المواطنة المتساوية

المواطنة المتساوية ليست مطلبا حقوقيا معزولا، بل مدخلا لبناء ديمقراطية قوامها الكرامة والمشاركة.

في  قراءة لواقع المواطنة النسائية بالمغرب، تعتبر مريم بلحسين مختصة في الحكامة الديمقراطية

أن  الحقوق الإنسانية للنساء “ليست ترفا أو قضية فئوية، بل هي جوهر المواطنة، لأنها تعكس مدى احترام الدولة والمجتمع لكرامة كل فرد، وتحيل إلى التمعن في طبيعة العقد الاجتماعي الذي يجمع بين المواطنات والمواطنين”.

فمنذ انخراطه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مرورا بمصادقته على العهدين الدوليين واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وصولا إلى تبنيه منهاج عمل بيجين وأجندة التنمية المستدامة 2030، أرسل المغرب رسالة واضحة إلى العالم:  المساواة بين النساء والرجال جزء من التزامه الدولي والأخلاقي.

كما أن دستور 2011 كرس مبدأ المناصفة والمساواة، وأعطى للاتفاقيات الدولية مكانة متقدمة على القوانين الوطنية، في إشارة قوية إلى رغبة سياسية في بناء مجتمع أكثر عدلاً وإنصافًا.

لكن، المواطنة لا تبنى بالنصوص فقط، ولذلك تتساءل مريم عن واقع النساء “بالرغم من وتيرة التقدم المسجل في التجربة المغربية في مجال النهوض بحقوق النساء، فإن الواقع يكشف عن فجوة واضحة بين الالتزامات القانونية من جهة، والممارسة اليومية من جهة أخرى.

من جهة أخرى، لا تزال ثغرات مدونة الأسرة تثير نقاشا واسعا على المستوى القانوني لا سيما إبان السنوات الأخيرة، ولعل استمرار زواج القاصرات، الذي سجل فيه أكثر من 20 ألف حالة خلال سنة 2022، إضافة إلى الجدل المتواصل حول مسألة المساواة في الإرث، خير دليل على عمق التحولات الاجتماعية والثقافية التي ما زالت قيد التشكل ببلدنا.

أما على المستوى المجتمعي، فإننا نجد هيمنة مطلقة لسلطة الأعراف والعقليات التقليدية، لا سيما في الاوساط القروية، حيث تظل من أبرز العوائق التي تعوق إمكانية تمتع النساء بحقوقهن كاملة، سواء تعلق الأمر بالولوج إلى العدالة، أو التعليم، أو سوق العمل.

وفي نفس السياق، يندرج الرصد المتعلق بظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 57% من النساء المغربيات تعرضن لشكل من أشكال العنف حسب نتائج الدراسة التي أطلقتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019 والتي سلطت الأضواء على مدى تفشي هذه الظاهرة داخل المجتمع المغربي. وفي هذا الإطار نجد أنه رغم صدور القانون 103-13. هذا الواقع يطرح تساؤلات جدّية حول فعالية آليات الحماية والدعم، ومدى قدرة المنظومة القانونية والمؤسساتية على توفير الأمن والكرامة للنساء في مختلف الفضاءات.

ومن المؤسف أيضا حينما نجد نفس القتامة في مجال التمكين الاقتصادي والسياسي، حيث لا تزال مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية محدودة، إذ لا تتجاوز 23%، كما لا تتعدى نسبة النساء في البرلمان 24%.  مما يؤكد جزما محدودية الحضور النسائي في مراكز القرار، وضعف مشاركتهن في توجيه السياسات العمومية.

هذه الصورة على الرغم من قتامتها لا تشكل اختزالا لكل التحديات التي تؤسس للقضايا النسائية، بل هي في جوهرها قضايا مواطنة فحين تحرم النساء من ممارسة حقوقهن كاملة، فإن المجتمع بأسره يخسر نصف طاقاته، وتتراجع فرصه في تحقيق تنمية شاملة ومتكافئة”.

المواطنة المتساوية هي المدخل للتغيير بالنسبة لمريم لسد الفجوة بين الالتزامات القانونية والواقع المعيش، عبر خطوات تعتبرها رافعة حقيقية لتعزيز حقوق النساء وترسيخ المواطنة المتساوية، و في مقدمتها، تأتي مراجعة مدونة الأسرة بما ينسجم مع روح الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وهو مطلب ملح لضمان انسجام المنظومة القانونية مع قيم المساواة والكرامة الإنسانية.

كما يعد تعزيز دور المؤسسات الوطنية، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، أمرا حاسما في مراقبة وتقييم تنفيذ السياسات العمومية المتعلقة بحقوق النساء، عبر تقارير دورية وآليات تتبع فعالة.

إلى جانب ذلك، يعد تمكين النساء اقتصاديا وسياسيا شرطا أساسيا لبناء مواطنة فاعلة، عبر برامج دعم مستدامة تفتح أمام النساء فرصا حقيقية للمشاركة في سوق العمل وصنع القرار، بدل الاكتفاء بمبادرات ظرفية محدودة الأثر.

وبصفتي باحثة مهتمة بقضايا المواطنة وحقوق الإنسان، أرى أن المساواة ليست مطلبا حقوقيا معزولا، بل مدخلا لبناء ديمقراطية قوامها الكرامة والمشاركة. فحيثما تنتقص حقوق النساء، تضعف شرعية المؤسسات، ويتراجع منسوب الثقة في الدولة. بل إن تحقيق المساواة الفعلية هو السبيل لتجذير المواطنة الكاملة، التي لا تميز بين المواطن والمواطنة، بل تحتفي بالاختلاف في إطار العدالة والإنصاف”.

حين تزهر الثقة في تربة المواطنة

تركز رشيدة فتح المتخصصة في تدبير برامج التنمية الاجتماعية والباحثة في قضايا المواطنة والسياسات الاجتماعية   على مسألة التفاوت بين المعنى والواقع تختار لذلك عبارة دالة “مواطنة تبحث عن المعنى”.

” المواطنة ليست مجرد بطاقة هوية أو صفة قانونية، بل  جوهر العلاقة بين المواطن والدولة والمجتمع.

وفي المغرب، يطرح هذا المفهوم نفسه بإلحاح بين ما ينص عليه الدستور من حقوق وضمانات، وما يعيشه الناس في تفاصيل حياتهم اليومية من تفاوتات مجالية واجتماعية واقتصادية.إنها لحظة تساؤل جماعي: أي مواطنة نعيش؟ وأي مواطنة نريد؟

 في التجربة المغربية يعد دستور 2011 لحظة فارقة في تاريخ التحول الدستوري والسياسي بالمغرب، إذ وضع أسس المساواة والمشاركة والمساءلة والحكامة الجيدة، مُجسِّدًا طموح الدولة والمجتمع نحو تعاقد جديد قوامه الحقوق والواجبات. لكن المواطنة الحقيقية لا تقاس بعدد الفصول ولا بنبل العبارات، بل بمدى حضورها في التجربة المعيشة للأفراد، في المدرسة والمستشفى ومكان العمل والفضاء العام. ومن هنا، فإن التحدي الأكبر لا يكمن في سن النصوص، بل في إكسابها روحا تحس وتمارس، حتى تصبح المواطنة نمط عيش لا مجرد إعلان نوايا.

إن دراسة العلاقة بين المواطن والدولة تكشف أن ثمار المواطنة الحقيقية تنبت عندما تتفاعل مؤسسات الدولة مع توقعات المجتمع المدني بطريقة منتظمة ومؤسسية. في المغرب مثلا، يعكس نبض الشارع المغربي و الملاعب الرياضية منابر جديدة للشعارات الاجتماعية وتشكل مؤشرا على مطالب المواطنين المتجددة، وهي بيانات اجتماعية تعبّر عن الحاجة إلى إعادة ترتيب العقد الاجتماعي بطريقة شاملة ومنسقة.

وحين تستثمر هذه الإشارات في تطوير سياسات عمومية تشرك جميع الفاعلين (الجمعيات، الأحزاب، النقابات، البرلمان والحكومة…إلخ)، تتحول الأرض التي تمثل فضاء العلاقة بين الدولة والمواطنين إلى حقل خصب للثقة. هذه البيئة لا تعزز فقط المشاركة الفردية، بل تقوي الرابط الاجتماعي وتدعم ميكانيزمات التضامن المجتمعي، حيث يشعر كل مواطن بالانتماء والمسؤولية تجاه محيطه ومجتمعه.

 وفي هذه الظروف تؤكد رشيدة ”  تصبح المواطنة أكثر من مجرد شعار: بل إنها ثقافة حية، ممارسة يومية، ومجتمع قادر على الإبداع، والعدالة، والتجديد. إنها لحظة يكتمل فيها العقد الاجتماعي، حيث يتحول من نص مكتوب إلى ممارسة ملموسة، ويصبح كل مواطن شريكا فاعلًا في رسم مستقبل وطنه، مشاركا في رعاية الثقة التي تزهر في تربة المجتمع، ورافدا أساسيا لتحقيق مشروع المغرب الممكن على أسس العدالة، المشاركة، والتضامن الاجتماعي”.

المواطنة….  تبدأ من البيت

لا يولد الإنسان مواطنا، بل يصير كذلك ” مقولة لجان جاك روسو أحد رواد عصر الأنوار، يستحضرها محيي الدين حجاج في تعريفه لمعنى المواطنة في المجتمعات الحديثة، بما هي تربية ومكتسب ينمو بفضل التنشئة الاجتماعية بالدرجة الأولى، هذه الأخيرة هي من تزرع لدى الفرد الانتماء الوطني، فالمواطنة بهذا المعنى تمثل الإطار السياسي والقانوني و الاجتماعي الذي ينظم علاقة الفرد بالدولة، وعبر ذلك علاقته بالمجموعة التي يعيش ضمنها والمكونة من عموم المواطنين الذين تجمعهم أواصر المواطنة والانتماء لذات المجال الجغرافي وهو الوطن ليس كحيز مجالي فقط، بل وأيضا باعتباره مجموعة من القيم المشتركة بين قاطنيه”.

اختار محيي الدين حجاج، الاستاذ الباحث في التاريخ، والفاعل السياسي التركيز على التنشئة الاجتماعية بما هي حجر الزاوية في زرع روح المواطنة لدى الفرد، ومن الاسرة الى المدرسة ثم المسجد، يربط ، خيوط البناء، أو ما يسميه باللحمة الوطنية “فالاسرة هي المربي الاول للطفل ومنها ينبثق وعي جنيني تمثله القيم الرائجة داخل أسرته، ومن داخل هذا الكيان النووي – الأسرة نواة المجتمع – يفهم معنى الحق والواجب، ومعنى النظام والعيش المشترك مع أفراد آخرين تربطه بهم روابط الدم، وبذلك فهو يتهيأ ليعيش لاحقا مع أفراد آخرين تربطه بهم روابط تتجاوز البيولوجي إلى المشتركات الأخرى ( اللغة، الدين، الانتماء الجغرافي… )

وينتقل محيي الدين الى المدرسة كامتداد موضوعي للأسرة في عملية بناء شخصية الإنسان المواطنة ” فإذا كانت الأسرة قد زرعت في الطفل الوعي الجنيني لمفهومي الحق والواجب، فالمدرسة والجامعة بعدها تؤطره ليفهم ذلك على ضوء قوانين الدولة لا على أساس ضوابط أبويه في البيت، فينتقل من تعصبه – العصبية بالمفهوم الخلدوني – للأسرة والعائلة، إلى عصبية أوسع وهي التعصب للوطن، وهنا لابد من فهم التعصب من زاوية الإنتماء كما فصلها ابن خلدون، وليس بالمفهوم العصري والطارئ للتعصب الذي قد يعتقده البعض نوعاً من الشوفينية أو كراهية الآخر غير المنتمي لذات الوطن”.

بالاضافة الى المدرسة (في كل مراحل التعليم) يضع محيي الدين المسجد كفضاء للتنشئة الاجتماعية، مهمة كانت تستمر اليوم  داخل هذا الفضاء كملتقى أسبوعي للمواطنين خلال خطب الجمعة، لفهم مختلف قضاياهم الوطنية على ضوء رأي الشرع، وهو ما أطرته اليوم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إطار خطة تسديد التبليغ، الساعية إلى تحقيق السعادة للناس من خلال حفظ نظامهم وتنظيم حقوقهم وضمان كرامتهم وتكافلهم. وهي بذلك تزرع في المواطن مفهوم الوطنية والمواطنة وتؤسس لها بمفاهيم دينية سابقة لمفهوم المواطنة الحديث.

ومن خلال هذه الوسائل الرئيسية في التنشئة الاجتماعية وغيرها من الوسائل التي قد تختلف من فرد لآخر، تبنى الشخصية المواطنة، حيث يتربى الفرد على ثنائية الحق والواجب، وأيضا على قاعدة أن الخلاص الفردي هو رهين بالخلاص الجماعي، لذلك فالمواطنة هي بالضرورة نقيض للأنانية التي تميز الطبيعة البشرية، والمواطنة بهذه الصيغة ليست مقوضة لمفهوم الحرية، على اعتبار أن ” الإرادة العامة ” بمفهوم العقد الاجتماعي لدى روسو ترى أن تنازل الفرد عن بعض حقوقه لصالح الجماعة هو من صلب قيام المواطنة الحديثة، لذلك فالمواطنة ليست خضوعاً قسريا لسلطة الدولة والقانون، بل تعبير عن وعي جماعي بأهمية الدولة و مؤسساتها لتحقيق العدالة للجميع”.

تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وفي إطار مهام المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2008-2020، نظم مجلس النواب، أمس الخميس 18 دجنبر 2025 بمقر المجلس بالرباط، منتدى دوليا حول الرياضة تحت شعار "نحو استراتيجية وطنية للنهوض بالرياضة".
من طنجة الى الكويرة، عاش المغاربة لحظات من الفرحة العارمة بعد تألق المنتخب الرديف في نهائي كأس العرب وتحقيقه الفوز على المنتخب الأردني في مباراة وصفت بالتاريخية.
قائمة الالعاب المشمولة في هذا التحذير تشمل الالعاب البلاستيكية، والدمى المحشوة، والاجهزة الالكترونية.