الزواج.. الأسئلة ذاتها

عدد خاص عن  الزواج، يعود من جديد إلى واجهة اهتمامنا. قد نجتر معه الأسئلة ذاتها، لأن الفعل ذاته يتكرر أمرا يراكم ذات الحاجة إلى أجوبة متعددة وليس واحدة، ومن ثمة  تبقى دائما جائزة ومشروعة : على أي أساس نتزوج ؟ كيف ومتى؟

ولِمَ يستمر التباهي بثراء المظاهر، يثقل كاهل من يقدمون على دخول مؤسسة الزواج وما يرافقها من اهتمام بأدق التفاصيل ؟ أو مجرد من يفكرون في  الأمر، ناهيك عن الانهمام بالحرص على مضمون يبزر بثراء كذلك.  ومن رحم هذه الأسئلة تطل أخرى تسائل مدى استعداد الطرفين لتحمل مسؤولية تدبير مستلزمات العيش المشترك، وبناء أسرة على أساس التوافق والاحترام والالتزام. وثانية تستشرف مدى التزام القانون بكفالة حق الطرفين في العيش المحترم. وتبقى أسئلة ثالثة تطالع ما نعتقد أنه الأهم، وهي تلك التي تشدد على شرعية إشهار الحاجة إلى ضمان توافر حد معقول لشروط ومقومات مؤسسة الزواج، بمختلف أبعادها الإنسانية والحقوقية والسوسيو ثقافية.

ما من شك في أن الحياة الاجتماعية قد تَلَبَسها التعقيدُ الذي يؤثر على الضغط اليومي الذي يعيشه الأفراد، إلى جانب التخوف من المجتمع، ومن المستقبل و من الزواج.  سيكون مناسبا التذكير أن الزاوج نفسه مؤسسة وعلاقة،  خضع لترسانة  عوامل كونية أفرزت منظومة قيم غير ثابتة،  تغيرت معها رؤية  الأفراد لمؤسسة الزواج، وبات معها عقد العائلة هشا مهددا بالانفراط، وطفت على السطح مجموعة من القيم الاستهلاكية بحيث أصبحت قيمة الفرد تقاس بما يملك وما يقدر على دفعه، وبات مطلوبا، بالإضافة إلى ذلك، التأكد من مدى وجود حاجة  إلى الزواج. ثمة شروط أخرى للزواج، تغيب عن التفكير كذلك، وتهم على الأخص الشروط الجنسية التي أصبحت عاملا محددا في إنجاح ليس فقط العلاقة بين الزوجين، بل وفي ضمان نجاح مؤسسة الزواج ككل. وما من شك كذلك أنه وجب قبل مناقشة القانون، إطلاق و رش مجتمعي يتطلع إلى تناول المشاكل الزوجية وتحديد الأخطاء القبلية لهذا الارتباط، واقتراح دورات تكوينية للمقبلين على الزواج والعزاب، قصد معرفة حجم المسؤولية الزوجية قانونيا واجتماعيا وماديا. الهدف الرئيس من ذلك، هو نشر الوعي، وتبديد الفوارق المعرفية، وتوضيح الفصول القانونية، وتبسيط الظواهر الاجتماعية، والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة لبناء أسر سليمة، وتقوية المجتمع بدلا من تركه عرضة للتفكك والأمراض النفسية والاجتماعية.

دقت ساعة الصفر إذا، وحان وقت التغيير.  ما من شك إن إثارة هذا الأمر في هذا العدد، يصادف دينامية مجتمعية، تقودها العديد من الفعاليات النساِئية على الخصوص. فعاليات وصلت بورش المطالبة بقانون الأسرة إلى أقصى درجات الترافع، معتمدة في ذلك على مختلف الوسائل التقليدية والحديثة.  بل تعرض مقترحات عملية لشكل ومضمون التغييرات الواجب إحداثها، استجابة للإرادة الملكية، باعتبارها أعلى سلطة في البلاد، ووفق ما يضمنه الدستور في إقراره بمبدأ المساواة، واستجابة طبيعية كذلك، للتغيير الذي عرفه واقع النساء بمختلف مفارقاته الإيجابية والسلبية.

ولعل  التحول الذي عرفته المرأة على هذا المستوى، بعد آخر تغيير لما كان يعرف “بالمدونة” ، قبل أن يحمل اسم “قانون الأسرة”، بات بمثابة تقويم لهذا الاعوجاج، ولعدم التطابق الذي كان حاصلاً بين النص القانوني والواقع اليومي. هذا التناقض نتج عنه العديد من أشكال التمييز والحيف الذي يكون الأطفال والزوجات ضحاياها. وذلك بالتخلي عن مبدأ “طاعة الزوجة لزوجها” وعن “إشراف المرأة على البيت وتنظيم شؤونه”، تمّ التخلي عن مفهوم التمييز بين الحقوق والواجبات الخاصة بكلٍّ من الزوج والزوجة، والتنصيص بدل ذلك على الحقوق المتبادلة بينهما، وضعت على أساس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ومكنت المرأة من اكتساب هويّة جديدة، وباتت بموجبها امرأة مستقلة بكيانها عوض وضعية التبعية، و اعتبرت أنّ الأسرة تتكون من رجل وامرأة تجمعهما المحبة والتفاهم والمساواة في الحقوق والواجبات.

 لقد شكل قانون الأسرة تحولاً كبيراً في المنظومة الحقوقية، وأصبح نصا قانونيا قادرا رغم الأعطاب “الذكورية”، على الاعتراف بشكل مباشر، بالعديد من الحقوق المتعلقة بوضعية المرأة، كما كان بداية لإلغاء بعض أشكال التمييز ضدّ النساء. وكانت الفلسفة التي قام عليها، مدخلاً فاعلا لتحقيق المساواة بين الزوجين داخل الأسرة في الحقوق والواجبات. كل هته التغييرات، اعتبرت حينها، ثورة كبيرة في قانون الأحوال الشخصية، رغم أنها لم ترض كافة الأطراف. وظلت بعيدة عن انتظارات تلك المرحلة، فما بالك اليوم والنساء قطعن أشواطا كبيرة في حضورهن في الفضاء العام، بكل مكوناته شكلا ومضمونا.  فلا ريب، تستحق نساء هذا البلد وكل زيجات المستقبل ماهو أفضل…

«إذا كان الرجال يخشون فقدان امتيازاتهم، فلا عليهم، إذ إنهم سيفقدون معها أعبائهم التقليدية في الوقت نفسه».
تتطابق شهاداتهن إلى درجة لافتة للأنظار، لولا اختلاف أسماء صاحبات القضايا، اللاتي يتحولن إلى أرقام في قائمة طويلة من الملفات بمجرد أن تطأ أقدامهن ساحات المحاكم، بحثاً عن حق كفله لهن القانون.
ينتظر المغرب تعديلات مرتقبة لمدونة الأسرة بناء على توجيهات جلالة الملك محمد السادس.