هاهي اللعبة قد بدأت، فالحملة الانتخابية التي نعيشها قبل الأوان، بقدر ما تصيبنا بالتخمة والغثيان، تمنحنا ربما فرصة أخرى قد لا تكون الأخيرة قبل بلوغ خط نهاية العد العكسي لانتهائها، لقراءة تأملية على الأقل، إن لم تكن تحليلية للمشهد العام بمختلف تجلياته السياسية والسوسيو اقتصادية، دون إغفال مرآته الإعلامية، التي ليست في النهاية سوى تحصيل حاصل، يخفي أو ربما يعكس بكل وضوح حقيقة حركية، وتفاعل كل هته المكونات مع بعضها البعض.
لكن قبل الخوض في تأمل ما يحدث بعين فاحصة، يجب الاعتراف بأنه يصعب علي شخصيا ، مواطنة وإعلامية، ممارسة تمرين الحياد والموضوعية في مفهومهما العلمي، . بالأحرى بناء موقف صريح وعلني من كل ما يحدث من حولي، حيث أحيانا يصبح إصدار الأحكام على الأحداث من مسؤولية الإعلامي (ة)، وهي لعمري من أصعب المهمات وأكثرها مسؤولية، ليس بسبب أهمية المعلومة أو نذرتها وشحها، أو حتى مخاطر أو صعوبة الوصول إليها كما كان الأمر في الماضي، بل لأن الخطورة اليوم، تكمن في زخم المعلومة وتمردها على الوصول عن طريق القنوات التقليدية.” الله يخلف” على مواقع التواصل الاجتماعي، التي قربت المسافات، وخلقت فضاءات جديدة للتعبير بـ “حرية” ، ونفث كل الأخبار الصحيحة والكاذبة، حتى أصبح “كلها يلغي بلغاه”. و قبل أن يصلك الخبر، تقرأ التعليق عليه في شكل استنكار أو تهكم أو استهزاء، و يصبح هو الغاية قبل الواجب. وهذا موضوع آخر…، أصبح الجميع سجين نفس خطاب الشعبوية السائد، سيرة غير حميدة بالطبع لهذا الاتجاه الجديد في التعامل مع معطيات المشهد العام بمختلف تجلياته.
من يمتلك حقيقة التحليل والرد والتأطير في هذا الزمن الموحش؟ كيف نحتمي من لعبة الأشرار التي تجعل بقوة الأشياء مع الحكومة وضدها في آن معا. الجميع يتقن فيها لعبة تبادل أصابع الاتهام وتقمص الأدوار، دون أن نوقف النزيف قبل تضميد الجراح. لا ياعزيزي (ت) كلنا لصوص، وإلا ما كان للجسد أن يحترق، ولا أن تتحول بيوتنا إلى استديوهات مكشوفة لبرامج الواقع، بكاميرات خفية أو سرية. ولا أن يمنح البعض نفسه حق الامتياز وقبله حق التهجم على الآخر في عقر داره ،بدعوى حفظ العرض والنهي عن المنكر المختزل في ممارسة الجنس بين أبناء نفس الجنس. وليس في هتك عرض أو تزويج قاصر.
ليس الفقر دائما هو السبب ، كما الشطط في السلطة لم يكن وسيلة قبل أن يكون غاية. وحدها الخطب الرنانة في قبة ممثلي الشعب ، و التباكي في احتفالات الكادحين ، من يجعل من المشهد فيلما من أفلام المقاولات التي لا يهمها البناء الدرامي، بقدر ما يهمها حصد أكبر مداخيل للشباك، بتعبير المشارقة. لا يهم أن يرتقي الإعلام فوق كل هذا الانحطاط، وهو حتما في ظل التردي العام لن يستطيع العيش حتى داخل الفضاء الأزرق، بعد أن أصبح قدره محسوما في الفضاءات الورقية.
والأسئلة هي نفسها التي طرحت قبل خمس سنوات من الآن، فكثيرة هي التحديات التي تواجهنا جميعا كإعلام ،وقبلها كدولة وحكومة ونخب، منها، ما الذي تغير بعد دستور2011؟ هل نجحنا في تحصين الحد الأدنى من المكتسبات التي اعتبرناها اللبنة الأولى في أفق تحقيق بقية المطالب الحقوقية؟ هل أثر ذلك في عجلة تدبير الشأن العام والرقي بمستوى النقاش السياسي، و أعاد الثقة بين النخبة والقاعدة؟ هل كان الإعلام مؤهلا وفي مستوى كل هته التحديات؟ أم على العكس، لم تخلف لعبة الأشرار سوى مزيد من العنف بكل أنواعه واللفظي والجسدي، في طاحونة من المصالح، لن تعد تعترف حتى بالقليل من الحب.