جامعة خضراء برؤية شاملة
منذ تأسيسها، تبنّت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية نهجًا صديقًا للبيئة، حيث جاء تصميم الحرم الجامعي ليحوّل مدينة بن جرير إلى مدينة خضراء ديناميكية تشجّع على التنمية المستدامة. وقد رُوعي في هذا التصميم تحقيق انسجام بين السكان والطلبة والباحثين داخل بيئة متكاملة ومستدامة.
وأوضحت الدكتورة سعيدة طيبي، أستاذة مساعدة ببرنامج العلوم الحيوية الزراعية بكلية الزراعة والعلوم البيئية، أن الجامعة تجسّد رؤيتها كـ «جامعة خضراء» من خلال تبنّي نهج شامل يدمج بين البحث العلمي، الابتكار، والتنمية المجتمعية. وتشمل هذه الرؤية تطوير منتجات حيوية بديلة للمواد الكيميائية مثل الأسمدة والمبيدات والمنشّطات، بما يعزّز من صحة الأنظمة الزراعية ويقلّل الاعتماد على المدخلات الصناعية.
كما تعتمد الجامعة في بناياتها على تصاميم موفّرة للطاقة، وتطبّق مبادئ الاقتصاد الدائري، وتتبنّى مقاربات بيئية في تهيئة المساحات الخضراء. وتمتد هذه الجهود لتشمل برامج التعليم والبحث، التي تدمج مبادئ الزراعة البيئية والإدارة المتكاملة للآفات، بهدف تكوين جيل جديد من الباحثين والمهندسين والمزارعين القادرين على قيادة التحول البيئي.
وإيمانًا منها بأهمية تثمين المخلفات الزراعية، تعمل الجامعة على تحويل هذه المخلفات إلى موارد مفيدة مثل الغاز الحيوي والفحم الحيوي، باستخدام تقنيات نظيفة. كما توفّر برامج تدريبية لتعزيز القدرات المحلية في الزراعة المستدامة، والخدمات البيئية، والزراعة الرقمية. ومن خلال هذه المبادرات، تُترجم رؤية الجامعة إلى واقع ملموس يرسّخ التنمية منخفضة الكربون، ويُعزّز الاستخدام الدائري للموارد، ويقدّم حلولًا بيئية عملية على المستويين الوطني والإفريقي.
مشاريع تنموية ذات بُعد مجتمعي
لا يقتصر أثر التعليم الأخضر في جامعة محمد السادس على حدود الحرم الجامعي، بل يمتد إلى محيطها البيئي والاجتماعي. وفي هذا السياق، تقول الدكتورة طيبي:
«من بين المشاريع البحثية البارزة التي تقودها الجامعة، يبرز مشروع SpectaVOCs، الذي تنفّذه مؤسسة MAScIR بشراكة مع كلية الزراعة والعلوم البيئية، وبدعم من المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA). يركّز المشروع على دراسة المركبات العضوية المتطايرة التي تنتجها النباتات، لتطوير استراتيجيات مبتكرة لمكافحة الآفات، باستخدام مبيدات حيوية طبيعية بديلاً عن المبيدات الكيميائية».
وتضيف: «تجري الجامعة أيضًا أبحاثًا واسعة على المبيدات المستخلصة من الزيوت العطرية والنباتات والفطريات الحشرية، وتُشرف على أطروحة دكتوراه بشراكة مع جامعة محمد الأول بوجدة حول تثمين نبات إكليل الجبل،الذي يُعرف بخواصه العطرية والطبية. ويُستخرج من هذا النبات مركبات طبيعية مضادة للأكسدة والميكروبات بطرق صديقة للبيئة، كما تُستغل الكتلة الحيوية المتبقية بعد الاستخلاص عبر التحلل الحراري لإنتاج الفحم الحيوي، والحمض البيرولي، والزيت الحيوي، التي يتم اختبار استعمالاتها في الطاقة وتحسين التربة والزراعة».
ونظرًا للقرب الجغرافي للجامعة من المناطق المتضررة جراء زلزال الحوز، بادرت الجامعة الى الاشتغال على مشروع تطوير مفاعل غاز حيوي عملي وسهل الاستخدام مع ضمان سماد عضوي لمدرجاتهم الزراعية ، لتمكين الأسر المتضررة من استخدام مخلفاتها الزراعية و الحيوانية في الطهي والتدفئة والزراعة .ويشكّل هذا المشروع استجابة مباشرة للتحديات الطاقية والزراعية، مما يُعزز من قدرة المجتمعات المحلية على الصمود والتعافي الاقتصادي المستدام. وسيُنفذ المشروع في القرى المتضررة من خلال تركيب المفاعل في منزل نموذجي، إلى جانب تنظيم تدريبات ميدانية للسكان، وإجراء دراسة اجتماعية واقتصادية لقياس أثر المشروع.
الطلبة فاعلون في التنمية المستدامة
يلعب الطلبة في جامعة محمد السادس دورًا محوريًا في دعم مؤشرات التنمية المستدامة داخل الجامعة. وتوضح الأستاذة المساعدة بكلية العلوم أن الطلبة، من مراحل التخرج إلى الماستر والدكتوراه، يشاركون في أبحاث تطبيقية تتناول الزراعة البيئية، ونُظم الزراعة المتنوعة، والمبيدات الحيوية، وتثمين النفايات الزراعية. وتكسبهم هذه المشاركات خبرات ميدانية في مجالات الإدارة المتكاملة للآفات، والتكنولوجيا الحيوية، والاقتصاد الدائري.
ولا تقتصر مساهماتهم على البحث، بل تشمل أيضًا العمل الميداني، وجلسات التصميم التشاركي، والمختبرات متعددة التخصصات، والتعاون مع شركاء متنوعين. ومن خلال برامج مثل ACFP، يعمل الطلبة جنبًا إلى جنب مع الأساتذة، والمنظمات غير الحكومية، وصناع القرار، والمجتمعات المحلية لتطوير حلول مستدامة. كما يشاركون في ورشات تشاركية، ويستخدمون أدوات مثل «نظرية التغيير» لترجمة نتائج البحث العلمي إلى تطبيقات واقعية، مما يُنمّي مهاراتهم القيادية والإبداعية لمواجهة تحديات البيئة والمناخ في القارة الإفريقية.