قصص من غزة: سفيرة للسلام بلا قدمين

‏أشد ما أصابني من النزوح هو أني لم أعد أحمل في داخلي أية إعتراضات أو موافقة، لا مُسير ولا مُخير، كأن كل شيء يُشبه اللاشيء، لا فرق بين التوقف أو الإستمرار، الشعور واللاشعور، خاوٍ من كل مظاهر الحياة وكأنها لا تعنيني، أنتظر النهار ليعود الليل.

ابنة غزة …
هي كل النساء، ملاك يشع نورا وبهجة سيدة الحسن والذكاء، كانت تحلم بأن تكون مراسلة،قضت عمرها تفكر بقضايا مجتمعها، رسمت واقع وردي لعالم يحترم الإنسان.

تفوقت في كلية الإعلام وتميزت بنشاطها الثقافي. وجهها الصبوح، يسعد القلوب ويمنح من يراها الأمل بمستقبل مشرق.
أعداء الحياة،لم يمنحوها وقت لتروي حكايتها.

لأنهم يكرهون البشر ،ويخشون الحقائق، تباهوا بنقصهم،خلعوا قدمها وفقأوا عينها.. كي يتهموها بأنها ترى الكون بعين واحدة وينشروا للعالم أنها متطرفة تستحق الإعدام دون رحمة.

المسكينة لم تكن تدرك أن هناك بشاعة تستوطن مخلوقات غريبة ناقمة على كل شيء جميل.
صبوا حقدهم،لشعورهم بالخوف من أن تحيا. الملاك الصغير ،صوتها يشع بهجة،موسيقى عذبة تطرب القلوب.

المجردون من الإنسانية، أطفئوا ناظريها، سرقوا أحلامها، رغم أنها تحمل ثقافة إنسانية، لو فاضت على المجتمعات، فستسقي الكون عدالة ومحبة.

قضت المعذبة عمرها مجتهدة، تحاول أن تزرع ثقافة المحبة،حلمت بأن تكون سفيرة السلام، تسخر صوتها للحق وتعبر عن المضطهدين وترصد تجربة المبدعين الذين يحملون أفكاراً تخدم البشرية. هذه الجميلة،حرقوها وجعلوها جثة تسير فوق الأرض.

حدثتني الدكتورة التي كانت تعالجها عن حكايتها بمرارة .. فبعد قصف بيتها بشكل مباشر واستشهاد العديد من أفراد عائلتها تحت الانقاض، عاشت ساعات القهر والخوف وهي تشعر بالعجز.

أكلها الظلام خنقها الغبار ،أصابها الاضطراب وهي تصغى للكلمات الأخيرة وللحظات الاحتضار لعائلتها … من هول الصدمة، فقدت وعيها وتخيلت أن روحها حلقت معهما إلى السماء .. بعد أعمال شاقة ومحاولات مستميتة من رجال الدفاع المدني ،ورغم ما تعرضوا له من قصف ،وبإمكانياتها المتواضعة،أخرجوها من تحت الانقاض .

عاشت أيام طويلة في العناية المركزة تتوجع من الألم وعندما فتحت عينيها على صوت أمها وهي تنادي عليها “يمة يا حبيبتي الحمد الله على سلامتك”.

لم تستوعب الصغيرة أين هي ..وعندما استعادت وعيها… بدأت تتحسس جسدها. اكتشفت أن قدمها مبتورة، فصرخت مفزوعة وانفجرت أصابها الهذيان.

رفضت هذا الواقع المزري وانفجرت بالبكاء …لطمت وشدت عينيها المفقودة بعنف وقوة وصرخت بجنون أريد مرآة أنا أرى .. أنا أرى، أنا أمشي وسأمشي انظروا.. حاولت أن تنزل على الأرض، لتسير على قدميها، فسقطت أرضاً، أرعب الجميع ما حدث لها، إنهارت الصغيرة. لم تحتمل والدتها هذا المشهد المرعب المفزع، فانفجرت بالبكاء وهي تحاول مواساتها..

نظرة الضحية المعذبة التي لم تقترف أي ذنب في الحياة إلا أنها فلسطينية..
وقالت لأمها :لماذا أنا يا أمي؟! ربنا يسامحكم، من أخبركم أنني أريد هذه الحياة، لماذا لم تتركوني أتحلل تحت الانقاض! لأرحل من هذا الكون البشع.

لم تنته الحكاية بعد… معاناة تجر ورائها بحر من العذابات والقهر والوجع ..مازالت الملاك الصغير تعيش كوابيس عجنوها بأمراض نفسية بدأت ولن تنتهي على مدار ما كتب لها من مساحة زمنية في الحياة.
ماذا أقول ونحن في عالم لا يسمع، لا يرى،لا يتكلم.

 

غادرنا المكان ولم تغادره أرواحنا ..إنها غزة ... لقد أجبرتنا حرب الابادة التى ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلى على تجرع المزيد من الحسرة والألم ..
عبرت الممثلة المصرية يسرا عن سعادتها بحضور فعاليات الدورة الواحدة والعشرين من مهرجان مراكش، بعد فترة غياب عنه، كما أشارت إلى التراكم والسمعة الدولية التي حققها المهرجان، وأهميته في ترويج صورة حقيقية للثقافة والواقع العربي.
"MAMMIA" تُحدث نقلة نوعية في حياة الأمهات المغربيات بإطلاق مضخة الثدي اللاسلكية.