الدخول الثقافي بين الواقع والتخييل

هل يطرح الدخول الثقافي إشكالات خاصة به، تفرض علينا إعتبارها المحاور الأساسية والهامة التي يجب مناقشتها والخوض في تفاصيلها مع بداية الموسم الأدبي والثقافي؟ ولماذا تتجلى إشكالات بعينها لتفرض نفسها ثقافيا وأدبيا؟ هل هي وليدة الظروف الحالية التي تمر بها البلدان العربية، أم أن الأمر يتعلق بصدفة ثقافية؟

ما الحاجة إلى عبد الله العروي؟
صدرت مؤخرا مجلة النهضة بمحور هكذا تكلم عبد لله » خاص يحمل عنوان ويبدو أنه ليس الاهتمام الوحيد، « العروي فهناك أصداء ثقافية تتحدث عن قرب صدور كتاب جماعي مشترك يحمل عنوان ويمكن ،« في الحاجة إلى عبد لله العروي » اعتبار هذا الاهتمام الثقافي اهتماما عاديا بمفكر عربي أعطى الكثير في الفكر والعقل وأنار على مدى أكثر من نصف قرن العديد من الإشكالات التي تحدث ثورة في التقليد ومفاهيم التراث والفكر والعقل والتاريخ، إلا أن هذا ليس هو العامل الوحيد، فالعودة إلى الاهتمام بفكر العروي من جديد، يجعلنا نعيد فتح العديد من الإشكالات التي كان لها امتداد للسنة الماضية، والتي تمحورت حول إشكالية اللغة والنقاش القوي الذي دار بين اللغة الفصحى والعامية، والذي كان له تأثير كبير في الأوساط، سيما أنه تفرعت عنه العديد من التفرقات التي ترى بأن العودة للعامية تُصلح من شأن الثقافة. وطرحت مجلة النهضة وجود مفكر كبير كعبد لله العروي، لا يمكن أن يفهمه إلا ذوي الاختصاص والعارفين بخبايا المعرفة والفكر، وهو سؤال في حد ذاته يطرحه كثيرون يرون أن الثقافة هي الهبوط إلى مستوى الوعي الجماهيري والحديث معه بلغته، وهو إشكال يجعلنا نقول : إذا بدأنا في هذا الانحدار فسننحدر إلى السفح المعرفي، وبالتالي لن نجد في المستقبل دعائم فكرية وثقافية. وفي حوار أجرته مجلة النهضة مع المفكر عبد لله العروي فيما يتعلق بالشأن اللغوي، انتقد العروي من يحاولون ترسيخ اللغة الدارجة فيالتدريس دون اعتبار للنتائج الوخيمة المترتبة عن هذا الفعل، يرى المفكر في أرفض أن نتصرف وكأننا » : هذا الصدد أمة أمية، خرجنا من الأمية منذ قرون، وازدواجية اللغة بين مكتوبة ومحكية ليس دليلا على أننا ما زلنا أميين. هذه مفاهيم مغلوطة ورثها البعض عن كتاب جهال أو مغرضين. الرأي حر. من يعتقد أننا كنا ولا زلنا أمة أمية، وأن علينا أن ننشىء ثقافة خاصة بنا مبنية على وضعنا الحالي، بدون أن نعبأ بما أنجز من قبل وفي بلدنا،له ذلك، لكن ليس له أن يفرض نظرته على الجميع وليس هذا السبب الوحيد لفتح النقاش حول ما طرحه المفكر العروي، بل إن العودة لأسئلة العقل والفكر والتفكير في الواقع بنظرة واقعية هي من بين الأسباب التي تجعل النقاش يعود إلى هذا المفكر، ولا ينبغي أن يكون التفكير بالمفكرين ظرفيا فقط، بل على مجتمعنا أن يطرح مفكريه في كل الفترات.

في الحاجة إلى القراءة :

يفرض هذا الموضوع نفسه اليوم بحدة في العالم، وفي الآونة الأخيرة اتخذ وجهات نظر أخرى، فالعديد من المبادرات لتنمية القراءة بدأت تأخذ طريقها تحسيسيا وتطبيقيا، إذ لم تقف هذه المبادرات عند هذا الشق الأول من إعادة الرغبة في القراءة، بل بدأت تسعى إلى ورشات فعلية، إضافة إلى النداء لارتكاب هذا الطقس الجميل، والقراءة ولاشك، شرط فعلي للنهوض بالمجتمع، انطلاقا من هذا الاعتبار، لم تتوقف أنشطة القراءات في الصيف ولا المبادرات لتقوية هذا الفعل، وجعله شرطا يوميا للحضور. وتمثل هذه المبادرات ,الصيفية تمهيدا للدخول الثقافي، إذ أنها لا تفقد التواصل مع فعل القراءة، حتى تضمن استمرارية هذا الفعل. ويمكن الإشارة إلى مبادرة شبكة تنمية القراءة، التي عملت على برنامج صيفي مكثف والتي تمهد لمشروع قرائي يعيد الرابطة الدموية بين الفرد والكتاب. إضافة إلى المكتبة الشاطئية بالجديدة التي نظمتها المكتبة الوسائطية ادريس التاشفيني وجمعية أصدقاء المكتبة والوسائطية وصالون مازاغان للثقافة والفن، وهي مبادرة تربط التواصل مع الكتابة في الصيف بتنظيم أنشطة في الحكي والشعر، كما أنها جعلت المكتبة على الشاطئ قرب الماء، حتى تتجاور متعة الاصطياف بمتعة الكتاب، بحضور العديد من الشعراء والقصاصين الذين فتحوا النقاش مع الجمهور. وقد فتح صالون مازاغان، النقاش مع الناقد حسن المودن حول جدوى التحليل النفسي اليوم في الأدب، وخاصة بعد إصداراته المتعددة حول هذا الموضوع الذي أصبح محط اهتمام النقد الأدبي في العالم.
وهو سؤال يطرح على البناء الثقافي ككل. فالتحليل النفسي ما فتىء يطرح إشكالات جديدة ويحاول إيجاد حلول لها، وهذا ما يفسر تطور النقد في فتح هذا النقاش من جديد وظهور مؤلفات هامة مثل التي نجدها لدى الناقد الفرنسي بيير بايار، وهو يتساءل عن الحديث عن الأمكنة التي لم نزرها، والعوالم التي لا نعرفها، ومع ذلك يزخر بها الفكر والإبداع. وربما تعيد مثل هذه النقاشات السؤال في عوالم التخييل التي تمنح جرعة مغايرة للواقع.

في الحاجة إلى التخييل
ركزت المجلة الأدبية الفرنسية على دخول ثقافي منظم، مطمئن، ولكن شبقي على حد تعبير افتتاحية المجلة، فاتحة ذراعيها لرحمة التخييل، وكأنها تستنجد به من زحمة الواقع، ولو للحظة لذة في الأدب قبل أن تصبح أرواحنا في العدم. ويمكن لهذه الفكرة أن تعيد اللقاء مع اللعب في الأدب وإمكاناته لإبعاد سلطة الواقع وللتخفيف من وطأته، بحيث أنها اختارت العديد من الكتب للدخول الثقافي وليس فقط الكتب التي صدرت مؤخرا، بل التي صدرت أيضا، في السنوات الماضية.

وترى المجلة أن هناككتبا يمكن الاطلاع عليها في هذا الموسم الجديد، كما أن هناك كتبا ينبغي الابتعاد عنها، وهو ما يجعل من المجلات فعلا ثقافيا توجيهيا يرسم خارطة الدخول إلى الموسم بهذا الفعل التخييلي دون ذاك.

إن مثل هذا الترسيم القرائي يجعلنا نتساءل عن الدخول الثقافي الذي يشبه الموضة في شكل من أشكاله، فهو يستطيع أن يحدد نوعية المصادر التي ينبغي أن نطلع عليها ويوجهنا نحو الأثر الذي ينبغي أن نلاحقه، ودون أن ندرك تماما هذا الاختيار، نجدنا نذهب إليه دون البحث عن أسباب هذا التوجه.

ولا يمكن أن لا نشير إلى ظهور العديد من الأعمال المترجمة، فقد ظهرت ترجمة الأديبة الكندية أليس مونرو والتي حازت على جائزة نوبل للإبداع في القصة القصيرة، بحيث نجد العديد من أعمالها تغزو السوق الأدبي، وهو ما جعل العديد يبحثون عن عوالمها القصصية، والتي أخفقت انتظارات الجمهور الثقافي، فقد كانوا يرتؤون بأن الكاتب الياباني هاروكي موراكامي هو الذي سينال جائزة نوبل، غير أن هذه التوقعات باءت بالفشل.

الدخول الثقافي في حاجة إلى إعادة طرح أسئلة حول مصير الفكر والإبداع والثقافة ومدى تلبيتها للواقع، لأن الواقع يفرض نفسه الآن في ظل أزمات الوطن العربي، وفي نفس الآن ينحو نحو التخييل، وهو يشتق من العديد من النظريات التي تراهن على اللعب في الأدب، والتي تربط القراءة بالمتعة أولا، قبل أن تصير مصيرا مشتركا وضروريا لتغيير الشعوب، وهو ما يجعل لكل هذه المحاور ضرورتها من أجل فعل ثقافي جاد.

قدم المخرج والكاتب المغربي عبد الحي العراقي فيلمه الجديد "55" في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، كأول عرض أول للفيلم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يستعد النجم المغربي دوزي، لتمثيل المغرب من خلال إحياء سهرة فنية كبرى في "حفل الأخوة الإيفوارية المغربية" من تنظم سفارة المملكة المغربية في أبيدجان عاصمة كوت ديفوار يوم الجمعة 15 ديسمبر 2023، بحديقة المعرض الكبير بالعاصمة أبيدجان.
استضاف مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الاحتفال السنوي الخامس لتكريم المرأة في السينما بالشراكة مع مجلة فانيتي فير أوروبا.