياحية
الانتقال من « وجهة المغرب» الى السلاسل السياحية، هي الفلسفة التي تنظم العرض السياحي ضمن خارطة الطريق الاسترتيجية لقطاع السياحة، وفق ما صرح به مصطفى بايتاس الناطق الرسمي للحكومة، بحيث تقدم عرضا جديدا يتم بموجبه الانتقال من منطق «وجهة المغرب» إلى سلاسل موضوعاتية مطابقة للمنتجات السياحية المطلوبة.
ضمن هذا العرض نجد سلاسل «أمواج المحيط» التي تجعل المغرب وجهة رائدة للرياضات المائية، أوسلاسل «الطبيعة والرحلات والتنزه» وهدفها تطوير تجارب السياحة الخضراء المنظمة، و»عطلة المدينة»، التي تتوخى تعزيز مكانة المغرب كوجهة للسفر قصير المدى بوجهة حضرية.
كما يضم هذا العرض السياحي، ، سلاسل «الشاطئ والشمس» وتعنى بتعزيز العرض الشاطئي الحالي في المملكة، و»المغامرات بالصحراء والواحات»، التي تهدف إلى مضاعفة عرض رحلات الصحراء، و»سياحة الأعمال» المتمحورة حول ترسيخ المغرب كوجهة رئيسية للاجتماعات والمؤتمرات والمعارض، إلى جانب «المسارات الثقافية»، المتعلقة بمضاعفة التجارب غير الاعتيادية للانغماس في قلب تراث المملكة.
بالاضافة الى ذلك، تركز السلاسل الجديدة على «السياحة الداخلية – شاطئ البحر» بهدف تحفيز تنمية السياحة الداخلية حول الأنشطة الصيفية بما يتماشى مع الطلب، وكذا «السياحة الداخلية-الطبيعة والاكتشاف» والتي تروم تطوير تجارب جديدة تتلاءم مع احتياجات وميزانية السياح المحليين.
أما السلاسل الأفقية لتثمين التراث غير المادي، التي يتضمنها هذا الورش، فتستثمر في فن الطبخ والمنتجات المجالية، والمهرجانات والمواسم، والتنمية المستدامة، والصناعة التقليدية والموروث المحلي، والسكن البديل، من أجل الترويج للعرض المغربي.
الرغبة في تنويع العرض السياحي هي هاجس محرك لفلسفة السلاسل الجديدة، التي ترغب في من استقطاب شريحة متنوعة من الزوار على مدار السنة والتكيف مع المتطلبات الجديدة للسياح خاصة فيما يخص السياحة القروية والجبلية والايكولوجية والثقافية، هذه الأخيرة خصتها الحكومة بمخطط وضع مخطط يهدف إلى المحافظة على الهوية الثقافية الوطنية وجعلها رافعة للتنمية المجالية، وإطلاق مشروع انجاز «علامة تراث المغرب” للحفاظ على التراث الغير المادي، إضافة لتعزيز شبكة البنيات التحتية الثقافية بمختلف جهات المملكة عبر تأهيل وتثمين المدن العتيقة. علما أن هذا التأهيل لا ينحصر في البنيات فقط، بل يتجاوزه للتسيير والتنشيط، لضمان استدامة جاذبتها لمختلف فئات السياح، سواء المغاربة أو الأجانب.
خارطة الطريق الاستراتيجية للسياحة : ملامح وأرقام
أعطى السيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة، خلال مارس الماضي، انطلاقة الاتفاقية الإطار للشراكة لتنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية لقطاع السياحة، بميزانية تصل إلى6.1 مليار درهم خلال الفترة 2023 -2026.
وثمن رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش في كلمة له بالمناسبة، الإنجاز الاستثنائي لقطاع السياحة خلال سنة 2022 رغم السياق العالمي الصعب. من جانبها اعتبرت السيدة فاطمة الزهراء عمور، إلى أنه وبالنظر إلى الأهمية التي تكتسيها التجربة السياحية، فإن من شأن خارطة الطريق إحداث طفرة نوعية وكمية، وضمان تجربة نموذجية، وتمكين المغرب من التموقع ضمن كبريات الوجهات السياحية العالمية.
وتتوخى خارطة طريق السياحة، التي خُصص لها غلاف مالي يناهز 6.1 مليار درهم على مدى 4 سنوات:
استقطاب حوالي 17.5 مليون سائح في أفق 2026؛
تحقيق 120 مليار درهم من المداخيل بالعملة الصعبة في أفق 2026؛
خلق 200 ألف فرصة شغل جديد مباشر وغير مباشر في أفق 2026؛
إعادة تموقع السياحة كقطاع أساسي في الاقتصاد الوطني.لبلوغ هذه الأهداف، تروم خارطة الطريق المعتمدة تحويل القطاع السياحي عبر العمل على كل الروافع الأساسية، من خلال:
• اعتماد تصور جديد للعرض السياحي يتمحور حول تجربة الزبون عبر 9 سلاسل موضوعاتية و5 سلاسل أفقية.
• وضع مخطط لمضاعفة سعة النقل الجوي.
• تعزيز الترويج والتسويق مع إيلاء اهتمام خاص للرقمنة.
• تنويع منتجات التنشيط الثقافية والترفيهية مع انبثاق نسيج من المقاولات الصغرى والمتوسطة النشطة والعصرية.
• تأهيل الفنادق وإحداث قدرات إيوائية جديدة.
• تعزيز الرأسمال البشري، عبر إطار جذاب للتكوين وتدبير الموارد البشرية، من أجل الارتقاء بجودة القطاع وإعطاء آفاق مهنية أفضل للشباب .