نستقبل سنة جديدة، يبقى معها الفاصل الزمني خطّا وهميا، مادمت تجتر نفس الأوضاع في الغالب وإن كانت تظهر على السطح قضايا جديدة، تستحوذ على اهتمام الرأي العام بغض النظر عما إذا كانت تخلق نقاشا حقيقيا أم لا، أو على الأقل ترفع من مستوى طرحه والترافع حوله.
هكذا استقبلنا في المغرب السنة الجديدة على وقع قضية معاشات البرلمانيين التي فجرتها زلّة وزيرة حول ما أصبح يعرف بـ”جوج فرنك”، وزادت طينها بلة زلة وزيرة أخرى حول عدد ساعات عمل الوزراء التي قد تصل إلى “22” ساعة، كما هو الأمر في حالة هذه الأخيرة.
قضايا تٌفجرها وسائل الإعلام الكلاسيكية، لتحتضنها مواقع التواصل الاجتماعي، تزيد أو تنقص فيها دون أن يكون في ذلك أية إضافة على مستوى المحتوى في الغالب. فالقضيتان معا، سبق التداول فيهما من قبل من منطلق محاربة اقتصاد الريع بتداعياته المختلفة، ومن مبدإ تقوية أداء المؤسسات المنظمة لقانون الشغل ببلادنا على مستوى جميع القطاعات، لدعم وتقوية باقي المكونات الضامنة لتحقيق العدالة الاجتماعية، في ارتباطها بالحياة العامة ككل.
تكشف مثل هته الحوادث الإعلامية، عن هشاشة قناعات مسؤولينا بما يطرحونه من شعارات، حتى لا نقول مبادئ لحملاتهم الانتخابية وهم يٌزايدون على رهانات الشفافية والقضاء على كل مظاهر الفساد واستغلال السلطة بمختلف مظاهرها. فمن يصنع التغيير هم الأكثر شجاعة وصدقا وإيمانا بمبادئهم، مهما كانت الظروف والتحديات. مناسبة القول بغض النظر عن قضية معاشات البرلمانيين والوزراء، إقبالنا على سنة جديدة، منسوب التحديات فيها “بزيادات” على رأي إخواننا الشرقيين..
قرب انتهاء ولاية أول حكومة بعد دستور 2011، التي حملت شعار القضاء على الفساد وتبني أوراش الإصلاح الكبرى، والتي كان صندوق التقاعد من أولوياتها، إلى جانب مختلف الاستراتيجيات الحكومية في التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي، عن طريق إصلاح صندوق المقاصة وإنعاش سوق الشغل، وإصلاح القطاعات الحساسة، مثل التعليم والصحة والسكن، وهي المطالب التي حملتها شعارات الشارع المغربي، تزامنا مع رياح الربيع. أين نحن اليوم من هته المطالب، وهل نجحت الحكومة التي تستعد لإنهاء فترة عملها بأجمل التقارير، في تنفيذ ما تعهدت به أمام ممثلي الأمة ؟ وهل سجلت الولاية التشريعية الحالية نقلة نوعية مقارنة بسابقاتها ؟ كيف كان أداء نوابها موضوع نقاش الرأي العام ؟ هل دفعت بالآلة التشريعية إلى أفق تحقيق المبادئ العامة، التي حددها الدستور من حيث ضمان الحريات، المواطنة العادلة، ومبدأ المناصفة بغاية تحقيق المساواة بين الجنسين. فهل كان ترتيبنا للبيت الداخلي خلال هته الفترة مقنعا ومؤهلا لمواجهة التحديات القادمة من الخارج، يحاول أن يرسم معها العالم خارطة طريقة جديدة، علها تخفف من فوبيا الإرهاب والترهيب التي أصابت مختلف بقاع المعمور، والتي يمكن أن تقلب قوانين اللعبة في كل لحظة وثانية لصالح الخيارات الدموية.
ثمة مجتمعات دائمة الحركة تبحث عن اكتمال ممكن، تتجاوز معها حالة الاستنزاف المتكرر، وضع الفراغ الذي تضيع في خوائه نقطة ارتكازعجلة التطور. وهذا ما يجب أن نستخلصه من الدرس الإسباني، بعد الانتخابات الأخيرة التي كشفت عن تحول سياسي يجري فيه الحديث عن جيل جديد من الديمقراطية، خط الفرق هنا غير وهمي . ولعل المفارق في ذلك، أن سحر الديمقراطية ووهج التخاطب السياسي هناك، كان يرهن اهتمام أبناء مغربنا المقيمين بين ظهراني جارنا الشمالي، وبعضهم متحمس لها، كما برز في بعض تقارير العدد، حتى وهو لا يملك حق التصويت، بينما يخفت هذا الاهتمام لدى هؤلاء بالعمل السياسي بوطنهم، ربما لأن النخب السياسية لدينا فشلت في إنتاج خطاب سياسي حداثي، وبنفس الوهج التواصلي والديمقراطي.
نأمل أن يحل العام الجديد، ويحمل معه ريحا لواقح تستنبت دينامية أكبر لدينا، لاستشراف أفق واعد، نابض بالعطاء والرغبة الصادقة في الرقي، وأن يجلب السلم والسلام لنا، ويتخلى بعض من العالم عن تواطئه مع ما يجلب الألم للإنسانية.
خديجة سبيل