كلما كنا بصدد الإعداد للعدد الخاص بالزواج وموسم الأعراس، كلما وجدت نفسي شخصيا أمام ورش كبير لتقديم صورة كاملة وواقعية لما يتطلبه عش زوجية من تحضير والاهتمام بأدق التفاصيل. في عدد هذه السنة قررت أن أبدأ من سؤال جوهري، لماذا يتزوج الناس ولماذا نحيط هته المؤسسة العريقة بكل هذا الاهتمام والتقديس، ما سر صمودها أو انهيارها، هل ثمة أسرار تخفيه على المقبلين للولوج إلى هذا العالم، عالم الزواج، المحطة الحاسمة التي تقطع بين حياة العزوبية، وحياة أخرى قوامها “المسؤولية”.
لا بد من وقفة للتفكير يجريها كل مقدم على هذه الخطوة الحاسمة في حياته، أخذا بعين الاعتبار كل الاحتياطات من أجل إنجاحها وكذلك وضع كل احتمالات فشلها. فاليوم الأرقام مزعجة جدا حول تفشي ظاهرة الطلاق بين الزواجات الحديثة، في حين أن الصدمة الحقيقية تشير إلى تأخر سن الزواج بالنسبة لـ “الكوبل” المغربي، فالمتوسط الآن يقترب من 37 سنة، وهو رقم متأخر جدا، له أسبابه وانعكاساته على البنى السوسيولوجية للمجتمع المغربي.
على أي أساس نتزوج اليوم ووفق أية منظومة ثقافية وفكرية؟ ماهي المقاييس التي نضعها عند اختيار الشريك “ة”؟ ولماذا يتحدث الجميع عن أزمة ثقة وفوبيا الزواج؟ أسئلة تقابلها في ثقافتنا الشعبية حكم ومسلمات أخرى من قبيل شحال من راجل خصو مرا وشحال من مرا خاصها راجل، أو زواج ليلة تدبيرو عام،…. وغيرها من الأمثال التي تضيق الخناق على مؤسسة الزواج وتفرغها من جوهرها وتجعلها وكأنها شر لا بد منه.
من دون شك، أن مؤسسة الزواج، بم تعد تستوعب الخلفيات التي تعود بها إلى زمن الحريم، كما لا تقبل المزايدات السياسية، لأن إدخالها إلى هذا الاستعمال المصلحي من شأنه أن يعرض المكون الاجتماعي للكثير من الأعطاب التي تدمر سلامة المجتمع المغربي، فالسياسيون يذهبون إلى حال سبيلهم، بينما تبقى المشاكل الاجتماعية على .
هناك، في البلاد، وعي متزايد، بأن النظر إلى الزواج كمؤسسة لا بد أن يمرّ عبر جعل القوانين هي الخيط الناظم لها، دون السقوط في مزايدات لسياسيين، همهم كسب المقاعد والأصوات. فمحاكم الأسرة في البلاد، في عهد هذه الحكومة، التي توسم بالإسلامية، وفي عهد الحكومات السابقة، يبين بجلاء أن سوء التقدير القانوني والشعبوية الزائدة عن الحد، والانغماس في الحزبية الضيقة، لا يمكن أن يحل مشاكل مستعصية، لها مقاربات أخرى سوسيو اقتصادية وقانونية.
وما ارتفاع نسب الطلاق في أوساط المتزوجين حديثا أو تفشي زواج الفاتحة رغم الإجراءات التي تمت، والخوف من تفكك النواة الصلبة للأسرة المغربية، إلا الدليل البيّن على الحاجة الماسة اليوم إلى مقاربة وطنية شاملة، تكون قاعدة للتأسيس الحقيقي لمجتمع بتوازنات لا تعود به إلى الخلف، وتشده إلى لعبة سخيفة مؤداها صراع بين الرجل والمرأة، أو بين أصالة موهومة وحداثة معطوبة، حيث يتصور أوصياء الدين والدنيا أنهم حاملو الحقيقة الأبدية، في حين أن مجتمعات أخرى تمضي بسرعة نحو تقوية البنى المدنية ومراكز الأبحاث والدراسات الاجتماعية، وإيجاد البدائل الكفيلة بالإجابة عن أسئلة الحياة المعاصرة وتعقيداتها.
ليس أمامنا من خيار بمنطق شكسبير “إما أن نكون أو لا نكون”، لأجل ذلك، لا بد من حوار اجتماعي شامل، قبل فوات الأوان، حيث الرجل والمرأة سيان، في الحقوق والواجبات، وحيث مصالح المجتمع فوق الجميع. فكن أو لا تكون!