هذا الاسم الصوت والصورة الذي تخاله يصدح من شرق بعيد ،وان انطلق صداه من شرق البلاد فهو من أصول متجذرة في رقعة الوطن الأمازيغية ليستوطن بإذاعة العاصمة لأكثر من ثلاثة عقود ناثرا أمواجه في عموم أثير المغرب
بمناسبة تكريمها من قبل بيت الصحافة بطنجة والاحتفاء بها في عيد المرأة العالمي بشعار ” نساء بصيغة أخرى ” نساء من المغرب التقت الإعلامية اسمهان خريجة شعبة الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة محمد الأول بوجدة عام 1986وخصتها بهذا الحوار
كيف قادتك الخطى لأثير المركز وأنت المنتمية إلى أدب الشرق ؟
خطاي قادتهما الصدفة إلى ذبذبات الأثير، صحيح كنت سميعة للإذاعة الناطقة بالعربية في شتى بقاع العالم ،لكن لم أتوقع يوما أن أكون خلف الميكروفون، حدث بسيط مع الشاعر محمد بن عمارة رحمه الله بإذاعة وجدة الذي كان على ميعاد مع ضيف ” ماذا يقرؤون ” وهو برنامج صيفي تخلف الضيف وكنت المنقذ ،وهكذا وجدتني أمام الميكروفون ولأول مرة ضيفة وليس كمعدمة أو مقدمة، انتبه رئيس المحطة آنذاك الراحل عمر بلأشهب لصوتي فبادر الى تشجيعي على دخول المجال الإذاعي، فوجدتني بالرباط بزنقة لبريهي أمام جهابذة الإعلام المسموع ببلادنا
الميكروفون ليس فقط منبه زعيق بل هو أيضا ذاك الصوت المؤثر،
كيف حافظت اسمهان عمور طيلة مسارها المهني هذا الصدى الإذاعي الطيب والقوي ؟
لم انتبه ان صوتي الذي قيل عنه انه إذاعي متميز، لم أكن أعي بقدرتي على مواجهة الميكروفون ، صوتي هبة من الله وأنا أضفت الملح عليه بطريقة مبتكرة آنذاك في التنشيط الإذاعي من خلال برنامج “حقيبة الأسبوع وزهور” استحسن المتلقي أدائي الصوتي ،واعتقدوه في البداية مشرقيا رغم انني لا انتمي إلا لهذا الوطن وأصولي أمازيغية مائة بالمائة ،عشت في المنطقة الشرقية بحكم مهنة الوالد الذي كان يعمل في الجيش الملكي ،اعتبرت بالبداية المكروفون مقدسا أتهيبه وارهبه وهكذا هو إحساسي على مدار السنين الطويلة
حديثنا عن ما احتوته حقيبة سفرك الاولى وما التذكار الذي احتفظت به؟
بفضل انتمائي للإذاعة الوطنية ربطت علاقات مع العديد من السفارات العربية وكان العراق من ضمنها، وفي عام 1989 جاءتني دعوة لحضور فعاليات المهرجان الثالث للفنون الشعبية ببابل ،كانت اول رحلة لي خارج أرض الوطن قطعت المسافة بين الرباط وبغداد وانا لا اكاد اصدق أن القدر كان سخيا منذ الوهلة الأولى ،تفاجأت ببغداد وأنفاقها وجسورها لمتاحفها وطرقها السيارة وهي التي خرجت سنة فقط من حرب مدمرة مع إيران ،قادتنا الرحلة الى تكريت وسليمانية شمال العراق حيث شاهدنا آثار لدمار وبقايا الحرب التي دامت ثمان سنوات
صورة المذيع بالنسبة للمستمع تبقى دائما متخيلة وفيها الكثير من الاستيهام اذا شئنا يستلهمها من الصوت وطريقة الحديث
كيف تتصورين صورتك عند المستمعين ؟و هل بدورك كنت تتمثلين صورتهم وأنت تنثرين مادتك الصوتية عبر الأثير ؟
اعتقد ان كل مستمع يضع بورتريه لمن يحب من الإذاعيين وكنت أنا أيضا في موقعهم عندما كنت مستمعة وفيه الإذاعات لناطقة بالعربية ي بلدان غير عربية ،وكانت مخيلتي ترسم وجوها مختلفة القسمات ،واعتقد أن المستمع رسم ملامحي في أول الخطو وحين التقط صوتي سنة 1987 أمنت ان الميكروفون مقدس وله سلطة خفية على من خلفه هكذا وجدتني من خلال برامجي تتلون ذبذبات صوتي من الابتسام الخفي لنبرة حزن إذا استدعى الظرف ذلك، صوتي طاوعني لنقل احاسيسي للمتلقي بكل عفوية و ربما هذا نابع من صدقي المهني
ما هي إكراهات العمل الإذاعي ؟
اعتبر العمل الإذاعي متعة لا تفوقها متعة أخرى، فعلى مدى 33 سنة قدمت برامج متعددة ذات طابع ثقافي وفني اجتماعي وتحسيسي ، ألف المستمع صوتي في البرامج الثقافية وهي من البرامج النادرة التي يلجها الصحافيون لأسباب عدة من بينها شح المساحة الزمنية المخصصة لهذه النوعية من البرامج ، واعتقد كل عمل له اكراهاته لكن العمل الإذاعي بما يتطلبه من جهد وسفر وإعداد ولقاءات لا حدود فيه للزمن ومع ذلك يبقى ممتعا
ما هي صفات المذيع الناجح ؟وهل جماهيريته هو المحدد لذلك؟
ليس هناك وصفة سحرية للمذيع الناجح فكل إذاعي له خصوصيته فقارئ الأخبار ليس هو المعد لبرامج ،هناك أصوات هي كناية عن نجوم ي سماء الإعلام السمعي التي ألفها المستمع كمحمد الجفان وأحمد عكا ومحمد جاد ولطيفة القاضي وزهور المزالي ومحمد نجيب غيرهم ، وفي البرامج لا يمكن اأن نغفل السيدة ليلى رشيد الصباحي حسين العمران صباح بنداوود ومحمد عمورة هذه الأصوات على تعددها كانت جماهيرية في وقت كانت الإذاعة الوطنية هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة لكن بعد تحرير السمعي البصري اختلط الحابل بالنابل
أنت بصدد إعداد إصدارك الأول، لماذا هذا اللجوء المتأخر للكتابة بالرغم من انخراطك القوي في الشأن الثقافي ممارسة ومتابعة من خلال البرامج الإذاعية الثقافية التي تعدينها و تقدمينها للمستمع؟
صحيح رغم متابعتي للشأن الثقافي لسنوات طويلة و انخراطي في العمل تحليلا ومقاربة إلا أنه لم يسعفني القلم في الكتابة إلا مؤخرا وفي ظرفية صعبة حينما تعرضت لكسر في الكاحل واضطررت للمكوث في البيت لمدة طويلة حينها وجدتني حاملة للقلم منقبة فيما اختزلته الذاكرة فقررت ان استجمع همتي واستصدر كتابا مبوبا يتضمن بعضا من سيرتي الخاصة والمهنية ومشاهدي اليومية نشرت بعضها البعض منها في موقع الكتروني وشعرت بتفاعل معها وأتمنى أن يصدر الكتاب قريبا
كيف هو شعورك حينما احتفى بك بيت الصحافة بطنجة في عيد المرأة ؟
ذهلت لكم الحب الفائض ليلة التكريم تحت سقف بيت الصحافة
دهشتي كانت قوية وأنا أستمع لشهادة السيدة أمينة السوسي، وهي من الجيل المؤسس رفقة زوجها الراحل خالد مشبال للإعلام التفاعلي في إذاعة طنجة، هي التي آمنت بي منذ البدايات، وآمنت بجيل لاحق يميزه الأداء والمعرفة والثقافة، فكنت ابنتها التي لم تلدها.
ومن الإعلامية فاطمة برودي التي نثرت الورود والمحبة، من رئيسة رابطة كاتبات المغرب عزيزة يحضيه التي اعتبرتني كوكبا، من الفنانة كريمة الصقلي التي صدحت بصوتها مؤدية مقاطع من العشق والحب إهداء لي، ومن الشاعرة إكرام عبدي التي أثنت على طريقة حواراتي معها، ومن الاعلامية والنائبة البرلمانية نعيمة فرح التي استحضرت أولى خطواتي في الإذاعة، ومن البروفيسور الدكتورة حنان الركاين التي آمنت بالعمل الإذاعي ودوره في التحسيس من خلال تجربتي معها هي التي كانت وفية للاستماع إلى صوتي أيام الحرم الجامعي…
انهمرت دموعي وأنا أنصت إلى الرجل الذي قضى عمرا في سجن تازمامارت السيد أحمد المرزوقي الذي بعث بفيديو بالمناسبة ليعبر فيه عن حرصه وحرص بعض السجناء في المعتقل على التقاط ذبذبات الإذاعة يوم السبت ليتابعوا برنامج حقيبة الأسبوع ولينصتوا إلى الصوت الذي اخترق جدران الزنازن مانحا إياهم جرعة الأمل في الحياة…
دهشت لكلمة الطبيب الخبير مولاي رشيد مستعين الذي حرص على بعث كلمة تلتها البروفيسور حنان الركاين عبر فيها عن حبه للإذاعة، وعن إعجابه ببرنامج “حبر وقلم”، وعن تفرد الإذاعة بصوت قل نظيره…
م يبخل رئيس بيت الصحافة الإعلامي سعيد كوبريت بالمفاجآت حين أطلق شعار برنامج “حبر وقلم”، فأحسست أني أسمعه لأول مرة، وأن الصوت المصاحب صوت سيدة أخرى؟؟
انسلخت روحي عن جسدي وحلقت بعيدا مرفرفة في عوالم اخرى، غير متيقنة أن المرأة التي تحمل اسم اسمهان هي أنا.!! بل هي سيدة تنتمي إلى عالم المذياع الذي بفضل ذبذباته امتد صوتها إلى قلوب من آمن بها وبتجربتها التي بلغت 33 سنة.
فتيحة النوحو