أخي العزيز ماركس، كارل ماركس،
لم أكن أعلم في قرارة ماركسيتي، هذه التي أمَاتَت قلبي الفتي منذ الشباب على بلاغة المحبين، شيئين عظيمين من أشيائك العظام هما: الحب والشيوعية… حتَّى وقعتُ، ومن الحيرة الدوغمائية التي تداهم الأشياع وهم حيارى طَرِبْتُ، على شذرات منك خِلْتُها شعرا وهي البوح الكبير… الذي ما أَحْسَبُ (جيني فون وستفالن) إلا وَمِنْهُ قد طارت عَجَبا، بعد أن أسْكرَ قلبها فرحا، وجعلها كالريشة العاطفية من الحب تتراقص طائشة وأنتَ تقول لها: («خذي يا حبيبتي هذه الأغنيات/ التي ليس فيها إلا الألحان/ خذي هذا الحب الذي ينحني متلهفا بين يديك»
عظيم أنت أيها العزيز كيف حولت امرأةً واحدة إلى قضيةٍ قَبْلَ أن تحوِّل العالم كلَّه إلى ثورات، وكيف رأيتَ نصف السماء (كما يقول الفرنسيون عن النساء) نصفَ مجتمعٍ، وكيف جَعَلْتَ لك معبدا في كيانِ امرأةٍ مسكنا. برافو حقا… وأقولها، والغصة تعتصرني، لأنني عجزت تماما عن تحقيق نفس المراد، أو بعضه، على مذهبك مع النساء في العشق… ويا للحسرة!!.
لم يكن لِهُيَامِكَ ب(جيني فون وستفالن) أدنى علاقة بالرابع عشر من فبراير الذي أُخلِّدُ اليومَ فيه ذكرى حبك وأنت تقول: (يضمها بجنون/ وينظر في عينيها بغموض/ وأنتِ تتقدين من ألم يا حبيبتي/ بأنفاسي تتنهدين). ولم تكن تعرفُ، كما بُحْتَ لي في أسرار شِعرِك، أن لعواطف الحب مناسبةً جوانيةً تتراقص فيها قلوبُ المحبين، لأنك قلت في كتاب لم يقرأه الأشياع: إن الحبَّ دِينٌ جَوَانِيٌّ لا رَبَّ له، وزِدْتَ: (لم يتحقق حلمي بعدُ أيتها العوالم القصية/ ولم تتحقق بركاتي السحرية/ وأعْلى من عُلُوِّ الله رغباتي الخاصة/ مشتعلة ما زالت في صدري). ولَمَّا انتابني السرور، وأنا أقرأ قلبَك الذي سال لُعَابُه على حنايا (جيني)، احترتُ في مذهبك: هل أشَايِعُكَ في الحب فيغضب الفقراء مني؟ أم أرْسُو ثابتا على محجتك البروليتارية فأثير غضب المحبين؟ حتى قُلتَ لي: (جَرِّبْ أن تستمتع بالحياة في جمال/ ولا تضغط إلا على يدك البيضاء/ وهناك ستجد الجواب/ وستعرف ممكلتي البعيدة الزرقاء…).
أنا الحائرُ المغربيُّ الذي، إذن، لم يكن لِيَعْرِفَ في حُمّى النضال أنك الشاعر بالقلوب، وأنَّ لك في قراءة العواطف، يا حبيبي، طريقةً رهيفة، وفي حُبِّ النساء مذهبا شفيفا. صدِّقني، أنا الحائرُ إياه الذي حين عاهدتك، عَهْدَ وفاءٍ، على (البيان الشيوعي) لم أتصور أبدا أنك وَضَعْتَ هذا الكتاب، أصلا، كَحَاشِيةٍ على جَسَدِ امرأة مُلهِمة، وأن «الرأسمال» نفسَه، على قدر عِلْمِهِ بطبيعة الرأسمالية، ليس إلا نشيدا يجوز للعمال والثوار، بدون حرج، أنْ يَتَغَنّوا بِفَائض قيمتِه.
وقد حزنتُ يومَ أنْ خَنَقَ صديقنا (ألتوسير) رفيقةَ عُمْره في لحظةِ تأويلٍ لم يُطَاوِعْهُ فيها قلبُه. ويوم انتَحرتْ كريمتُكَ (لورا) صُحبةَ زوجِها (لافارج) تحسبا للشيخوخة القاسية وقبل السبعين. ويوم داهمني النقد والنقد الذاتي، أنا المريد، فتركتُ كل شيء في خَلِيَّتي وانصرفتُ إلى حياتي في أحتجاجٍ صامتٍ على ما كنتُ أخفيه في وحدتي وبورجوازيتي الصغيرة حتى لا يفتضح حبي بين الرفاق فَيُرْمُونَنِي بِعَارِ الميوعة والتخاذل…
ولكنني لم أكن أعرفُ أنَّ المشكلة أعْظَمَها في شُرَّاحِك، وأن الزَّلةَ أعْمَقَها في أتْباعِك… حتى عرفتُ أن الحبَّ دَيْدَنُك، وفَهِمتُ أكثر أن الحياة… كانت ملاذَك
آهٍ… لو كنتُ أعرف أيها الرفيق في تلك السِّن الرَّطْبَة من الحياة وآه!!!
غير أنني، منذ يوم المحبين الرَّابعِ من فبراير الرأسمالي الذي تَهْتزُّ فيه القلوبُ طربا لِكَلِمَةٍ، وَتَتَورَّد منه الخدودُ احتفاءً بوردة، لا أعرف لماذا لا يطرب الأتباع والأشياع الصامدين إلا خلسةً؟ وأعرفُ أنهم إذا طربوا علانية فَقَدُوا عذريتهم ولوثوا طهرانيتهم، تلاحقهم، فيما يعتقدون، لعنة طبقية يَلْفَظُها العمالُ تحسرا على نَذَالتِهِم.
رجائي يا كارل أن تقول لهم من صَمِيمِ القبْر: إنك أحْببتَ قبل أن تتشيَّع. وإذا كنتَ قد تشيَّعْتَ في الحب كثيرا فقل لهم أيضا: إن العملية الجراحية المعقدة التي أجريتموها على قلبي المفتوح لاستئصال وَرَمِ التَّوَلُّهِ قد فَشِلَتْ بين أيديكم أيها الفُسَّاق.
وَقُلْ لهم في الختام من أشيائك العظام مع التحية: أخذْتُم الشيوعية عني بالولاء، وانتحرتم طبقيا حيث كان عليكم أن تنتصروا لإنسانيتكم… ألا فاعلموا، وَحَقِّ الكفاح، أن راياتِنا الحُمْر ليست إلا من القلوب الدامية.
كاتب ودبلوماسي/ سانتياغو – تشيلي