لم يثن الوقت المتأخر الذي لعب فيه المنتخب الوطني مباراة النهائي بالشيلي، مغاربة الداخل من الخروج الى الشارع في كل المدن المغربية، تعبيرا عن فرحة كبرى.. يومان بعد ذلك، سيخرج المغاربة الذين قدموا من مختلف الجهات للرباط لاستقبال المنتخب المغربي ليصنعوا لوحة ملحمية في معنى المواطنة..
ذات الفضاء كان شاهدا قبلها بأيام على مسيرات رفعت شعارات تجويد السياسات العمومية، والرفع من منسوب التنمية ضمن دينامية قادها الشباب، والهدف هو المطالبة بشروط المواطنة.
بين المشهدين، كيف يمكننا فهم المواطنة؟
رغم وجود ما يشبه الإسراف في الحديث عن المواطنة، يمكننا إدراك وجود سوء فهم في التمثل وبالتالي في ممارسة هذه المواطنة، هل يفهم المغربي معنى المواطنة كما تم التأسيس لها، وكيف نصف المواطنة كما تستقر في ذهن المغاربة؟
الفضاء العام المشترك… مختبر المواطنة
الفرح معدي تقول لنا نعيمة، وفرحة المغاربة بالفوز بكأس العالم انتقلت للعالم كله، لكن دون نزوعات درامية، تؤكد أن «أوقات الأزمة والفضاء العام هي ما يكشف لنا حقيقة فهمنا للمواطنة»، تطرح نعيمة سؤالا مفاجئا، ما الذي يجعل مواطنا يختار التبول في الفضاء العام؟ وما الذي يدفع مواطنا لرمي أزباله في الشارع دون أن يتساءل عن حدود انتمائه وامتلاكه-وغيره- للفضاء العام، الصيغة المثلى للمواطنة بالنسبة لنعيمة هي أن تنتمي لفضاء جغرافي، فترغب في تثمينه والحفاظ عليه كمشترك فردي وجماعي، هذا الخيط الرابط بين العام وبين الفردي هو ما ينقصنا وهو حمض المواطنة».
تتحدث نعيمة عن سلوكيات صغيرة يمكن تفسيرها من الناحية النفسية ومن الناحية الاجتماعية، فهناك جهل وهناك فقر وهناك عدم تربية على الجمال والنظافة، لكن التربية على المواطنة هي شيء آخر، وهي عنصر يغيب في تربية الأجيال بالتالي نحصده من خلال هذه الفجوة بين الفرد وبين تملكه للفضاء العام بكل ما يعنيه من ممارسات».
بين المواطنة والوطنية تنتقل مريم خويا، فاعلة حقوقية ومدنية «للوطنية والمواطنة،جذع مشترك في اللغة العربية، وهو كلمة الوطن، وهو بالنسبة إلي رمز الاحتضان والأمان، بينما في اللغات الفرنسية أو الانجليزية نتحدث عن باريوتيزم « أو «سيتيزنشيب». الوطنية تحيلني على زمن الصغر، حين كان الناس يصفون البعض بكونه «وطني»، والاحالة كانت على الناس الذين دافعوا عن المغرب ضد الاستعمار، والتفوا حول ملك البلاد، وبشكل رمزي يعتمرون الطربوش «الوطني». الوطنية هي حب للوطن والاخلاص له، ويمكن أن أترجمها بصيغة حب الخير الوطن والعمل على أن يكون جميلا في جميع المستويات، كما اترجمها بحب الوطن لأبنائه، بأن يكون قادرا على استيعاب واحتضان الجميع.
بينما المواطنة وهي الصفة الايجابية التي تحدد حقوق وواجبات كل فرد ومدى ممارسته واحترامه لهذه الصفة فالمواطنة هي اعتبار كل فرد مهم، لأنه ببساطة انسان ، وتمكنه من جميع الشروط لحفظ كرامته وتأمين العيش الكريم له، وعمل جميع المواطنين في اتجاه تأسيس دولة الحق والقانون، في اطار مرجعية كونية لحقوق الانسان التي يمكنها أن تحقق لنا امكانية العيش المشترك.
دع غيرك يفعل
هل نفهم حقا ما تقتضيه المواطنة، هل يصح الحديث عن نوعين من المواطنة، فاعلة وأخرى كسولة أو تكتفي بالنقد وعن بعد ؟، هل يفترض الحديث عن المواطنة مساءلة آليات تعزيز وترجمة الشعور الوطني بالانتماء ؟، وما الفرق بين التمثل وبين السلوك؟
من أكثر الأسئلة إلحاحية في نقاش المواطنة، يبرز سؤال الفعل أو المواطنة الفاعلة أو الايجابية، اذ لا معنى للارتباط بهذه القيمة مع الغياب الرمزي الفعلي، اختارت خولة بنعمر الفاعلة الثقافية طرح سلسلة من الأسئلة، وفي تسلسل الأسئلة يقفز المعنى واضحا للعيان، المواطنة تعني المسؤولية ايضا..
«نحن نطالب بحقوقنا، نرفع شعاراتنا، ننتظر التغيير…لكن من منّا يضع يده فعلاً في الطين؟ من منّا يتّسخ قلبه بالجهد، ويتعب فكره في سبيل ما يؤمن به؟ الالتزام ليس شعارا يُرفع في المناسبات، بل عرقٌ يُسقى كل يوم. المواطنة ليست بطاقة تعريف، بل موقف. والنضال ليس بطولة موسمية، بل تفاصيل صغيرة من الإصرار، من الصدق، من الفعل.
من السهل أن نقف على الرصيف، أن ننتقد، أن نتذمّر، لكن من الجُبن أن نظل متفرجين، ومن الخيانة أن نشكو من واقعٍ لم نحاول تغييره. نعم، لنا حقوق، لكن لنا أيضا واجب أن نحلم بصدق، أن نحمي أحلامنا من برودة اللامبالاة، أن نتقاسم الخبز، والأمل، والمسؤولية. فما يحطمنا ليس الآخر، بل تفرّقنا، أنانيتنا، وذلك الصوت الداخلي الذي يهمس لنا: “دع غيرك يفعل”.التغيير لا يصنعه القدر، بل يصنعه الإنسان حين يقرر أن يكون».
المسؤولية كلمة جذرية في تعريف للمواطنة مستقى من الواقع، يؤكد هذا المعطى الباحث في العلوم الاجتماعية الاكاديمي سعيد بنيس، الذي يضع ما يشبه المفهوم لمعنى المواطنة الايجابية «ليست المواطنة الإيجابية مقولة مجردة تقوم على تمثلات راقية وقيم مثالية بل هي أساسا مقولة إجرائية تحيل على ممارسات يومية وسلوكات معيشة تضبط إيقاع التفاعلات الفردية وتعدد العلاقات الجمعية وطبيعة آليات العيش المشترك وتنوع عناصر الرابط المجتمعي. لهذا وجب التمييز بين مواطن سلبي غير نشيط بعيد عن قضايا الشأن العام ومواطن إيجابي نشيط منخرط وملتزم برهانات وتحديات وطنه وأمته».