تعددت الأسباب… والهدر واحد

.ظاهرة الهدر المدرسي متعددة الأبعاد، لكن المؤكد بأن الخاسر الأول فيها هو التلميذ، تخسر الأسرة، والنظام التعليمي أيضا

في معرض تشخيصه للظاهرة اعتبر المجلس الاعلى للتعليم أن الهدر المدرسي يشمل الانقطاع الدراسي و التكرار، وعدم الالتحاق بالمدرسة.تتعدد الأسباب التي ترتبط خصوصا بالظروف السوسيو اقتصادية، بالثقافة والأعراف، بالاكراهات الجغرافية والمجالية، بالاضافة الى الأسباب البيداغوجية المرتبطة بالتربية وطرق التعليم، تسهم هذه العوامل في التسرب كما تكرس هشاشة اجتماعية تلاحق المتسربين عوض أن تكون المدرسة وسيلة للارتقاء الاجتماعي.

بشكل عام، ووفق معظم الآراء التي أثارها كل الذين تمكنت نساء من المغرب من استجوابهم، تهيمن أربع عناصر دالة على إشكالية الهدر: يتعلق الأول بسببية الظروف الاجتماعية في تكريس الهدر المدرسي، فيما يهم العنصر الثاني  شيوع الظاهرة أكثر في المستويات الإعدادية أكثر من المستوى الابتدائي، ثم يرتبط العنصر الثالث بالمجال الجغرافي، حيث ترتفع نسبة الهدر المدرسي في البوادي والقرى عنه المدن، أما العنصر الرابع فيحيل على معطى  بأن الاناث هن أكثر المتضررات من الهدر.

هي  قضية مركبة بنظر «كمال كحلي» رئيس جمعية ندرس للتربية والتكوين والإدماج المهني، إذ  «بسبب تشابك العوامل التي تسهم في انسحاب التلميذات والتلاميذ من النظام التعليمي. تشمل هذه العوامل الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة المدرسية والظروف الشخصية التي يعيشها التلاميذ».

يستحضر كحلي الدخول المدرسي، معتبرا أن  «هذه الظاهرة من التحديات الكبرى التي تواجه الدخول المدرسي لهذه السنة، إذ ورغم المجهودات التي تبذلها الوزارة للحد من هذه الظاهرة، والتي ترمي إلى تحسين العرض التعليمي وخاصة من خلال مدارس الريادة والفرصة الثانية والسعي لنهج مقاربات بيداغوجية ميسرة للتحصيل الدراسي، إلا أن ما تنطق به الأرقام يتطلب مجهودات أكبر فلن يكون هناك أثر ملموس لكل المجهودات المذكورة من أجل تعميم التعليم الأولي وتشجيع التمدرس، خاصة بالنسبة للفتيات في مختلف المستويات، أمام استمرار الهدر والتسرب لعدد كبير من التلاميذ كل سنة.

يستلزم الأمر بالنسبة لكمال تكثيف الجهود من أجل دعم الأسر التي يتعرض أبناؤها للهدر المدرسي اقتصاديا واجتماعيا، وخاصة في ظل الارتفاع المشهود للأسعار، وجعلهم قادرين على ولوج المدرسة بشكل متكافئ مع اقرانهم في مختلف المجالات الترابية للمملكة، مع نهج آليات التتبع والدعم الاجتماعي والمدرسي المستمرين خصوصا على المستوى المحلي، و تسريع وتيرة ادماج تكنولوجيا التعلم خصوصا في العالم القروي لتوفير وبجودة معقولة التعليم عن بعد الى جانب التعليم الحضوري، للحد من ظاهرة الهدر وتفادي تكرار حالة العود للمدمجين».

لا يكفي الحديث عن أسباب كبرى في التعاطي مع إشكالية الهدر، يقول مصطفى اللوزي، فاعل مدني واستاذ بالتعليم التأهيلي الثانوي، «فهناك عوامل ترتبط بالعلاقة مع المدرسة والاقران أو الاستاذ حيث تسود ممارسات قائمة على نبذ وتهميش واقصاء، مضايقات عنف، أو تحرش تجعل التلميذ الذي يكرر السنة مثلا يتخلى عن حافزية المواصلة والاستدراك، فينقطع نهائيا خاصة في غياب مراكز الاستماع التي أعتبرها مهمة جدا في توجيه التلاميذ المحتملين للهدر» .

يؤكد مصطفى الذي يحمل قبعة فاعل مدني بجهة طنجة تطوان، أن الآثار المحتملة للهدر المدرسي، قد لا تبدو واضحة في البداية، لكن إمكانات التنمية والتشغيل والبطالة أو الأنشطة غير المهيكلة التي تتم معالجتها كإشكاليات منفصلة، تبدأ مع ظاهرة الهدر المدرسي الذي يكون بداية مسلسل الهشاشة».

أهل مكة أدرى بشعابها، وليس أفضل من أهل المهنة لترصيص فهم حول ظاهرة ممتدة في الزمن المدرسي المغربي، تحدث عنها بوضوح النموذج التنموي الجديد و تقارير المجلس الأعلى للتعليم، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لما تشكله من هدر للإمكانات البشرية والمادية، وتأثير ذلك سلبا على التنمية في مختلف أبعادها.

هناك من يعتبر ان الهدر المدرسي سبب في الزواج المبكر، وهناك من يعتبر أن الزواج سبب في الهدر، والحقيقة انهما متصلان..
.ظاهرة الهدر المدرسي متعددة الأبعاد، لكن المؤكد بأن الخاسر الأول فيها هو التلميذ، تخسر الأسرة، والنظام التعليمي أيضا
على الرغم من المجهودات المبذولة، لازال الهدر المدرسي يمثل إشكالية تتصدر تقارير تقييم المنظومة التعليمية بالمغرب، المؤشرات الأخيرة التي قدمتها الوزارة الوصية تتحدث عن تراجع بلغ نسبة 12 بالمائة، شجرة تخفي غابة من الهدر الذي لا زال يبعد أكثر من 300 ألف تلميذ وتلميذة سنويا عن فصول الدراسة. هل يتعلق الأمر بخلل في المنظومة، أم أن أسبابا مجتمعية أخرى تجعل من الهدر ظاهرة مركبة ؟.