الحياة بدون رحم…

ان استصال الرحم هو نهاية هذه الرغبة الدفينة، هو مواجهة مع حقيقة مرعبة اني لن أكون أما واني سأستأصل مع رحمي فرصة الحياة التي يمكن أن تحييني وتحيا عبرها سيرتي...

هل يلتقيان؟، هل يمكن لأحدهما أن يكون بدون الآخر ؟ ، هل يستقيم الأمر فلا حياة بدون رحم، ومن الرحم أصلا تولد الحياة، فكيف يمكن  أن أعيش بدون رحم…أسئلة كثيرة قفزت إلى مقدمة تفكيري، وأنا أستمع للطبيب الخامس الذي أكد كزملائه السابقين، أنه يتعين علي قطعا وتعجيلا، استئصال رحمي.

لم أكن أدرك الى أي درجة يمكن لهذا القرار أن يعبث بأفكاري، لا يتعلق الأمر باستئصال «المصرانة الزايدة»، أو «المرارة» أو حتى عملية استئصال «كلوة»، هل يستطيع عضو آخر من جسمي أن يحل محل الرحم، أن يقوم بأهم عملية في الحياة وهي منح الحياة لطفل ؟

لم أكن أعرف أيضا وأنا التي اخترت العزوبية اختيارا اني، في قرارة نفسي، كنت أريد طفلا واني كنت أهفو لأمومة مرتقبة، حتى ولو لم أقل ذلك صراحة لنفسي، ان استصال الرحم هو نهاية هذه الرغبة الدفينة، هو مواجهة مع حقيقة مرعبة اني لن أكون أما واني سأستأصل مع رحمي فرصة الحياة التي يمكن أن تحييني وتحيا عبرها سيرتي.

«شحال فيك ديال الفلسفة»، هكذا علقت أختي على الخبر العظيم، هي لم تفهم العلاقة التي ربطت في مخيلتي بين الاثنين، فكيف لي أن أقبل باستئصال عضو حي في دون أن تتغير الحياة نفسها.؟ سترتاحين من مانفيستو الآلام العظيمة التي تعيشنها مع كل دورة شهرية، ستصبح حياتك أسهل، وستكونين في مأمن من مرض السرطان».

كنت أعاني آلام الدورة الشهرية بشكل مزمن، كانت تلك معاناتي منذ سنوات الشباب الأولى، كان الجميع يخبرني فيما يشبه الحقيقة العلمية انه أمر شائع وعادي ويوشك أن يكون ضروريا لكل امرأة تشتغل هرموناتها بشكل جيد..

قضيت سنوات كثيرة وان أعاني من تدفق الدماء اثناء دورتي، لدرجة كنت اضطر فيها لتناول أغذية ومكملات غذائية، تفاديا للأنيميا، كنت صفراء شاحبة في أحيان كثيرة، وكان موعد الدورة الشهرية يتحول الى إجازة مرضية علي ترتيبها في العمل. قبل أربع سنوات أوضح لي طبيب الامراض النسائية أن الآلام المبرحة كانت بسبب الأورام الليفية الرحمية، اضطررت لإجراء عمليتي تنظير لاستئصال جزء من هذه الأورام، لسوء الحظ لم يكن ذلك كافيا لأن الأورام تعود بسرعة. إن عواقب هذا المرض على نوعية الحياة كبيرة، فالدورة الشهرية تكون ثقيلة والألم  شديد، والتعب مزمن وبسبب ذلك تصبح الحياة الاجتماعية معقدة.

مع ذلك كنت أحاول أن أتمتع بالحياة كامرأة شابة، كانت لدي قناعاتي الخاصة بالارتباط والحياة المشتركة، وكنت أرى في الزواج مشروعا مؤجلا حتى اشعار آخر ما لم تجمعني الحياة بالشخص المناسب، بلغت الأربعين دون أن يحدث ذلك ولم يشكل الأمر بالنسبة إلي أي سبب للاستعجال أو الإحباط، فالحياة جميلة ورائعة بالكثير من الأشياء الأخرى.

الخوف، التردد، الحزن والفقد مشاعر كثيرة تغيم على قلبي، وهواجس أكثر تخترق تفكيري.. 

إن استئصال الرحم  ليس خيارا لامرأة ترغب في إنجاب طفل، ولن تكون خيارا لشريك محتمل ستكون رغبته الأولى من الارتباط هي انجاب الأطفال، فمن ينوب عن رحمي في ولادة الحياة وكيف أقبل خسارة ذلك الاحتمال بأن أكون أما يوما ما ؟

 أعرف أن الكثيرات يتزوجن فقط من أجل انجاب طفل، لا مشكلة في مواصفات الزوج، المهم هو تلك النطفة التي يحتضنها رحمك، وهو صرخة الحياة التي تخرج من ذات الرحم.

لم أكن أنظر بعين الرضا عن النساء اللواتي كن يدافعن عن هذه الخيارات، فما معنى أن تعاشر شخصا غير مقتنع به، ولا تجمعك معه مشاعر لمجرد أن تحصل منه على طفل؟ وكيف يسامحك هذا الطفل أصلا على المتاجرة بوجوده والمجازفة به ومنحه أبا قد يكون غير صالح لمهمة الأبوة ؟

وماذا لو لم تمنحك الحياة هذه الخيارات التي كنت أحاكمها وتبدو عادية لكنها غير متاحة للجميع، فمن يقبل الارتباط أصلا بامرأة بدون رحم؟

اليوم أنظر بعين أخرى، بواقعية أكثر، وأجدني أعذرهن وألتمس الكثير من الصفح المعنوي عن أحكام نطلقها على الناس دون أن تسمح لنا المسافة ولا المعرفة ولا التجربة بأن يكون لنا رأي في أشياء حميمية وخاصة للآخرين.

كانت آخر الكلمات التي سمعتها من الطبيب قبل العملية هو أن الأمور ستكون بخير، لكني بعد العملية لم أكن بخير، فقد مات جزء مني وأصبحت نسخة أخرى من نفسي ولم أكن أتصور بأن تكون مشاعري مأساوية الى هذا الحد.فقد لا زمني الإحساس بالنقص وبالفقد، وبأن حياتي تغيرت مذ أخبرني الطبيب بأن السرطان يتهددني وأن استئصال الرحم لم يعد أمرا اختياريا.

بلغت الخمسين اليوم، عرفت فيها رجلين لم تكن لهما الشجاعة في متابعة الرحلة معي، لم أتزوج، لكني أصبحت أكثر تقبلا لنفسي ولحياتي، وصرت أكثر ثرثرة فيما يخص مشاعري التي كنت أحرص على إبقائها دفينة، أحكي القصص تلو القصص لجاراتي وصديقاتي وحتى لعابرات ألتقيهن في مواصلات النقل العمومي، وبدورهن يسردن قصصا تظهر الحياة بكافة ألوان الطيف، وكنت أتعلم في كل مرة كم أن الحياة معقدة جدا بالنسبة للنساء، وأن صورا كثيرة خلقت في أزمنة سابقة تسجن ارادتنا الجماعية، دون أن يكون لنا ذنب  في أن تتوافق رغباتنا الحقيقية مع تلك الصورة، إننا نمتلئ بالشروط التي تخترقنا تدريجيا منذ الطفولة وحتى النضج لتجعلنا نفكر بطريقة ما تدفعنا الى المشي كما يمشي الجميع، والى الامتثال للترتيبات الاجتماعية بكل وداعة، لعل هذا هو ما يجعل التعاطف النسائي مذهلا، تجارب مختلفة ومعاناة متشابهة.

لا أزعم أني شفيت تماما، فقد كانت لدي أحلام أخرى، لكن كان هناك ما يشبه غصة خفية وخفيفة اريير كو ، لربما تغير الأحداث لوكان لدي حرص قبلي على صحتي، تماما كما قال أحد الأطباء الذين زرتهم خلال مرحلة الاستشفاء «الكشف المبكر».

 لقد سمح لي تقاسم التجربة مع الغير، بأن أتخفف من ثقلها، وأن تصبح كل الأمور أقل ألما بنظري، ويمكن أن تحدث لأي كان «في أحسن العائلات» وفي أي مرحلة يمكن أن تأخذ حياتنا مسارا مختلفا.

تزوجت شقيقتي الوحيدة وهي تصغرني، ثم أهدتني طفلا جميلا، أصرت هي وزوجها أني أنا من سيختار له الاسم، فكان أن أصبح قرة عيني، وبعدها بعامين أهدتنا ابنة جميلة، يقول الجميع …….أنها نسخة طبق الأصل مني… 

يعد المسرح الملكي الرباط بتجربة ثقافية غامرة من خلال برمجة غنية تشمل احتضان أحداث ثقافية وطنية ودولية، بما يسهم في إثراء المشهد الثقافي للرباط والمغرب بأكمله.
منذ انطلاقته، دأب المهرجان الدولي للفيلم بمراكش على تكريم الأسماء اللامعة في عالم السينما، مما يعكس التزامه بتعزيز الثقافة السينمائية على الصعيدين الوطني والدولي.
بحسب وزارة الصحة، يسجل المغرب ما يقارب 40 ألف حالة إصابة جديدة بالسرطان سنويا بين النساء، يأتي سرطان الثدي في المرتبة الأولى بنسبة 36%، يليه سرطان عنق الرحم (11,2%).