شيء كالعلقم

تشكلت العلاقة مع والدي من جديد. كنت الأقرب إليه، كنت أحرص على ملء ذلك الفراغ الذي أحسسته في غياب والدتي، لم أفعل ذلك لوحدي، فقد كانت مشاكله مع والدتي تزيدنا قربا منه، ناقشنا كل الأشياء التي كان من الممكن لأب وأبنائه مناقشتها.. مستقبلنا ودراستنا.. قرأنا الكثير من الكتب، وناقشناها، ناقشنا حتى مشاكله مع والدتي. كان قادرا على اقناع أي شخص عنيد، ولم أكن في حاجة إلى أن يقنعني بشيء.

منذ خمس سنوات بالضبط بدأت الحكاية، لنقل إنها انتهت بالنسبة إلى والدتي وابتدأت بالنسبة إلي. حدث ذلك قبل تخرجي من المعهد الاقتصادي بسنة واحدة فقط، واحدة لا غير، حينها اختار والدي وضع حد لحياته معنا، مع والدتي، معي، مع إخوتي، مع عالم شيده ببطء وصبر وبكثير من التضحيات التي بذلها من أجل عائلتنا والتي كنا شهودا عليها. في لحظة واحدة فقط، خرج من البيت، إثر خصام عادي، ولم يعد بعدها أبدا. لم يغادرنا فقط، غادر البلد بأكمله، واستقل طائرة نحو بلد جديد ابتدأ فيه حياة جديدة مع سيدة جديدة، هي حبه الأول !! هل كانت الأمور سيئة، نعم كانت كذلك، لكن ليس إلى درجة تحطيم عائلة بأكملها. هل كانا على خلاف، نعم، كانا كذلك، لا يشبهان بعضهما في الطباع ولا في العادات و لا في التقاليد، كان أبي رجلا بيضاويا يحب الحياة ويقبل عليها بالكثير من التفاؤل والبساطة، وكانت والدتي من عائلة برجوازية معروفة، جميلة ولا تدع مناسبة دون أن تعبر له فيها عن اهتمامها الشديد بأسرتنا. تحسب كل شيء قبل أن تقدم عليه حفاظا على توازن عائلتنا الصغيرة، لكن حساباتها ذهبت أدراج الريح في تلك الصبيحة حين تعالت صرخاتهما معا ولم نفهم ما الذي يحدث بين والدينا، بين رجل وامرأة قضيا أكثر من ربع قرن تحت سقف البيت نفسه، دون أن ينجح شيء أو شخص في التفرقة بينهما. كيف استطاعت امرأة لم يرها منذ عشرين سنة أن تتسلل إلى حياتنا من جديد، أين وجدها ثانية ؟ وكيف عرف طريقها وكيف عرفت طريقه ؟ كيف استطاع أن يرحل دون أن يودعنا ودون أن يقول لنا كلمة واحدة ؟ نحن أطفاله بل نحن أصدقاؤه، ألم يعلمنا معنى الصدق والحوار ؟ هكذا تربينا، لكنه اختار الانكماش والانغلاق على نفسه، ولغة الصراخ عوضا عن لغة الحوار، وفي تلك المعادلة كنا مجرد عدد، أسقطنا في لحظة غضب من حساباته.

هل كانت الأمور سيئة ؟ أتذكر أنه في السنوات الخمس الأخيرة، كنت الأقرب إليه والأحب إليه بوصفي الإبنة الكبرى والوحيدة بين ثلاثة ذكور. حاولت دوما أن أكون الأفضل، أن أجعله فخورا بي، وكانت معدلاتي العالية هي هديتي الوحيدة إليه، بعدما أهداني رفقة إخوتي كل ما يمكن لأب أن يمنحه لأطفاله الحب القائم على احترام الذات والآخر. وبسبب الخلافات التي تفاقمت مع والدتي، واختيارها الهروب من المشاكل التي لا تنتهي بالبيت، وتصنعها انشغالات جديدة كل مرة، مما ترك البيت فارغا في أوقات كثيرة، تشكلت العلاقة مع والدي من جديد. كنت الأقرب إليه، كنت أحرص على ملء ذلك الفراغ الذي أحسسته في غياب والدتي، لم أفعل ذلك لوحدي، فقد كانت مشاكله مع والدتي تزيدنا قربا منه، ناقشنا كل الأشياء التي كان من الممكن لأب وأبنائه مناقشتها : المواضيع السياسية، والمواضيع الاجتماعية، والحكومة والوزراء… ناقشنا مآسي فلسطين، وسقوط الطائرات الحربية. ناقشنا مستقبلنا ودراستنا. قرأنا الكثير من الكتب، وناقشناها فيما بعد في جلساتنا التي كانت تجمعنا، ناقشنا حتى مشاكله مع والدتي. كان قادرا على اقناع أي شخص عنيد، ولم أكن في حاجة إلى أن يقنعني بشيء، كان أبي وكنت أحبه ومعجبة بمساره في الحياة. كان شخصا يتقن فن الكلام، ولم أر شخصا قادرا على إدارة الجلسات أكثر منه، كان ذلك الرجل هو أبي، أبي الرائع، أبي الذي تخلى عن عائلة كاملة، من أجل امرأة أحبها قبل عشرين عاما… حين أفكر أنه رحل قبيل تخرجي بشهور قليلة، يبدو السيناريو واضحا وقاسيا جدا بالنسبة إلي وإلى والدتي على وجه الخصوص.

لقد خطط بدم بارد لتركنا بعدما يكون عودنا قد اشتد، لم يتركنا في طفولتنا، كنا أضعف من أن يتركنا خلفه. لم يتركنا في بداية مراهقتا. كنا معجبين به أكثر مناللازم، ولم يكن ليترك نظرة الإعجاب تلك تضيع في زحام ما يخطط له، استغرب فقط أنه لم يرحل بعد ذلك، لقد انتظر حوالي خمس سنوات أخرى. انتظر حتى أصبحنا على أبواب عشريناتنا، والدتي حينها كانت على أعتاب الخمسينات، تدخلها “بكامل مشمشها”، كما قال محمود درويش، الذي يحتفظ والدي بأشعاره جميعها !! لكنه لم يستطع أن يبق معنا أكثر من ذلك، وليته ذهب قبل ذلك، لكان الوجع أقل، ولكنا تفهمنا أكثر أن يتخلى الوالد عن أولاده وعائلته وزوجته من أجل حب قديم. ترى هل يستحق ذلك الحب الذي عاود الاشتغال، حجم الرماد الذي نثره على وجه عائلتنا الصغيرة والسعيدة، أو هكذا اعتقدت دائما.
لا يمكنني الادعاء بامتلاك التفاصيل الكاملة لعلاقته مع زوجته الثانية، ولا كيف التقاها ثانية، ولا أين كان يلتقيها. لأنه حتما كان يفعل ذلك في نفس الفترة التي كان يقوم فيها بواجباته الكاملة كأب وكزوج يحاول ما أمكن إصلاح ما يمكن إصلاحه.لا أدعي الحقيقة، ولا أستطيع أن أتصور والدي عاشقا ورجلا خائنا، والأنكى أنني لا أستطيع تصوره حبيبا يغازل امرأة غير والدتي !! هل أنكر عليه حقه الطبيعي في الحياة ؟ هو الذي أنكر علينا حقنا الطبيعي في عائلة دمرها بكل برودة وجعلنا نعيد ترتيب الأشياء من جديد.
بعد رحيل والدي والتأكد من خبر زواجه، وهجرته للاستقرار في فرنسا، بعد حصوله على التقاعد النسبي، تغيرت الأشياء في المنزل بلمح البصر. التحق شقيقاي بمعاهد خاصة داخلية، ,لإكمال دراستهما، لم نعد نراهما سوى نهاية الأسبوع، قبل أن تتمدد هذه اللقاءات إلى مرة كل شهر. وبعد أقل من سنتين سيعلن كلاهما ارتباطهما الرسمي بشريكتي حياتهما، والدتي دخلت في نوبة اكتئاب حادة، سرعان ما وجدت في النوادي الرياضية والرحلات الداخلية والمنتجعات السياحية ملاذا لها من وحدتها. أما أنا فأمارس الهندسة في مكتب دولي كبير في العاصمة الاقتصادية، ولم أشأ ترك والدتي في مواجهة عزلتها الشديدة، فارتأيت البقاء معها إلى حين… تغيرت الحياة، واتخذت الحياة مسارها الطبيعي دون أن تلتفت إلى الحزن الذي تسلل إلى منزلنا، وزادته حدة رحيل شقيقاي أيضا عن المنزل وانشغالهما بحياتهما الخاصة والجديدة… في هذه الفترة، الحقيقة، طوال الفترة التي رحل فيها والدي، حاول دون جدوى إعادة العلاقة بنا، نحن أبناءه، رفضنا بصفة قطعية، في البداية على الأقل. كان تكتلا جماعيا ضد قرار فردي وأناني، لكنnسرعان ما عاود أشقائي بعد زواجهما علاقتهما بوالدي، وإن بكيفية متحفظة، والدتي لم تكن أبدا ضمن مخطط والدي لإعادة العلاقة مع عائلته القديمة، فقد أصبح والدا لطفلين توأمين جديدين، كما علمت… أما أنا فلم أستطع أبدا مسامحة والدي، ستقولون بأن السبب هو تعاطفي مع والدتي، لكنها لم تكن السبب، كنا صديقين، أنا وأبي، لكنه لم يلمح في أي وقت من الأوقات بمسألة رحيله أو انفصاله عن والدتي، ولم يرد أبدا على اتصالاتي ولا توسلاتي حين رحل. أتذكر أنني هاتفته، دون جدوى، ورجوته في رسائل صوتية كثيرة، لا زلت أحتفظ بها، بأن يعود، كان من الممكن أن نحاول كعائلة من جديد، كانت لوالدتي الرغبة بأن نعاود حياتنا من جديد، لكنها لم تكن قادرة على معرفة الطريقة. هذا كان خطؤها. كان يمكنه مساعدتها، وكان بإمكاننا مساعدته، ومساعدة عائلتنا على البقاء وتجنيبنا كل العار الذي لحق بنا برحيل والدنا وزواجه مرة ثانية، دون اعتبار لوضعنا الاجتماعي ولا اعتبار لنظرات الجيران والأصدقاء والمجتمع الذي لم يرحمنا أبدا بنظراته وتساؤلاته التي لم تكن تنتهي حتى تبدأ. كانت فترة صعبة، صحيح أنها انتهت الآن، لكنها بالتأكيد تركت أثرا قاسيا، طعمه كالعلقم في ذاكرتنا جميعا، بدون استثناء.

سيلين ديون تصل إلى العاصمة الفرنسية باريس، استعدادًا لمشاركتها في افتتاح أولمبياد 2024.
حققت اللاعبة الدولية المغربية فاطمة تاغناوت حلمًا طال انتظاره بانضمامها إلى نادي إشبيلية الإسباني للسيدات، لتصبح أول لاعبة مغربية ترتدي قميص النادي الأندلسي.
قالت مصادر مُطلعة على الوضع، أن بيلا حديد استعانت بمحامين ضد شركة أديداس بسبب افتقارها إلى المساءلة العامة، وذكرت أنها تشعر أنهم قادوا ضدها حملة قاسية ومدمرة.