في احتفالية تجمع بين البعدين الديني والتراثي، تشهد مدينة سلا المغربية سنويا إقامة “موكب الشموع” بمناسبة ذكرى المولد النبوي، حيث تطوف المجسمات الخشبية المزخرفة بالشمع أحياء المدينة العتيقة على أنغام الموسيقى التراثية، في مشهد يختزل قرونا من التاريخ.
ويعتبر الموكب، الذي تنتهي مسيرته عند ضريح الولي عبد الله بن حسون، تعبيرا عن شغف المغاربة بحب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وترسيخاً لقيم التسامح والسلام، كما يوضح عبد المجيد الحسوني، نقيب الشرفاء الحسونيين.
وتشكل المجسمات الشمعية، التي تُصنع بواسطة قطع صغيرة ملونة تُرصّع على هياكل خشبية لتشكل لوحات على شكل مآذن وقباب، قلب الاحتفالية. وهو فن تتوارثه عائلات المدينة منذ قرون.
يبدأ الموكب بعد عصر اليوم الحادي عشر من ربيع الأول، حيث يحمل المشاركون مجسمات يصل وزن بعضها إلى 50 كيلوغراماً، ويتحركون على إيقاعات فرق تراثية قادمة من مختلف أنحاء المغرب مثل عيساوة وكناوة، إلى جانب مشاركات إفريقية أصبحت علامة على تنوع الاحتفال في السنوات الأخيرة.
تعود فكرة هذا الموكب إلى العصر السعدي، وتحديدا إلى السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي أعجب بموكب للشموع شاهده في إسطنبول أثناء زيارته لها، وقطع عهدا على نفسه بتنظيم موكب مماثل أو يفوقه روعة إذا تولى حكم المغرب.
وبحسب الرواية التاريخية، التي تذكرها الأديبة نجاة المريني ويؤكدها محمد بن حسون من اللجنة المنظمة، فإن المنصور الذهبي حقق وعده بعد توليه الحكم سنة 986 هجري، إثر انتصاره في معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاثة)، حيث جمع صناعاً من مدن سلا وفاس ومراكش لتنفيذ رؤيته بإنشاء مجسمات شمعية أكبر حجماً وأكثر إبهارا.
هذا الاحتفال، الذي لا يزال مستمرا منذ ذلك الحين، ليس مجرد طقس ديني، بل هو شاهد حي على فترة ازدهار عاشها المغرب في عهد المنصور الذهبي، أصبح فيها محط أنظار الدول ومقصداً للوفود والتبادل الثقافي.