الحجاب فيه وفيه..

من أجل الزواج أو اتقاء العنف في الشارع، من أجل تقية كاذبة وإعطاء صورة محافظة يفضلها المجتمع بنسائه ورجاله، من أجل التمويه أو من أجل التعبير عن موقف ايديولوجي أو سياسي، أو لأسباب أخرى غير دينية، تصنع الكثير من المغربيات الحجاب. أهداف تختفي وأخرى ظاهرة وراء الحجاب ووراء أشكاله وألوانه الجديدة ووراء السلوكات المرتبطة به. كيف ينظر المجتمع للحجاب؟ وماذا عن الازدواجية التي يترجمها؟

بين القوسين الكبيرين للمع وللضد، مبررات تقترب من كل شيء إلا المبرر الديني، خلاصة تشير لها شهادات كثيرة وأشارت لها قبل كل هذا نتائج دراسة تحت اسم “الشباب والحجاب بالمغرب”، للسوسيولوجي والباحث إدريس بنسعيد، الذي أشار أن نهاية السبعينيات كانت إيذانا بعودة الحجاب للظهور بقوة في كل العالم الإسلامي بأشكال مختلفة، لدرجة التحول إلى ظاهرة مجتمعية تتجه نحو الشمولية على مستوى الأشكال والألوان وتيارات الموضة. لم يعد الحجاب إذن شأنا دينيا بل قضية اجتماعية بالنظر للتبعات السوسيولوجية المرتبطة به، ولذلك يبرر بنسعيد، أن موقع الحجاب داخل مشروع محدد وارتداؤه كمشروع واع قد عرف بدوره تحولات عميقة، إذ بعد أن كان زيا حركيا على مستوى ارتباطه بمشروع إسلام سياسي، فقد جاءت مرحلة أخرى عرف فيها الحجاب انتشارا، لكن هته الموجة الثانية واكبها الابتعاد عن الضوابط الصارمة ليس على مستوى مواصفات هذا الزي فقط، وإنما بما كان يعبر عنه من اختيارات لكي “يفرغ تدريجيا من حمولته الأخلاقية والدينية”.

 كيف ينظر المغاربة للحجاب؟

بعد علاقة دامت سنوات وضع خالد صديقته لمياء أمام اختيارين، إما أن تضع الحجاب ليتقدم لخطبتها أو وضع حد لعلاقتهما، اختارت لمياء الحل الأول من أجل استمرار القصة، غير أنها وبعد وضع الحجاب لا تزال على عاداتها القديمة ولا تعرف من أمور الدين إلا الصيام. وتحرص نسرين على ممارسة رياضة الهرولة على الشاطئ يوميا، ولذلك فهي ترصد مشهدا متكررا بطلاته من المتحجبات، عناق وقبلات وعلاقات، وأكثر من ذلك تتحدث نسرين عن وقاحة ولا مبالاة بوجود الآخرين “الإخوانيات محيحات”، ولست الوحيدة التي تقول هذا. تؤكد لنا نسرين. بينما تتأسف فاطمة الزهراء (تضع الحجاب) عن الصورة التي تقدمها بعض المتحجبات مستدركة أن “الأمر يهم المحجبة وغيرها، لأن السلوكيات لها ارتباط بالشخص بقناعاته وليس بالقناع الذي يضعه والذي قد يكون حجابا، أرفض الأقنعة والتطرف في الاتجاهين”. تؤكد فاطمة الزهراء.

تعتبر المخرجة المسرحية نعيمة زيطان، أن الحجاب بمفهومه العادي، “هو أمر يدخل في صميم القناعات والحريات الشخصية للفرد، وكل منع يطال هذه الفئة من المجتمع هو ضرب لصميم الديمقراطية التي نطمح لها جميعا، لكن بشكل عام لا يندرج المغرب ضمن المجتمعات التي أصبح فيها الحجاب المتطرف ظاهرة، فنساؤنا معتدلات يحببن الحياة، يستمعن للموسيقى والذكر والأمداح ويذهبن للمسرح ويؤين شعائرهن الدينية. وفي أغلب الأسر هناك محجبة لا تزعج باقي أفراد الأسرة بحجابها، لكن عندما يتعلق الأمر بحجاب متطرف داكن اللون يظل دائما محط أنظار واستغراب الناس في الشارع العمومي الذي هو ملك للجميع، لأنه ببساطة زي دخيل فيه نوع من المبالغة والمزايدة في استعراض الشعور الديني لدى الفرد”.

الاستعراض كلمة ترد في شهادة رفيق، فاعل جمعوي، يعتبر أن الحجاب لم يكن أبدا عنوان الاستقامة والشرف، “فمثلما نرى كثيرين لا يفارقون المساجد لكن أفعالهم غير منسجمة مع أقوالهم، نجد الكثير من المتحجبات لا يؤدين شعائرهن الدينية الأساسية مثل الصلاة”.

الحجاب كخافي للبؤس واحد من المظاهر الجديدة التي ارتبطت بالحجاب، إذ تعتبر هدى، مصمصة، أن الكثيرات يلجأن للحجاب تفاديا لتعب وكلفة التحضير لمظهر أنيق والتزين بشكل يومي.

أما أمل، وهي طالبة محجبة، فتعتبر حجابها العصري شيئا لا يستوجب الانتقاد، لأنها رغم وضع الماكياج واختيار أشكال من الموضة فهي تبقى “مستوردة أكثر من الأخريات”.

الاقبال على الحجاب العصري، وفكرة تعدد الأشكال الجديدة لهذا الزي تربطه نعيمة شيخاوي، أستاذة السوسيولوجيا، بالعامل الاقتصادي وعامل السوق وتوجهات المؤسسات الاقتصادية الكبرى، و”أكبر دليل على ذلك هو انفتاح السوق الأوروبية على الزي الديني من أجل تسويقه، أما كون المرأة ترتدي الحجاب لعوزها عن أداء ثمن تسريحة الشعر، أو كونها تسعى لمضاعفة حظوظ الزواج.. الخ، فترى فيه الباحثة “تقيدا بالقوالب المجتمية التقليدية التي تحدد أدوارها وتحد من إبداعيتها، وتحدد من خلال صورة نمطية مجتمعية تتحرك داخلها”. فأن تضطر المغربية لارتداء الحجاب للتحايل على ضغط الوسط للخروج أو التحرك بحرية، فهذا يعني أننا ندخل في نفاق اجتماعي، و”نساهم في تعميق عدم نضج الفرد المغربي، ونحد من القدرات التفاوضية الكاملة كفرد متساو ومسؤول”.

الحجاب والقضية النسائية

ارتبطت حركة النهضة العربية بقضايا المرأة على أساس أن الانحطاط الذي عرفته هته المجتمعات كان له ارتباط بقضايا المرأة نصف المجتمع الذي يعيش تحت ممارسات تقليدية مجحفة، لذلك كانت الدعوة مع بعض الزعماء كقاسم أمين بورقية أو نوال الشعراوي التي أزالت حجابها بعد عودتها من روما بعد اجتماع نسوي. أول شيء رمزي كان هو إزالة الحجاب، لماذا هته الرمزية ؟ للقول أن هته الممارسة الاجتماعية هي ضغط لجسد المرأة وحد لحريته وحقوقه كي يكون مبدعا وفاعلا ومنتجا وهي مرفوضة، إذن هذا يبين أن الحجاب ليس شيئا عاديا أو اختيارا حرا كما قالت به بعض النسوة في فرنسا مثلا، بقدر ما يرمز إلى التحكم في جسد المرأة، وتملكها والحد من حريتها، كما يحيل إلى فعل إيديولوجي واجتماعي وتثقيفي يقول : أن المرأة دونية ويجب مراقبتها والتحكم في تفكيرها وحركتها، والحجاب هو ذلك الفعل الرمزي الذي يحيل لكل هته الأشياء. لا يمكن اختزال المسألة في اختيار ديني أو مسألة تعبدية أو طقوسية أو لها علاقة بالتربية، لو كانت كذلك لما كان هذا النقاش تؤكد نعيمة شيخاوي، مشيرة لكونه يرتبط بواقع معقد له ارتباط بنيوي وجوهري ومهيكل مع واقع النساء ككائنات جردن من حقهن في المساواة بالتالي لا تقف عن قماش أو لون أو عند لون منوع.

الحجاب ظاهرة اجتماعية وليس ظاهرة دينية

في كتابه “معركة القيم بالمغرب بين حقوق الفرد وتقاليد الجماعة” خصص الأستاذ الباحث أحمد عصيد، جزءا خاصا لمعالجة قضية الحجاب تحت عنوان “أنواع الحجاب بين الستر والنفاق الاجتماعي” وضمنها رصد أنواع الحجاب المختلفة مع الإشارة لكل الدوافع الاجتماعية والنفسية السيكولوجية والاقتصادية والسياسية التي تقف وراءه.

يأتي الحجاب الإيديولجي على رأس التصنيف الذي اشتغل عليه أحمد عصيد، فهو رمز للانتماء لجماعة منظمة ذات أهداف سياسية، وداخل هذا النوع يمكن تصنيف نوعين من الحجاب : الحجاب المرتبط بالتيار الإخواني المصري، ثم الحجاب المرتبط بالتيارات السلفية المرتبطة بالوهابية السعودية، وهذا النوع هو أكثر تشددا لأنه يتبنى الألوان الداكنة والنقاب بكل أشكاله، بينما الحجاب على النمط الإخواني هو أكثر انفتاحا ونجد فيه ألوان مختلفة، وهي ما يعتبر تبرحا عند التيار السلفي.

النوع الثاني، هو حجاب الخوف بدافع اتقاء العنف في الشارع ضد الأنثى، بمعنى العنف ضد أنثوية المرأة، والذي يتخذ شكل التحرش الجنسي أو العنف المادي الذي يتسلط على الجسد، لذلك فبعض الفتيات والنساء وجدن في الحجاب ما يقيهن من هذا السلوك. فالحجاب هنا هو من منطلق الخوف وهو الأكثر انتشارا في مصر، حيث أثبت دراسة سوسيولوجية أن خمسة وثمانين بالمائة من النساء المحتجبات بمصر تحجبن بسبب العنف الممارس ضدهن، وبسبب التحرش المبالغ فيه في الشارع، وليس لأهداف دينية.

وضمن التصنيف ذاته يورد الباحث ما أسماه حجاب الزواج، وهو الذي تضطر إليه الفتيات في سن يقارب الأربعين إذ يقال لهن أن الرجل المغربي محافظ، وأنه يفضل الزوجة المحتجبة فتضطر الفتاة لوضع غطاء الرأس بقناعة أنه سيجلب لها الإقبال وطلبات الزواج لأنها محافظة هته الفكرة مع ذلك يعتبرها عصيد سائدة جدا ويتم ملاحظتها من خلال العلاقات المباشرة في الأوساط المختلفة الشعبية أو المتوسطة.

هناك أيضا النوع الرابع، وهو ما يمكن تسميته حجاب التقية ويسود بكثرة في الواقع، وهو حجاب مؤقت لأنه يتعلق فقط بعبور المرأة لشارع أو فضاء معين. فقد ثبت أن بعض الأحياء الشعبية يمارس فيها الشباب والرجال رقابة مباشرة على ملابس النساء، وخاصة الفتيان على ملابس أخواتهم، فتضطر الفتاة لوضع غطاء الرأس فقط للعبور من البيت والانتقال لفضاء آخر.

لا يغفل التصنيف الذي يورده الكتاب نوعا آخر من الحجاب، وهو حجاب المومسات الذي تضعه بائعات الهوى أثناء ممارسة مهنتهن لأنهن اكتشفن أنه يقي من الشرطة، أو من بعض الزبائن غير المرغوب فيهم، بحيث يسمح للمومس أن تختار زبنائها بحرية.

ولكل الأنواع المذكورة، يضيف عصيد، نوعا سادسا من الحجاب، يمكن تسمية بحجاب الموت، والذي يلي وفاة أحد أفراد العائلة. لا يعبر أحمد عصيد هذا النوع أيضا حجابا دينيا، لأن وضع هذا الحجاب لم يغير في سلوكيات وأفكار واضعيه، وهذا يمكن ملاحظته بسهولة في الأوساط العائلية.

الحجاب وازدواجية المجتمع

الازدواجية التي ترتبط بوضع الحجاب هي بعض مظاهر الازدواجية في المجتمع ككل، وهته الشيزوفرينيا تعود بشكل عام لعودة التدين ولو مظهريا وفلكلوريا، كما ترتبط بفشل مشروع التحديث من الداخل في الدول الإسلامية. الاقبال على الحجاب ليس رد فعل على أزمة القيم، بل مرتبط بها بدليل ارتباكها، يجيب عصيد، فأزمة القيم هي أزمة ارتباط بين الأصالة والمعاصرة بين التقليد والحداثة بين عالمين متناقضين لكن لا يريد الأفراد التضحية بأي منهما، فهم يريدون علاقة حسنة مع الله فيتشبثون بالتقليد، ويريدون بنفس الوقت الاستفادة من مكاسب العصر ومعظمها مكاسب مادية، كعمل المرأة مثلا، هو مدر للدخل لا يريد الناس التخلي عنه يقبلون وضعية المرأة العصرية لأنها تعمل وتدر المال، لكن قانونيا يريدون أن يحافظوا لها على وضعية الحريم. هذا نوع من الشيزوفرينيا، إذ نريد مكاسب الحضارة الحالية لكن لا نريدها بفلسفتها بل نختار منها ما يشبع أنانية الرجل دون أن يتنازل لصالح المساواة الحقيقية، نفس الشيء ينطبق على الحجاب الذي ارتبط بمزيج من الأفكار السطحية جدا والمتناقضة التي تدل على تمسك الناس بالتدين الفلكلوري.

الازدواجية التي يخلقها هذا الوضع تفسرها أيضا نعيمة شيخاوي، استنادا على مقولة السوسيولوجي “بول باسكون”، أن المجتمع المغربي هو مجتمع معقد، لكنها تشير لعنصر مهم جدا، فصحيح أن المغاربة أبدعوا في سبل الاندماج الفوري، لكن وضع الأقنعة المتكررة في اليوم الواحد والانتقال من مساحة معينة قد تكون خطابا أو لباسا أو سلوكا دينيا إلى نقيضها هو أمر مكلف اقتصاديا نفسيا، وتؤكد نعيمة شيخاوي “أن المغاربة يحملون معاناة نفسية كبيرة فلا يمكن للإنسان أن يتكيف بهذا الشكل السريع الموازي لعدة أنماط تفكير وأنماط عيش دون أن يؤدي الثمن، فلذلك كلفة اقتصادية وحضارية لأننا لا نتمكن من القيام بقطيعة تحمل اختيارات واضحة ويكون تصورنا لمجتمعنا واضحا بالتالي هته الضبابية هي مكلفة اقتصادية اجتماعيا ونفسيا”.

 

 

 

ستنعقد النسخة 118 من المؤتمر السنوي لجمعية الصناعة الغذائية لأول مرة في المغرب، وستمكّن المهنيين الأمريكيين من التعرف على القطاعات الرئيسية للفلاحة والصيد البحري والحوامض وزيت الزيتون للمملكة.
تأتي هذه الشهادة الجديدة لتعزز التزام إنوي المستمر بأمن وخصوصية وسلامة البيانات، مما يضع الفاعل الشامل كشريك مثالي في استضافة البيانات وإدارتها للمؤسسات والجهات الصحية.
الشيخة حصة بنت خليفة آل خليفة تسلم الجائزة للمغربية أزنود إلى جانب باقي الفائزين خلال هذا الحفل المخصص لتشجيع الأسر المنتجة في دورتها السابعة عشرة.