هشام العمراني خبير التدريب والتنمية البشرية…مؤلف كتاب Speak Like A VIP
ما هو مفهوم السعادة بالنسبة اليك، وما الفرق بين السعادة الفردية والوطنية ؟
دعينا في البداية نتفق على أن مفهوم السعادة، كما تُقاس وتُعكس في تقرير السعادة العالمي. وقبل أن نتطرق إلى تفاصيل ترتيب المغرب، من المهم أن نميز بين السعادة الفردية والرفاهية أو السعادة الوطنية.
عندما نتحدث عن السعادة الفردية، فإننا غالبا ما نشير إلى مشاعر شخصية من الفرح والرضا والقناعة بالحياة. إنها تجربة شخصية عميقة، تتأثر بعلاقاتنا وإنجازاتنا الشخصية ومستوانا المادي (إلى حد ما) وشعورنا الداخلي بالسلام.
أما السعادة الوطنية، كما يقيمها تقرير السعادة العالمي، فتتبنى رؤية أوسع. إنها محاولة لقياس الرفاهية الجماعية لمواطني الدولة. يشمل ذلك النظر في عوامل مثل الأمن الاقتصادي، وشبكات الدعم الاجتماعي، والحصول على الرعاية الصحية، والشعور العام بالحرية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع. إنها مختلفة عن السعادة اللحظية لفرد واحد، وهي نوع من تقييم الحياة العامة لمجموعة من الناس.
والسعادة الوطنية لسيت بالضرورة مرتبطة ارتباطا مباشرا بالسعادة الفردية. قد يجد الفرد السعادة في أسرته وحياته اليومية، حتى لو كانت بلاده تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وعلى العكس، قد تسجل دولة درجات عالية في المؤشرات الاقتصادية، ومع ذلك يعاني بعض الأفراد داخل تلك الدولة من تعاسة شخصية وهذا ما يفسر ارتفاع حالات الاكتئاب وحالات الانتحار والأمراض النفسية في بعض المجتمعات المتقدمة اقتصاديا وهذا أمر لاحظته شخصيا من خلال تجربتي في العيش في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإنجلترا.
يهدف تقرير السعادة العالمي إلى تقديم لمحة عن مدى نجاح الدول في توفير بيئة حاضنة تمكن مواطنيها من أن يزدهروا فيها. إنه يتعلق بالظروف التي تعزز الرفاهية على نطاق واسع.
والآن، من المهم أن نفهم أن أي دولة، بما في ذلك المملكة المغربية، تحتاج -لتفسير مكانتها في التقرير- إلى فحص دقيق للالمؤشرات التي تم قياسها. وتشمل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر الصحي، وحرية اتخاذ خيارات الحياة، والانطباعات العامة حول العدالة والفساد. من خلال النظر في هذه المؤشرات، يمكننا تحديد المجالات التي قد تركز الدولة جهودها فيها لتعزيز الشعور الجماعي بالرفاهية والانسجام والتماسك الاجتماعي. إن الأمر يتعلق باستخدام التقرير كأداة للفهم والتحسين، وليس مجرد تصنيف.
هل يمكن لبيئة السعادة الوطنية أن تؤثر على شعور الفرد أو مستوى سعادته الشخصية، وهل يمكن لسعادة الأفراد أن تؤثر بدورها على السعادة الجماعية للوطن؟
نعم، بالتأكيد، هنالك تأثير متبادل وعميق بين سعادة الفرد وسعادة الوطن. إنه تفاعل ديناميكي يشكل نسيج الرفاهية في أي مجتمع.
لنبدأ ببيئة السعادة الوطنية، فعندما يعيش الفرد في مجتمع يوفر له الأمن الاقتصادي، وشبكات دعم اجتماعي، ورعاية صحية جيدة، وحريات شخصية، فإن ذلك يخلق أرضية خصبة للسعادة الفردية. الشعور بالأمان والعدالة والفرص المتساوية يساهم بشكل كبير في شعور الفرد بالرضا والقناعة. ففي مجتمع يسوده التفاؤل والإيجابية، حيث يشعر الأفراد بالدعم والتقدير، من المؤكد ان ذلك سيؤثر على حالتهم النفسية ومستوى سعادتهم.
وعلى الجانب الآخر، فإن سعادة الأفراد تؤثر بشكل كبير على السعادة الجماعية للوطن. عندما يكون الأفراد سعداء ومنتجين، فإنهم يساهمون بشكل إيجابي في المجتمع. الأفراد السعداء أكثر ميلا للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية، وتقديم الدعم للآخرين. هذا يخلق مجتمعا أكثر تماسكا وتعاونا. تخيلوا مجتمعًا مليئًا بالأفراد المتفائلين الذين يعملون معًا لتحقيق أعلى إمكانيتهم الفردية. هذا بالتأكيد سيخلق بيئة تنافسية إيجابية تشجع الباقين على تحقيق إمكانياتهم والوصول لكل أو بعض أهدافهم وهذا يخلق دينامية طاقية إيجابية ونشطة تؤثر بدورها على البيئة الجماعية التي نعيش فيها.
بمعنى آخر، يمكننا أن نقول إن سعادة الفرد هي لبنة في بناء سعادة الوطن، وسعادة الوطن هي الحاضنة التي ترعى سعادة الفرد. إنهما وجهان لعملة واحدة، يؤثران ويتأثران ببعضهما البعض بشكل مستمر. لذلك، فإن الاستثمار في سعادة الأفراد هو استثمار في سعادة الوطن، والعكس صحيح.
هل يعني انخفاض تصنيف دولة في تقرير السعادة العالمي تلقائيًا انتشار التعاسة الفردية بين مواطنيها ؟
ليس بالضرورة.
لكن هذا سؤال يحيلنا على ثنائية البيضة والدجاجة. من الأول؟
هل سعادة الفرد تبدأ عندما يكون المحيط مهيئا لذلك أو العكس هو سؤال اختلفت حوله الآراء ويوضح تعقيد العلاقة بين مؤشرات السعادة الوطنية والشعور الفردي.
ببساطة، إذا سجلت دولة نقطا منخفضة في تقرير السعادة العالمي، فهذا لا يعني تلقائيا أن جميع مواطنيها غير سعداء. هناك عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار.
• التجارب الفردية : السعادة الفردية تتأثر بشكل كبير بالعلاقات الاجتماعية ، والإنجازات الشخصية، والمرونة النفسية وقوة الفرد على التأقلم العاطفي مع التحديات التي تواجهه في الحياة، والعديد من العوامل الأخرى التي لا يتم قياسها بشكل كامل في التقرير. يمكن أن يجد الأفراد السعادة في حياتهم اليومية بغض النظر عن الظروف الوطنية.
• التنوع الثقافي: تختلف الثقافات في تعريفها للسعادة وتقييمها لها. ما يعتبر عاملا مساهما في السعادة في ثقافة ما, قد لا يكون كذلك في ثقافة أخرى.
• المرونة والتكيف: هناك بعض الشعوب قادرة على التكيف مع الظروف الصعبة وإيجاد طرق للتعامل معها أكثر من أخرى وذلك يعتمد على الثقافة المجتمعية السائدة. يمكن للمجتمعات أن تبني شبكات دعم قوية وتطور آليات للتكيف، مما يخفف من تأثير الظروف السلبية.
• الجانب الروحي و الديني: في الكثير من المجتمعات، وخاصة المجتمعات المسلمة، الجانب الروحي والديني يلعب دورا كبيرا في سعادة الفرد، وهذا الجانب لا يقاس في التقرير.
• المسؤولية الفردية : يجب أن نؤكد على أهمية المسؤولية الفردية في خلق طاقة السعادة الفردية والمجتمعية. على كل فرد أن يسعى لتحقيق أقصى إمكاناته في الحياة، بغض النظر عن التحديات المحيطة به. من المهم ألا نلعب دور الضحية، وأن نبذل قصارى جهدنا لبناء شيء ذي قيمة لأنفسنا، مما سيكون له تأثير إيجابي على عائلاتنا ومحيطنا، وبالتالي بشكل غير مباشر على المجتمع. نعم، هناك تحديات في المغرب، ولكن هذا ينطبق على كل دولة. لا توجد دولة خالية من التحديات، والأمر متروك للأفراد للمشاركة قدر الإمكان في رفع أنفسهم ورفع من حولهم. لدينا أمثلة رائعة في المغرب لأشخاص حققوا الكثير رغم كل التحديات.
لذلك، بينما يمكن أن تشير النقاط المنخفضة في تقرير السعادة العالمي إلى تحديات هيكلية في المجتمع، فإنها لا تعكس بالضرورة الحالة العاطفية لكل فرد. إنه مؤشر عام، وليس حكماً قاطعا على السعادة الفردية. يجب علينا أن نركز على دورنا الفردي في بناء سعادتنا وسعادة مجتمعنا.
هناك حديث عن السعادة المؤسسية, ماذا نقصد بذلك ؟
السعادة المؤسسية، هي امتداد طبيعي لمناقشتنا حول الرفاهية على المستويين الفردي والوطني. فكما أن الأفراد والمجتمعات يسعون إلى تحقيق السعادة، فإن المؤسسات أيضا تتحمل مسؤولية خلق بيئات عمل تعزز الرفاهية النفسية. ببساطة، السعادة المؤسسية تعني بناء ثقافة عمل إيجابية ومحفزة، حيث يشعر الموظفون بالتقدير والرضا، ويكونون قادرين على تحقيق التوازن بين حياتهم المهنية والشخصية.
ولكن، كيف يتحقق ذلك؟ أولاً وقبل كل شيء، يتطلب الأمر قيادة واعية تسعى إلى بناء علاقات قوية بين الموظفين، وتشجع التواصل المفتوح والشفاف. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المؤسسات أن تستثمر في تنمية موظفيها، وتوفر لهم فرصًا للتعلم والنمو المهني، مما يعزز شعورهم بالإنجاز والتقدم. والأهم من ذلك، يجب أن تركز المؤسسات على خلق بيئة عمل تدعم الرفاهية الشاملة، من خلال توفير برامج صحية ، وتشجيع التوازن بين العمل والحياة. على سبيل المثال: يمكن للمؤسسات أن تسمح لموظفيها بالعمل عن بعد يوم الجمعة مثلا لأنه يوم معروف بالازدحام المروري الخانق خاصة في كبرى المدن مثل الدار البيضاء مما يساهم في تخفيف الضغط النفسي عن الموظفين، أو يمكن أن تطلق مبادرات أخرى بهدف تعزيز الشعور بالرضا والانتماء لدى الموظفين.
إن السعادة المؤسسية ليست مجرد رفاهية، بل هي استثمار استراتيجي. فالموظفون السعداء هم أكثر إنتاجية وإبداعا، وأكثر ولاءً لمؤسساتهم. كما أنهم يساهمون في خلق بيئة عمل أكثر إيجابية وتفاؤلاً، مما يعود بالنفع على الجميع. وفي نهاية المطاف، فإن المؤسسات التي تتبنى مفهوم السعادة المؤسسية هي التي ستنجح في جذب المواهب والاحتفاظ بها، وتحقيق النجاح المستدام في عالم الأعمال المتغير
تحدثنا عن تقرير السعادة العالمي، الذي يركز على عوامل مختلفة تساهم في الرفاهية الوطنية. كيف يختلف مفهوم السعادة الوطنية الإجمالية (Gross National Happiness) أو الناتج الإجمالي للسعادة وما هي الرؤى ا التي يقدمها ؟»
هذا سؤال مهم، لأنه يسلط الضوء على تحول حاسم في كيفية إدراكنا للتقدم الوطني من هذه الناحية. بينما يستخدم تقرير السعادة العالمي مجموعة من المؤشرات المحددة المستمدة من استطلاع جالوب العالمي لترتيب الدول، تقدم السعادة الوطنية الإجمالية (GNH) مقاربة أكثر شمولية وفلسفية.
يكمن الاختلاف الرئيسي في الفلسفة الأساسية. فمفهوم السعادة الوطنية الإجمالية، تفترض أن التقدم الحقيقي لا يقتصر فقط على النمو الاقتصادي، كما يقاس بالناتج المحلي الإجمالي. بل تفترض بأن رفاهية البلد تشمل طيفا أوسع من العوامل.
تتعمق السعادة الوطنية الإجمالية في مجالات مثل الرفاهية النفسية، والحفاظ على الثقافة، والاستدامة البيئية، وحيوية المجتمع. وتطرح أسئلة مثل : ‘هل الناس راضون عن حياتهم؟’ ‘هل يتم الحفاظ على التقاليد الثقافية؟’ و ‘هل يتم حماية البيئة؟’
تقدم هذه المقاربة متعددة الأبعاد رؤى مختلفة من خلال
• تحدي النظرة التي تركز على الناتج المحلي الإجمالي : تذكرنا بأن الازدهار الاقتصادي لا يترجم تلقائيا إلى السعادة أو الرفاهية.
• تسليط الضوء على أهمية العوامل غير الاقتصادية: تؤكد على أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية والبيئية في تشكيل رفاهية الأمة.
• تشجيع مقاربة أكثر توازنا واستدامة للتنمية: تشجع الحكومات على إعطاء الأولوية لرفاهية مواطنيها والبيئة إلى جانب النمو الاقتصادي.
• التأكيد على أهمية القيم والأخلاق : تعزز نموذجا للتنمية متجذرا في مبادئ أخلاقية قوية. باختصار، بينما يقدم تقرير السعادة العالمي لمحة قيمة عن اتجاهات السعادة العالمية من ناحية تقنية، تقدم السعادة الوطنية الإجمالية إطارا أعمق وأكثر فلسفية لفهم وتعزيز الرفاهية و تشجعنا على النظر إلى ما هو أبعد من المؤشرات الاقتصادية والنظر في الأبعاد الأوسع لازدهار الإنسان.