الامتحانات قلق ومحنة للأبناء أم الآباء ؟

تعيش الأسر اليوم على إيقاع التهيؤ والتحضير للامتحانات، وعلى عتبة اليوم الذي يعز فيه المرء أو يهان، تختلط مشاعر الرهبة بالخوف، بالأمل أو حتى باللامبالاة من طرف البعض، وبين التعامل الطبيعي والمرضي من طرف الأبناء مع فترة الامتحانات، ماذا عن موقف الآباء، وهل أصبح هؤلاء أكثر توجسا واهتماما بل وأكثر تأزما وسلبية في معايشة هذه المرحلة مقارنة بأبنائهم؟
فوبيا الامتحان

الامتحان “محنة”، قلق وأعصاب مشدودة، وتوتر كهروميغناطيسي في الدرجات القصوى للذبذبة العصبية، محنة للآباء أكثر مما هي قلق للأبناء، فلا حديث إلا عن الاستعدادات والتحضير، وبين الأمل والرجاء، والدعاء للأبناء، تتوزع المشاعر التي تتطرف في أحايين كثيرة، فيصبح للامتحان صولة ليس على الأبناء فقط بل على الآباء لدرجة مرضية. على أعتاب الامتحانات، يسود الترقب أوساط الممتحنين، لكن هذا الترقب في حالات أخرى ينسج شبكات رفيعة من الخوف التي تلف الآباء والأبناء معا، فمخاوف الرسوب والفشل الدراسي تتحول إلى كوابيس تقض المضاجع، ولا يبدو أن الآباء قادرين على ضبط منسوب المشاعر السلبية، منسوب الخوف الذي يعطل منطق التوازن بين الخوف الطبيعي والفوبيا.

الحالات الانفعالية التي تتجاوز حدود المجال المدرسي والتربوي إلى المجال الأسري، لتمتد تفاعلاتها للأولياء أيضا وتتخذ مظاهر مثيرة في التعبئة والتحضير للطوارئ يشرحها علم النفس الاجتماعي على مستوى التعاطي وعلى مستوى الإدراك، وفي المستويين معا، تكون النتيجة هي ترسيخ نظرة مرهبة لدى الأبناء بخصوص هذه العملية التي يعتبر التقويم أقصى غاياتها. ويشرح أخصائيو علم النفس الاجتماعي ما يحدث، بكون الآباء ينقلون حالة انفعالية للأبناء بكيفية لا تخدم أيا منهما والنتيجة تأزم وضغط ينسحب على كل الأسرة طوال فترة الامتحانات وفترة ترقب النتائج، بيد أنه من مصلحة الجميع الاشتغال والتحضير في جو من النظام. تعيش خديجة، أم لثلاثة أبناء، أجواء التحضيرات للامتحان مع أبنائها الثلاثة، غير أن ابنها الأكبر «لا يبدو منشغلا بامتحاناته، فمواقع التواصل الاجتماعي والنوم عدوان لم أستطع مقارعتهما. أعرف مدى ذكائه في التقاط الدروس، لكن لا مجال للمغامرة في امتحانات حاسمة كالباكلوريا، أحاول تشجيعه، ولا أتوفق عن تنبيهه بضرورة الاستعداد الجيد، أما هو فلا يتوقف عن نعتي “بالنكير”». الدعم والتشجيع أمر محمود، لكن بعض الآباء يذهبون بعيدا في الدفع دون وعي بالأبناء للدخول في “أزمة امتحان” كما لو أن الطبيعي أن تعم الأجواء الضبابية على الابن، وأن يغرق في دوامة الليالي البيضاء، وشرب القهوة السوداء، حتى تظهر عليه علامات الاهتمام والجدية، والحال أن الأمر عكس ذلك، إذا يجب وضع برنامج دقيق للمذاكرة لا تغيب فيه شروط الراحة البدنية والنفسية.

الوسواس القهري

«مع كل فترة إمتحانات تصاب ابنتي بالوسواس القهري، وتتحول لشخص آخر، تعتكف في غرفتها غاضبة من الجميع، بدون شهية، تنام وتصحو على كوابيس الامتحان، ورغم أنها متفوقة في دراستها الإعدادية إلا أنها مذعورة من فكرة عدم تحصيل نقط جيدة. لم يشكل الأمر مصدر قلق حقيقي بالنسبة إلي، إلا بعد أن مرضت نتيجة ذلك، دوخة وغثيان وإرهاق…. فسر الطبيب الأمر بأنه قلق زائد وبداية اكتئاب. عدا دروس الدعم من طرف أساتذتها وتخصيص وقت إضافي للمراجعة مع زملائها في الفصل، أحاول أن أقنعها بالتعامل مع “الامتحان الجهوي الموحد” المقبل، كباقي امتحانات المراقبة التي تجتازها داخل الفصل». أجواء الامتحان المشحونة تؤثر على علاقة الزوجين أيضا، بل وقد تؤدي لمستويات من الخلافات الكبيرة التي يصعب ضبطها في ما بعد، والكثير من العائلات تعيش على صفيح ساخن طيلة فترة ما قبل وأثناء وبعد الامتحان بنحو يتفاوت من فرد لآخر ومن عائلة لأخرى، ودائما ما يكون السبب اتهام كل طرف الطرف الآخر بالتقصير، وعدم تقديم الدعم الكافي للأبناء، لكن الأكيد اليوم أن بعض الآباء، وخاصة الأمهات، يتفوقون على الأبناء في مكابدة حمى الامتحان وطقوسه أكثر من الأبناء المعنيين بالأمر أنفسهم.

قيم أخرى

الامتحان ليس يوما وحيدا يعز فيه المرء أو يهان، بل هو برنامج سنوي، على الأبناء والآباء معا التحضير له، وهذا من شأنه أن يقوي روح المسؤولية لدى الأبناء، وعدم الاتكالية ومراكمة العمل لآخر السنة الدراسية، ومن شأن ذلك أيضا أن يمنح فرصة للآباء للتدخل في أي زمن أو مناسبة تستوجب دعمهم وتقويمهم لمسيرة الأبناء الدراسية. إن التعامل مع الامتحان يفرض استعدادا متواصلا منذ بداية السنة الدراسية إلى نهايتها على مستوى التحصيل والاشتغال على المقررات، وليس الهاجس هو النتيجة وليس الطريقة التي تؤدي إليها مع ما يعنيه ذلك من اختزال العملية التعليمية في الامتحان ومدى انعكاس ذلك على جودة المكتسبات المعرفية للدارس عموما.

دور الآباء

“لا نولد آباء، ولكننا نتعلم كيف نكون كذلك”، نظرية جديدة في علم النفس الاجتماعي والعلائقي ويشمل الأمر في مجال التربية، طريقة تكوين شخصية الابن /التلميذ، وطريقة تعاطيه مع الامتحانات، وبالنسبة لأخصائيو علم النفس الاجتماعي دائما، فالأمر يحتاج لتمارين مكثفة للآباء عن كيفية التواصل الإيجابي مع الأبناء ومع الأساتذة لقياس مدى تجاوب وإيجابية الأبناء في التعامل مع ضغط الامتحانات والدراسة عموما، واكتساب الحس العملي والإيجابي في التحصيل. من بديهيات السوسيولوجيا أيضا أن الانسان ابن بيئته، يتأثر بمحيطه، وخصوصا بوالديه وأسرته القريبة، ويلفت أخصائيو علم النفس الاجتماعي النظر لمسألة أخرى حديثة العهد بالنسبة للعلاقات بين الأبناء والآباء، وهي أن الآباء اليوم أصبحوا متأثرين بالأبناء، بعد أن كان العكس هو الحاصل، بل ويصل الأمر لتبني آرائهم في مسائل ما أو استبطان خوفهم ومعايشته بشكل متماه.

 

تمثل رفيقة بن ميمون استاذة مادة تصميم الأزياء بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي واحدة من أهم الأسماء المرجعية في السينوغرافيا.
باتباع هذه النصائح البسيطة، يمكنكِ التمتع ببشرة ناعمة ومشرقة طوال فصل الشتاء.
يَعِد المشروع بـ 100 ساعة من الاستكشاف "غير المُقيد" للأهرامات العظيمة، بالتعاون مع الحكومة المصرية.