وجهة روبرتاج الشهر بجبال الأطلس المتوسط لم تصلها بعد شبكة الطرق السيارة الآمنة ضد أسوأ ما في الطرقات وهو الاكتظاظ وحوادث السير، لكن، لا اكتظاظ في طريق وطنية قد تقطع مسافات طويلة منها وحيدا بين منعرجات حادة تلزمك بخفض سرعة السير إلى 50 كلم عند بلوغ منعرج سيدي عبو تحديدا، صعوبة تغيب وسط مؤهلات طبيعية هي واحدة من شهرة الجماعة القروية أولماس التي سجل تطبيق ويز بعدها عن نقطة انطلاقنا ب 200 كلم، شهرة المنطقة ماؤها المعدني الطبيعي وهو نفس اسم القرية : أولماس. اسم أمازيغي يعني أخته كما قيل لنا، ولا يقل جبلها توغر الذي، يعني المرتفع بلغة الأمازيغ، شهرة عن ثروتها المائية. لكن خلف ثرواتها الطبيعية والمائية يوجد غنى آخرا : قرية رياضية بمواصفات عالمية هي موضوع روبرتاج العدد.
منجم النجوم
كأن المنطقة تطعم أبناءها من خوابي النجومية في أكثر الرياضات شعبية : كرة القدم وألعاب القوى، فقد سجل تاريخ الإنجازات الرياضية جهويا وطنيا ودوليا ما يعزز هذا المعطى كلما أعدنا سبورات نتائج المونديالات والملتقيات إلى الواجهة : فاطمة الزهراء الادريسي، محسن أوطلحة، تاغرافت، أوعزيز.. أبطال ساعدت المعطيات الطبيعية للمنطقة في تأهيل بنياتهم الرياضي، وتعزز ذلك بطموح من كبروا في محيط فيه هوس بالرياضة حتى ولو كانت قتلا للملل.لذلك حين تستدرج ذاكرة الساكنة للعودة إلى الوراء، تجدها خصبة في استرجاع نموذج حياة إيقاعها المشي والجري في الغابات و»الشانطي»، والشانطي كتعبير دارج عن جنبات الطريق في هذه المناطق كأنه ملعب رياضي، و أكثر من وما يسير فيه هم الرياضيين هواة ومحترفين، هكذا وجدناهم، فرادا وجماعات يؤثثون مدخل القرية بحثا عن اللياقة في انتظار المستقبل. والمستقبل الرياضي في القرية الرياضية هو اليوم صناعة محلية أيضا، الرهان عليها كبير للتفوق الدولي وللريادة المتمكنة.
الزمن 6 نونبر كان يوم مناسبة وطنية تستعيد سنة 1975 بحماس من عاشوا ذكراها المرتبطة بالحدث التاريخي :المسيرة الخضراء، والمكان قرية رياضية قادرة على تخصيب الأبطال بما ملكت من تجهيزات ومؤهلات طبيعية وإرادة مسؤوليها وعزيمة مواطنيها. الساعة كانت التاسعة صباحا في ملاعب تحمل مواصفات الملاعب الكبرى، ولا فرق بينها إلا عندما تعرف أنك فوق جغرافية جماعة تبعد عن العاصمة بحوالي 200 كلم. البعد عن المركز لا يعني أنك بعيد عن مؤهلاته على الأقل عندما نتحدث عن البنتية التحتية الرياضية، فيما البنيات الأخرى لها سياق آخر. في هذه الأجواء الحماسية ، كانت فرقا رياضية لثلاثة رياضات هي محور مدارس القرية الرياضية: كرة القدم ، البادمينتون، وألعاب القوى ، قد افتتحت يومها مبكرا، طاقة إيجابية تسري بين اللاعبين والمؤطرين لتقدم ما يفيد الاشتغال على التفكير الايجابي في تنشئة أجيال رياضة .
طموح وحواجز
بلياقة رياضية تغرس عينيها في كرونو السباقات، وتنتظر أن تحصل على رقم يعزز ريادتها، كانت في حصة تدريبية يوم الروبرتاج بالملعب الجديد، خديجة حموشتي 17 سنة طالبة علوم فيزيائية، تنتمي إلى نادي أطلس أولماس لألعاب القوى، متخصصة في سباقات السرعة 100 و 200 و 400 متر، وهي المسافات التي شاركت بها في عدة مسابقات جهويا ووطنيا، بدأت مسيرتها منذ ثلاث سنوات خلال مسابقة مفتوحة للعدو الريفي ، سجلت في نهايتها إنجازا بحصولها على الصف الأول، ومنه بدأ مشوار الأحلام،”عيني على المشاركة الدولية ولياقتي الرياضية ينبغي أن تكون مؤهلة لذلك٬، كما ينبغي تحقيق رقم قياسي في مسافتي 100 و200 الموجودين وطنيا في يد لاعبة من الجيش الملكي، لذلك، كثفت من تداريبي تحت إشراف الكوتش لحسن بإصرار على تجاوز توقيتي الحالي: 50 و12 ثانية في مسافة 100 ، اليوم أنا في فئة الشابات وفي حوزتي رقم جيد في سباق 200 متر حواجز، التخطيط ضروري للصعود مادامت كل المؤهلات موجودة على مستوى البيئة التي تعد بيئة رياضية بامتياز”.
قبل أن تتواجد القرية الرياضية كانت ومازالت غابات المنطقة “ملاعب” مفتوحة للهوس بالجري تماما كما طرقاتها التي تشكل واحدة من الإمكانات المؤهلة لصناعة الأبطال، “كنت كنتريني فالغابة مع مجموعة من الرياضيين الهواة كما في «الشانطي»٫ كانت بيننا بطلة المارطون العالمي فاطمة الزهراء الادريسي، الجميل أننا ننام ونستيقظ على وجود أبطال قريبين و من نفس البيئة التي نعيش فيها”. الإلهام هو واحد من الرأسمال المشترك والمحرض على أن تسلك الفئات الصغيرة مسلك الكبار، وهو التقسيم الذي تعتمده القرية الرياضية لتصنيف المستفيدين من خدمات فيها حرص على أن تكون في مستوى يليق بصناعة نجم، وأيضا في مستوى المؤهلات الموجود في المنطقة التي تمتاز بعلو وارتفاع مساعدان على الرفع من إمكانات الرياضيين،٬“الأجواء القاسية تساعدنا على التميز في أماكن أخرى، وأقصد بالقاسية جو وجغرافية المنطقة وهما ما يقوي مؤهلاتنا للفوز على اعتبار أن الكفاءة تتضاعف بالنسبة لنا مقارنة بعدائين اخرين” تقول خديجة التي تشعر بأن تداريبها اليوم على حلبة مطاطية لألعاب القوى بثمان مدارات يشكل إنجازا يعكس اهتمام الجهات بتطوير الأداء الرياضي انطلاقا من تطوير بنياته التحتية.»
بالأرقام، تفوق نسبة الإناث المنخرطات في مدرسة ألعاب القوى بالقرية الرياضية نسبة الذكور، ب 93 بنت مقابل 61 ولدا حسب معطيات للكوتش حسن أوبراهيم الذي أكد أن الأطر التقنية التي لها تاريخ في الممارسة الرياضية والتكوين والتأطير من بين عناصر القوة في هذه التجربة الرياضية في قرية يتدرب فيها نجوم كبار استعدادا للمنافسات.
الأطر استراتيجية التفوق
لا مستقبل بدون تأطير من متخصصين، بالقرية الرياضية عدة أطر في الرياضات المعتمدة، «ستيفاني» القادم من الكوديفوار واحدا منهم، كوتش ولاعب كرة مهني كما فضل تقديم نفسه مثلما أشر على مستوى الفرق الرياضية إناثا وذكورا بوصف: هائلة، مضيفا: «لهم قدرات تقنية عالية نضيف لها بعض اللمسات من خبراتنا. وينبغي القول أن الفضاء مساعد جدا يتطور بنيته التحتية الرياضية وتجهيزه بمعدات حديثة. ولتعزيز كفاءة المواهب، تمت استضافة فريق أتليتيكو مدريد لتدريبهم، فرصة التقى فيها الموهوبون بنجوم الأتليتيكو، هنا عمل جاد ومكثف مع الفرق الرياضية إناث كما الذكور، ولا فرق بالنسبة لنا بل هناك حرص على أن تكون الملاعب مختلطة مما يعكس خلفية المساواة في الميادين الرياضية». يقول ستيفاني الذي اعتبر المستقبل سارا رياضيا بالنسبة لقرية لها أبطال عالميين ولها مركز يستقبل مابين 700 إلى 1000 شخص ..
للفضاء أهمية في احترام إنسانية الإنسان، واحدة من أفكار الفيلسوف الألماني هيدغر تجد طريقها في هذا الفضاء، وشهادات تلاميذ القرية الرياضية تحفر هذه القيمة بتأكيد» كنحس براسي بحال لاعب حقيقي، كنحس براسي رونالدو..» الكلام لعمر أدفو، لاعب صغير في ملعب كبير ينتظر دوره في الرياضة التي اعتبرت أفيون الشعوب.
مساواة رياضية
بملعبي لكرة القدم، الفضاء الذي يعكس قناعة المسييرين بعدم التمييز بين الجنسين ممارسة لا فقط مجرد شعار، كانت فرق الإناث والأولاد على أرضية صالحة لمقابلات فرق كبيرة لا فقط تلاميذ في مدرسة أحدثت لحضانة المواهب، «بدأت في سن السادسة من عمري حين كنت أرافق والدي إلى ملاعب القرية قبل إنشاء القرية الرياضية، والدي مدرب لكرة القدم، وقد أصابتني وأخواني عدوى كرة القدم منه، أختي وأخي سبقوني إلى الابتلاء الجميل بالمستديرة، في صغري وأنا أتابع «الماتشات» كانوا يمررون كرة القدم إلي كنوع من التحفيز، تفاعلي كان فيه الكثير من تكتيك هاوية كوني كنت ألتقط الحرفة من الوالد، تم تسجيلي في فريق الناشئة إناث، ومن البدايات «كنت بغا نكون كوايرية ونمثل بلادي»، تعرفت على الكثير من المدربين ولاعبات كرة القدم وسافرنا خارج قريتني للعب مقابلات مع فرق من مدن أخرى، اليوم التحقت بمدرسة القرية الرياضية وصرت في الثالثة عشر من عمري، وبغيت نكون بحال حكيمي لأني أحمل رقم 5.» الكلام لألاء ابنة مدرب الفرقة الرياضية التي بادرت للقول حين ذكر والدها: «في الملعب ما كيعرفني ماتنعرفو، وهو قال لي : هنا، أنا مدرب ولست والدك». شهادة ألاء حول انتمائها لمدرسة كرة القدم بالقرية الرياضية جعلتها تختم: «لا أتخيل حياتي خارج هذا الفضاء، قد أكون مكتئبة دونه، هنا كنحس بالقوة والفرحة.»
القوة والفرحة في منطقة على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر، أكيد هو إحساس مصدر طبيعة متحررة، وجو غير ملوث، وستريس في الدرجة الصفر بسبب غياب الاكتظاظ. لذلك تعد القرية من أفضل الوجهات لتداريب نجوم الرياضات بمختلف أنواعها. ورياضات ألعاب القوى في الصدارة.
زينب 14 عاما، بطلة التكواندو، حصيلتها منه ميداليتين قبل أن تغير مسارها إلى كرة القدم، شغوفة بسيرة كريستيانو الرياضية، و «فخورة» هي الكلمة التي كررتها أكثر من مرة متحدثة عن دور المنشأة الرياضية في تطوير موهبتها، فخر امتد للحديث عن استفادتها من تدريب لفريق أتليتيكو مدريد بذات القرية الرياضية التي فتحت المدارس الثلاث منذ شهر فقط. « سعدت باستضافة فريق ومدربين من أتليتيكو مدريد لتدريبنا، وسعدت أكثر أن لي مؤهلات لغوية للتواصل معهم، أحصل على نقط جيدة ولن أفصل الدراسة عن موهبتي الكروية لأن اللاعب في حاجة إلى لغات عالمية».
البادمينتون من اليابان إلى أولماس
الانتقال من ملعب لآخر يتم بسخاء من جمال هندسة المنشأة التي روعيت في تفاصيلها مرونة تناسب دورها. من الملاعب إلى القاعة المغطاة بالقرية الرياضية، حيث رياضة قديمة لها حكاية ولادة في القرية اليابانية بيدمينتون والتي سميت باسمها، هي أيضا من الرياضات الأولمية، لها مريدون هواة وأبطال هنا بالجماعة القروية، لا تمارس إلا في القاعات كون أداة لعبها حساسة ولا تتحمل الريح، كورتها من ريش البط، ذلك هو أصل اللعبة عند اليابانيين، لكلفة مادتها الخام امتدت إليها الصناعة الصينية لتجعلها في المتناول. ابتلى شباب من القرية مراد وعثمان بشكل الكرة موضوعة للبيع في وسوق للخوردة قبل معرفة تقنياتها، «الأنترنيت ساعد في اكتشاف المزيد عنها يقول عثمان مدرب فريق البيدمينتون، هكذا جاءت الانطلاقة من أعضاء أطلقوا ناديا لهذا النوع من الرياضات النخبوية المكلفة في أدوات لعبها، لكن الطموح كان أقوى: نظمنا بطولة المغرب بأولماس بتنسيق مع الجامعة الملكية للبيدمينتون و التي عرفت مشاركة 22 ناديا، مبادرة تقف خلفها تجربة راكمها النادي الذي تأسس سنة 2018 ، وإصرار على الانفتاح على كل التجارب المتقدمة» يقول عثمان من المؤسسين لهذه الرياضة التي احتضنت القرية الرياضية ناديها الحائز على بطولات وطنية منها الرتبة الأولى في الدوري الوطني 2023 و2024.
هي لعبة تعتمد على الذكاء والسرعة في رد الفعل: «ألعبها لأنها مختلفة وأردت تجربة ممارسة رياضية جديدة»، تقول بسمة بملامح تعكس ما يؤكد أن المواهب في المنطقة صناعة لا تقف عند ميول مجرد أو إرادة مشلول، بل دعم من مؤسسة لا تفصل الجيل الجديد عن نجوم الانجازات، لذلك أسمت غرف الإقامة بأسمائهم مدعومة بصورهم: غرفة عويطة، نوال المتوكل التيمومي الزاكي، بيدوان ….السكاح .. أوعزيز ..
بين بداية الروبرتاج ونهايته، لا اختلاف في كمية الطاقة التي يصدرها الفضاء وأنشطته، وبين البداية والنهاية لا تضعف فكرة أن بناء العمران لا يتخلف عن بناء الإنسان، قناعة بدأنا وختمنا بها من قرية تشكل الاستثناء رياضيا.





