حكاية كيف أصبحت نسوية ؟

الفكر النسوي الحقيقي يحمله الرجال والنساء، و الفكر الذكوري يحمله الرجال والنساء أيضا، بل يقدمون له الكثير من الحماية، والقرابين...

لا أعرف أي إثم  اقترفته النساء اللواتي يجاهرن بالحديث عن الحقوق، حتى تلصق بهن كل التهم، 

ولا أدرك بعد، وبعد سنين من محاولات الفهم، كيف نعادي شخصا لمجرد أنه لا يشبهنا، ونخاصم فكرة وفكرا لا نعرف منه إلا العنوان، ولم نعرف بعد ماهيته أو حتى المكاسب التي يمكن أن يهبنا، نعاديه لمجرد الإسم وما يمكن أن يلحق بنا من شظايا الاسم الذي يحمل وزر خطايا مجهولة.

هكذا كنت أتساءل وأنا في سنوات الشباب الأولى، وأنا ألمس معاداة غير مفهومة لأي حديث يرفع شعار النسوية بأي شكل من الأشكال، ثم لماذا في كل مرة ننطلق من فكرة الكمال للرجل وفكرة النقص للمرأة، لنعود إليها وتكون النسوية مجرد أضغاث أحلام ؟

كبرت الكثير من التساؤلات في عقلي الصغير وأنا بعد طالبة جامعية بكلية العلوم القانونية، كان لدي ما يشبه الاستفزاز، لم أكن أدرك أن اختياري دراسة الحقوق منبعه التساؤلات المدفونة في عمق تفكيري، وعلى العكس مما قد يعتقد البعض، فقد كنت أعيش في بيئة لا «حكرة» فيها على النساء، كانت البنات تشكلن الأغلبية في عائلة كبيرة مكونة من ثمانية إخوة من البنات والأولاد، لم نشعر أبدا بالوصاية التي يمكن أن يمارسها الرجل على نساء قبيلته الصغيرة، وعلى العكس كان والدي الموظف البسيط في سلك الشرطة يبدي الحب للبنات قبل الأولاد، وينتصر لهن في المشاحنات التي يمكن ان تنشب بين الأخوة، لم يكن اللباس القصير يدخل ضمن الطابو، ولا المايوه ولا الموسيقى الصاخبة ومشاهدة الأفلام السينمائية ولا حتى افطار رمضان أيام الدورة الشهرية امام أعين الإخوة الذكور…

حين كبرت عرفت أن هذا السقف ليس كبيرا جدا بمقياس الحقوق، لكنه منحني ما يكفي من الشعور بالندية وبالطبيعية، وقد عرفت بعدها وبالمقارنة التي كنت أعقدها مع الآخرين، أن والدي كان نسويا دون أن يقول، وأنه كان يحب بناته كثيرا مثل أولاده، وبإمكاناته البسيطة منحنا أولادا وبنات التعليم اللازم ومعه قيم كبيرة.

كنت أقارن بين صديقاتي اللواتي يعشن واقعا مختلفا، لم أكن أعرف شيئا عن الفكر النسوي، لكن المقارنة دفعتني بدون قصد، للمواجهة مع عقليات وممارسات كنت أجدها غير منطقية، فأصبحت كمن يدفع عن نفسه تهمة انه امرأة .

علي الاعتراف بان الجامعة منحتني صوتا، فقد كنت أناقش الأساتذة وتحملني الأحداث الكبرى لمعرفة سبب نزول القوانين وتاريخ الشعوب التي تبحث جميعها عن العدالة. في السنة الثانية زاد شغفي بالنقاش والمحاضرات، وأنا أكتشف بأن أستاذي ليس إلا المحامي والحقوقي الشهير الذي أراه في التلفزيون متحدثا عن حقوق المرأة، ومدافعا عن الحداثة والحقوق الكونية.

كانت المحاضرات في الجامعة دروسا في النقاش الحر وفي الحياة،

وكنت أظل مشدودة إلى طريقته في بناء المحاضرات، رؤيته للنسوية كبناء فكري يدخل تحت جناحه كل شيء يساهم في صنع وعي معرفي وقيمي يتجدد باستمرار. كان يزيح الكثير من سوء الفهم الذي يربط النسوية بالتطرف وبناء الفواصل والكراهية بين النساء والرجال، ويدافع عن مشروعية هدم أفكار وبناء أخرى استنادا الى قانون ينظم العلاقات بين افراد متساوين في الحقوق والواجبات..

وكنت معجبة ومسحورة…

صار حضوري إلزاميا، ونظراتنا أصبحت حديث الجميع، وكانت أشهر قليلة كافية لنعلن خبر ارتباطنا، وأشهرا قليلة أخرى، ليدخل العازب الى عش الزوجية، لم أكن محتاجة لأي طقس من طقوس الاحتفال كما رغبت والدتي واخواتي، ودافع والدي عن اختياري وحملني المسؤولية : ابنته التي تدرس القانون تستطيع حماية حقوقها وهي مستقلة بالقرار.

أشهر قليلة أيضا من السعادة، ومن الحياة المشتركة جعلتني أكتشف شساعة المسافة بين الحقيقة والخطاب، بين الفعل والشعار، بين ما نؤمن به حقا، وبين ما نغتصب أنفسنا لأجل اعتناقه.

دام زواجنا سنة واحدة، تكسرت فيها صورة الرجل النسوي المؤمن بالحياة التي تمنحها المرأة للأشياء، بوجهة نظرها واختياراتها المستقلة.

في الأشهر القليلة التي دام فيها زواجنا، أسقط الرجل الذي يتحدث عن القوانين الدولية والحقوق الانسانية، الكثير من المثالية التي أحاط بها صورته مقابل افكار رسختها التقاليد عن الأدوار الاجتماعية والثقافية للنساء، عن تراتبية حتمية بين الجنسين. في النقاش والكلام، في التنقل في العلاقات العامة.. كان المنع أكثر ما يقدمه، لم يكن بالإمكان مخاتلة الوضع الذي تطور إلى منعي من متابعة الدراسة بحجة الاهتمام والتفرغ لأعظم مهمة «الاهتمام بالزوج وبالأسرة»، وسقطت ورقة التوت حين وصل الأمر الى إسكاتي بالعنف. 

تكسرت القناعات النسوية على جدار الحياة اليومية، وبرز رجل آخر بعقلية تلغي عقل المرأة وإنسانيتها بكل طبيعية، طلبت الطلاق، فثارت ثائرة الجميع، كيف انفصل بعد شهور فقط، ومن المجنونة التي تضيع زوجا مثاليا؟

من جديد، كان والدي الوحيد الذي ساند قراري، وعدت للبيت، لم تكسرني التجربة، لكني أصبحت أكثر تريثا في قراءة الواقع، وما تمارسه الثقافة علينا جميعا، وكيف تبنى الذهنيات وكيف يكسر المجتمع أضلع النساء في حماية مثالية كاذبة لصورة الرجولة، وشيطنة كل ما هو نسوي.

ضاعت سنة من عمري ومساري الجامعي، لكني ربحت تجربة الفشل، منحني ذلك اصرار اتباث النجاح، فحصلت على الدكتوراه، وأصبحت محامية تترافع في المحاكم، وتعطي المحاضرات في الجامعة.

 في المهمتين معا، وفي المجتمع بعد ان انخرطت في العمل المدني، أدرك مرة تلو المرة أن الفكر النسوي الحقيقي يحمله الرجال والنساء، وأن الفكر الذكوري أيضا يحمله الرجال والنساء، بل يقدمون له الكثير من الحماية، والقرابين.

أشتغل اليوم بمجال القانون وبعد أن نشرت الكثير من الكتب  والنصوص والمقالات، والبرامج، أشعر أن هناك الكثير مما علي فعله وأحتاج زمنا آخر لأن ما يتم تسريبه إلى البنية الذهنية من أحكام وأفكار تخص المرأة مستقل عن القانون ويحتاج إلى نضال خاص… يتعلق الأمر بمعركة تُخاض في الأذهان. 

يعد المسرح الملكي الرباط بتجربة ثقافية غامرة من خلال برمجة غنية تشمل احتضان أحداث ثقافية وطنية ودولية، بما يسهم في إثراء المشهد الثقافي للرباط والمغرب بأكمله.
منذ انطلاقته، دأب المهرجان الدولي للفيلم بمراكش على تكريم الأسماء اللامعة في عالم السينما، مما يعكس التزامه بتعزيز الثقافة السينمائية على الصعيدين الوطني والدولي.
بحسب وزارة الصحة، يسجل المغرب ما يقارب 40 ألف حالة إصابة جديدة بالسرطان سنويا بين النساء، يأتي سرطان الثدي في المرتبة الأولى بنسبة 36%، يليه سرطان عنق الرحم (11,2%).