في العلاقة الزوجية الفاترة أو الصامتة تصاب المشاعر بالتبلد والجفاء كترجمة لواقع تصبح فيه مشاعر الطرفين منتهية الصلاحية، إذ في تجارب الكثير من الحالات يصبح الطلاق العاطفي نوعا من التوافق للاستمرار من أجل دوافع اجتماعية أو اقتصادية… فيما تكشف تجارب بعض الزيجات عن بلوغ النفق المسدود في تحمل حالة الفوضى في مشاعر أحد الطرفين لذلك يصبح الصمت أو الطلاق العاطفي واقعا يتم تحصينه من الطلاق الفعلي.
لا تعكس حالة الطلاق العاطفي في مجتمعنا موقفا سلبيا أو رافضا للطلاق باعتباره أبغض الحلال عند الله إذ صار حل الانفصال عبر الطلاق الفعلي أخف عند الكثيرات من زواج تعيس أو ارتباط أخرس عاطفيا هذا الاختلاف الذي يفرق الطلاق العاطفي لا يعكس موقفا سلبيا من الطلاق الفعلي مجتمعنا عن آخر لا ينفي تحكم بعض التقاليد والعادات في بناء علاقات زوجية جوفاء تقود نحو الطلاق العاطفي حتى مع استمرار الزواج حالة تشكل مؤشرا حقيقيا لوقوع الزواج في فخ التعايش من دون أي تجاوب على مستوى المشاعر أو العاطفة الزوجية. محمد 35 سنة، لم يخفي أن طلاقه العاطفي عن زوجته حدث منذ يوم زفافهما إذ جاء إرتباطه بها إملاء من عائلة التي رأت في زواج ابنها الأصغر من زوجته أخيه الذي توفي في حادث، حصانة للأبناء من التشتت خطوة مازال يعتبرها واجبا لا أكثر ولو أن زواجه بلغ سنته الثانية من منطق المكابرة حفاظا على العلاقات الأسرية. ويبدي أخصائيو علم النفس الاجتماعي رفضا مبررا لوصف تعطل التجارب العاطفي بين الزوجين بالطلاق العاطفي والتبرير هو وجود غموض في إدراك وفهم المعنى الحقيقي للعاطفة باعتبارها مجموعة من الانفعالات والأحاسيس التي لا تقف عند حدود الحب بل أيضا تحيل على الانفعالات السلبية كالغضب والحقد والكراهية، ويفضلون الخرس أو الصمت العاطفي بدلا عن تصنيف حالة اللاتجاوب العاطفي بين الطرفين في خانة ما اعتبر طلاقا عاطفيا.
قد يكون استمرار الزواج ظاهريا بسبب إكراهات اجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى إضافة إلى حرص بعض الآباء على عدم تشتيت الأسرة إكراما للأبناء إلا أن جسامة تحمل متاعب هذا الخرس غالبا ما يقع على النساء مقارنة بالرجال نظرا لاستمرار التمثلات التي تتسامح نسبيا مع الرجل وتمنحه رخصة البحث عن المتع خارج البيت، مقابل هذه الفسحات الترفيهية التي يمنحها المجتمع للرجل نجد يضيق الخناق على المرأة التي تعيش هي في الغالب تبعات الخرس العاطفي بكيفية أكثر عنفا وإحباطا إن لم نقل إذلالا. بغض النظر عن التسمية التي تليق بعلاقة زوجية بلغت النفق المسدود عاطفيا فإن حالة الجفاء في المشاعر بين طرفين يجمع بينهما عقد وسقف الزوجية تجعل التوتر سيد الموقف خلافا للسلم المتوقع في تجارب الكثير من الزيجات، هذا المعطى يجعل هذه الحالة التي تنتشر كثيرا في المجتمعات الشرقية دون أن يسلم منها مجتمعنا جديرة بالتأمل والمعالجة.
سامية 35 سنة، تعيش تبعات ما يمكن اعتباره توافقا على زواج موقوف التنفيد عاطفيا إذ صار التعايش الزوجي من أجل ولديها فقط حرب أعصاب تتجدد يوميا بوجود الطرف الثاني الذي تسترجع من خلاله وقع الخيانة عليها “نسير في اتجاه السنة الثالثة بدون أي تجاوب عاطفي بيننا بعد خياناته التي كشفت عنها رسائل نصية على جواله إذ كان كشف عنها رسائل نصية على جواله إذ صار التعيش الزوجي من أجل ولديها فقط حرب أعصاب تتجدد يوميا بوجود الطرف الثاني الذي تسترجع من خلاله وقع الخيانة عليها. صدمة أدخلتني في حالة اكتئاب وحزن جعل كل رابط بيننا معطلا فيما ظل الزواج مجرد عقد تحصن من خلاله تربية ابنينا .
خلص الدكتور صلاح سلامة بركات، أستاذ علم النفس في السعودية، في إحدى الدراسات التي شملت 287 فردا من الجنسين تعاني من صمت تلقائي طبيعي يدل على الارتقاء فوق مستوى الكلمات إلى المشاعر اليقينية والصمت السلبي الذي اعتبره الأخصائي صمتا متعمدا في تأكيد لصمت الفراغ العاطفي والتبلد الوجداني. من جانبها ومن منطلق تشبثها أيضا بالخرس العاطفي بدل الطلاق العاطفي تفسر خلود السباعي، أخصائية اجتماعية من المغرب، تمظهرات هذه الحالة في استمرار العلاقة الزوجية بكيفية شكلية فقط وهي وضعية يتم من خلالها تجنب الطلاق وتبعاته الاجتماعية والإقتصادية من ثم فإن هذا الوصف هو تجميل للطلاق فقط بينما يعكس في مجمله انفصالا حقيقا عن مجريات الحياة الزوجية وخصوصيات التعايش الذي تتطلبه.
تحكي مليكة 45 سنة، عن تجربتها بشكل يترجم قناعتها بأن للزواج تاريخ صلاحية عاطفية لذلك لا تبتدي بأي تأثر ولا حتى أهمية لتحرير وضعها بالطلاق النهائي أو أو القيام بمجهود لتندية الجفاف العاطفي داخل أسرتها الاستسلام كان المعادلة السهلة أمام ما تعتبره طبعا لا يميل إلى الاكتفاء العاطفي بشريكة حياة الزوجية ذلك لا يمهل لإطالة مدة العشرة بين الطرفين تحت إملاء التجاذب العاطفي الإيجابي بقدر ما يجعل بنهايتها ولو بتجميل الإنفصال تحت مسمى الطلاق العاطفي. في هذا الإطار تؤكد الأخصائية الاجتماعية خلود السباعي، على أن فشل الزوجين في تدبير الأزمة والسقوط في الخرس العاطفي لا يرتبط بالصعوبات المادية الفقر العجز التقدم في السن مشاكل الأبناء بقدر ما يرتبط في غالبية الأحيان بمعطيات سيكولوجية تمس بتقدير الذات وبما يحيل عليه من أبعاد إعجاب أحد الطرفين بنفسه الجهل بالطرف الآخر والبحث عن الكمال أو النموذج الميثالي لكل من الرجل أو المرأة.