شعبانة .. احتفال يتهدد بالانقراض

للاحتفال طعم خاص ومذاق يسري في شرايين الذاكرة الجماعية، كلما انفتحت سيرته، خاصة في جانبه الديني. تحضر طقوس الاحتفال والفرحة التي تسكن نفوس الأطفال وتظل عالقة بذاكرتهم إلى أن يكبروا، مهما تشبعت مسالك حياتهم ومساراتهم. وتظل فرحة الاحتفال حنينا يراود النفوس في كل المراحل العمرية. ذلك حال المراكشيين مع طقوس “شعبانة” التي أخذت طريقها إلى الاندثار ولم يعد لها مكان وسط الاحتفالات الجماعية. باستثناء بعض الدروب والأحياء المتناثرة بالمدينة العتيقة.

ما إن يفتح حديث الاحتفال بشعبانة، حتى تشتعل العيون وتتقافز الصور والأجواء الاحتفالية بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. ذكريات جميلة لا حصر لها، توحي بأن المراكشيين يقدسون الاحتفال ومظاهر البهجة والفرح، إنهم على كل حال أهل “البهجة” والنكتة والمرح بامتياز. الكبار يحنون لطفولة امتزجت بطعم الفرح الذي كانت تخلقه أجواء الاحتفالات، والصغار لا يعرفون عنها شيئا باستثناء من حالفهم الحظ لسماع قصص شيقة عنها كان أبطالها آباؤهم وأجدادهم الذين خبروا نشوة إحياء طقوس تقلص مكانها بينهم حتى باتت مجرد ذكريات وحنين لماض جميل.

“شعبانة” والحنين لزمن جميل

ببعض من الحسرة تتحدث للا محجوبة، امرأة في الخمسين من عمرها، عن طقوس شعبانة التي كانت تنم عن تضامن وتآزر بين الناس. في حديثها نفخة حنين موجع لطقوس بدأت تندثر مظاهرها منذ وقت طويل، “للأسف لم يعد الناس يحتفلون “بشعبانة” تقريبا اللهم في أحياء معدودة وأخذت معها كل شيء جميل”. هي تحمل المسؤولية للناس الذين ملأهم الطمع وأغرتهم مظاهر الحياة الجديدة على حد قولها. تفاصيل ذكريات جميلة تستحضرها المرأة متسائلة عن “قسرية صبرني” التي لم يعد لها مكان، وهي عبارة عن طبق تقليدي تهيؤه النسوة قبل تقديم الأطباق الرئيسية الخاصة بالاحتفال الرسمي ل”شعبانة”. هي كما تدل التسمية طبق تسكت به النساء جوعهن قبل تقديم العشاء الرئيسي المكون من التريد ومرق الدجاج البلدي، وقد تكون هناك أطباق أخرى متنوعة حسب الميزانية المرصودة للمناسبة. منذ حلول اليوم الأول من شعبان وحتى قبل ذلك، تبدأ النساء في التحضير لإحياء شعبانة، الأطفال يركضون فرحا لأنهم وحدهم يشاركون النساء الاحتفال. إنه احتفال نسائي بامتياز. تتكلف بعض النسوة بجمع المساهمات لاقتناء لوازم الليلة، فيما أخريات يقمن بالتحضير لليلة مميزة تجمع بين جارات وصديقات وحتى قريبات.

الاحتفال في حد ذاته مهم في حياة المراكشيين، ولا يقتصر فقط على المناسبات الدينية، التي تكون فرصة لكي يلتقين ويهربن من ضغط الحياة اليومية، بل قد يكون في أحيان كثيرة حاضرا بدون مناسبة خاصة الرجال أيضا وفي وقت سابق كانوا يشركون النساء احتفالاتهن، لكنهم يكتفون بالانزواء في ركن جانبي خاص بهم لوحدهم، فيما تتكلف النساء بإعداد الطعام والتفرج على الأجواق التي يتم جلبها بالمناسبة، وهي إما أجواق نسائية يقدمن رقصات وأهازيج ويسمين “اللعابات” أو أجواء عصرية أو ما يسمى ب “الديدجي” المعتمد في تنشيط بعض الأعراس والمناسبات.

“جذبة” على إيقاع كناوة

لعل ما يميز “شعبانة” هي الليلة التي تحرص “الشوفات” أو العرافات على تنظيمها، وهي طقس دأبن عليه منذ زمن بعيد، ويكون في النصف الثاني من شهر شعبان. ولكل “شوافة” ليلتها الخاصة التي لا تتزامن مع غيرها، حيث يكون هناك اتفاق بينهن لكل منهن ليلتها، والتي تحرص خلالها على جلب مجموعات “كناوة” وتعتمد النساء إلى ارتداء اللون الأحمر والأخضر، ويخرجن راكضات وهن حافيات الأقدام، كما يذبح “عتروس” بالمناسبة.

بالنسبة لسميرة المنحدرة حي باب إيلان، فإن ذلك من أسوء أنواع الاحتفالات ب”شعبانة”، فمنذ كانت طفلة كان يخيفها منظر النسوة وهن يرتدين تلك الألوان، “منظرهن وهن يضعن الأحمر والأخضر ويركضن في كل الاتجاهات على إيقاع كناوة كان يدخل الرهبة في نفسي، ويجعلني أهرب لأحتمي بحضن أمي وقلبي يرتجف خوفا”، تقول سميرة ذات الثلاثين سنة وهي تعمل مسؤولية بمركز تجاري.

معروف لدى المراكشيات أن ليلة “الشوفات” هي طقس اعتيادي يحرصن عليه في النصف الثاني من شهر شعبان، والهدف منه هو توديع الجن الذي لن يكون حاضرا طيلة شهر رمضان، كما يعتقدن، ولعلها مناسبة لكي يجددن تواصلهن مع زبنائهن بحكم أن شهر رمضان لن يسمح باللقاءات التي تجرى عادة بين الإثنين.

لازالت بعض الدروب بالمدينة القديمة تحافظ على هذا الطقس السنوي، والذي يتيح لبعض محبات “الجذبة” على إيقاع كناوة إحياءه رفقة بعض العرافات اللواتي يجددن من خلاله أواصر الروابط مع زبوناتهن، وليس شرطا أن تكون المرأة زبونة وفية أو اعتيادية للشوافة حتى تشاركهن الاحتفال، إذ قد تكون معنية فقط بطقس “الجذبة” الذي يخلصها من التوتر والقلق خلال شعبانة. أما “الشوافات” فيعتقدن أنهن بذلك يحتفين بالجن الذي لن يتخلى عنهن بعد انقضاء شهر رمضان ويعود لإسداء خدماته من جديد، خصوصا وأنه في الشهر الفضيل لا يمكنهن أن يمارسن نشاطهن المعتاد.

“شعبانة” تعكس روح التضامن والتآزر

لا يستقيم الحديث عن طقوس الاحتفال ب “شعبانة” دون الانخراط في الجو العام والثقافة اللذين كانا سائدين إلى وقت قريب في أحياء مراكش. عادات جميلة تستحضرها المراكشيات بحنين ممزوج ببعض الحسرة على فقدانها. تتوقف سعاد، وهي موظفة في القطاع الخاص، عند محطة طبعت طفولتها بكل ماهو جميل وممتع، “أتذكر أن بيتنا كان فضاءا للاحتفال، بمناسبة ومن غير مناسبة. كان أبي يخصص غرفة خاصة لعدة الاحتفال مكونة من التعاريج من مختلف الأشكال والألوان، وتقاتيق وعود وغيرها من الآلات الموسيقية التي يدوي صوتها في بيتنا في كل مناسبة، وكان الجيران على إيقاعه يركضون إلينا لمشاركتنا الغناء والرقص وكل مظاهر الاحتفال والذي كان يستمر إلى وقت متأخر من الليل”. بعينين تلمعان كلما فاض الحديث بشجون الماضي الجميل تتذكر سعاد تفاصيل حياتها الطفولية المفعمة بالفرح والبهجة، فأبوها كان شغوفا بالفن والطرب بشتى تلاوينه، وبيتها كان يستقبل الجيران والأحباب بمختلف مشاربهم في كل المناسبات. وكم يحزنها فقدان الفونوغراف الذي كان يدير أسطوانات الملحون والطرب في فناء بيتهم، والذي تخلص منه إخوتها مباشرة بعد وفاة والدها، والذي تعتبره تحفة نادرة يعز عليها اليوم ألا تراه في مكانه كما كان قبل عشرين سنة من الآن.

“شعبانة” في حد ذاتها لم تكن تشكل إلا مظهرا من مظاهر التضامن والتكتل العائلي بين المراكشيين، وسواء تعلق الأمر بمناسبات سعيدة أو حتى في المآتم فقد كان الجيران يتكتلون ويتضامنون في الفرح و”القرح”، كما يقول المغاربة. قبل حلول شهر رمضان اعتادت النساء في مراكش، وهي عادة لاتزال إلى غاية اليوم موجودة، على تحضير حلويات رمضان بمختلف أشكالها بشكل جماعي، حيث يعملن على صنعها بشكل دوري لبعضهن، أو يصنعن كميات كبيرة بشكل جماعي ويقمن بعد ذلك بتقسيمها لكل واحدة نصيبها، نظرا للمجهود الذي يتطلبه تحضير حلويات رمضان.

باستثناء بعض أحياء المدينة القديمة مثل باب إيلان والزاوية العباسية والقنارية وسيدي يوسف بن علي، التي لازالت النساء فيها تحرصن على تلك العادات، فإن باقي الأحياء والتي أصبح يقطنها أشخاص لا ينحدرون من مراكش ويمثلون نسبة مهمة من ساكنتها، دون الحديث عن الأجانب الذين اشتروا الرياضات، فإن تلك الطقوس تكاد تكون شبه منعدمة، اللهم بعض العائلات المراكشية التي اضطرت لتغيير مساكنها والانتقال للعيش في أحياء أخرى جديدة، والتي حرصت على الاحتفاظ بتلك الطقوس رغم الحياة الجديدة، وهم أقلية.

 

 

سيلين ديون تصل إلى العاصمة الفرنسية باريس، استعدادًا لمشاركتها في افتتاح أولمبياد 2024.
حققت اللاعبة الدولية المغربية فاطمة تاغناوت حلمًا طال انتظاره بانضمامها إلى نادي إشبيلية الإسباني للسيدات، لتصبح أول لاعبة مغربية ترتدي قميص النادي الأندلسي.
قالت مصادر مُطلعة على الوضع، أن بيلا حديد استعانت بمحامين ضد شركة أديداس بسبب افتقارها إلى المساءلة العامة، وذكرت أنها تشعر أنهم قادوا ضدها حملة قاسية ومدمرة.