كان الحدث فرصة لإبراز المبادرات المبتكرة التي تهدف إلى تحسين الأنظمة الصحية بشكل مستدام، مع التركيز على إعادة تشكيل مستقبل رعاية سرطان الثدي في شمال إفريقيا.
التعاون من أجل التغيير
أكد الدكتور “ماتورين تشومي”، رئيس شركة روش فارما في إفريقيا، على أهمية التعاون والابتكار لمواجهة تحديات الصحة في القارة. وشارك قصصا شخصية مؤثرة عن الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها العديد من الأسر، مؤكدا على ضرورة العمل الجماعي لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية، وخاصة للنساء. وأشار إلى أن التشخيص المبكر لسرطان الثدي أمر بالغ الأهمية لإنقاذ الأرواح وتحسين النتائج العلاجية.
وقال الدكتور تشومي: “لا يتعلق الأمر فقط بالتكنولوجيا، بل أيضا بالقيادة والتعاون بين جميع الأطراف لتحقيق تغيير ملموس”، مؤكدا التزام “روش” بتحسين حياة السكان في إفريقيا، ومشددًا على أن الهدف يتجاوز مجرد تعزيز مبادرات الشركة ليصبح “واجبًا جماعيًا”.
من جانبه، سلط السفير السويسري لدى مصر، “أندرياس بوم”، الضوء على التعاون بين سويسرا ومصر في مجال الرعاية الصحية. وأشاد بدور مبادرة “100 مليون صحة” التي تهدف إلى تحسين الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة وسرطان الثدي على وجه الخصوص. وأشار السفير إلى حجم الاستثمارات السويسرية في مصر، والتي بلغت 1.3 مليار يورو في عام 2023، حيث خصص 80% منها للقطاع الصحي. واصفًا هذه الشراكات بأنها تمثل نموذجًا يحتذى به في تعزيز الرعاية الصحية.
معا لتحسين الرعاية الصحية للمرضى
أكد الدكتور محمد سويلم، المدير العام لشركة روش في مصر، على أهمية التعاون الإقليمي لمواجهة تحديات الصحة العامة، مشيرا إلى أن دول شمال إفريقيا تتشارك الطموح لتحسين جودة حياة المرضى بشكل مستدام. كما أشاد الدكتور سويلم بالتقدم المحرز في السنوات الأخيرة في مجال التشخيص المبكر لسرطان الثدي في مصر، حيث يتم الآن تشخيص 70% من الحالات في مراحل مبكرة مقارنة بالماضي. وأعرب عن تفاؤله بالمستقبل قائلا: “معا، ومن خلال تبادل الأفكار والتعلم من بعضنا البعض، يمكننا تجاوز طموحاتنا وتقديم أفضل ما لدينا للمرضى”.
من جانبها، أوضحت بهيجة كومي، رئيسة جمعية “أمل” بالمغرب: ” إن المعتقدات الثقافية والمعلومات الخاطئة، مثل فكرة أن طلب الرعاية الطبية قد “يوقظ ثعبانا”، أسهمت لفترة طويلة في إثناء عزيمة النساء وإحجامهم عن الوصول إلى الخدمات الصحية”. وأضافت: “إذا بحثت عن سرطان الثدي، قد تجدينه، ولكن عندما تكتشفينه مبكرًا، يمكنك علاجه”.
كما كشف الخبراء خلال الندوة، عن مساهمة الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في التشخيص من خلال تعزيز الدقة والحد من النتائج السلبية الخاطئة. وبالنسبة للنساء في المناطق الريفية، يعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع النتائج، الأمر الذي يخفف القلق مع إمكانية العلاج بشكل أسرع.
الرعاية الشاملة والحملات الصحية الوطنية
في المغرب، وبفضل خطة الوقاية ومكافحة السرطان الوطنية التي تم إطلاقها وتكريسها عام 2010، أصبح الفحص المبكر لسرطان الثدي متاحًا الآن على مستوى وطني. وتتكامل هذه التدخلات ضمن النظام الصحي العام، وهي مجانية تمامًا ومدعومة بإطار عمل وطني وموارد مخصصة. منذ انطلاق هذه الخطة، تم إنشاء 48 مركزًا مرجعيًا للصحة الإنجابية، بالإضافة إلى 16 فريقًا متنقلًا لضمان التغطية في المناطق النائية. حاليًا، يتم فحص حوالي 1.8 مليون امرأة سنويًا، مما يساهم بشكل كبير في الكشف المبكر للحالات في مراحلها الأولى.
أما في تونس، فقد أسهمت جهود جمعية “نوران” من خلال وحدات متنقلة لفحص الثدي في المناطق المحرومة في تحسين معدلات الكشف المبكر. خلال عام 2023 فقط، أجرت الجمعية فحوصات لأكثر من 10000 سيدة، وكشفت عن 1000 حالة تستدعي التدخل الفوري.
تستند هذه التطورات إلى نتائج دراسة بحثية أجريت في عام 2020 في المناطق الريفية في تونس، حيث خضعت 200 سيدة لفحوصات مجانية للثدي. وكشفت الدراسة أن 70 سيدة أظهرت أعراضًا تتطلب مزيدًا من الفحوصات، وتم تشخيص حالة واحدة بسرطان الثدي. واليوم، يتلقى 75% من مرضى سرطان الثدي الإيجابي HER2 المتقدم في تونس علاجًا يتوافق مع المعايير الدولية، مما يعكس التزام البلاد بتحسين نتائج سرطان الثدي وتوسيع الوصول إلى الرعاية الدقيقة.
شراكات قوية بين القطاعين العام والخاص
أطلقت مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان في المغرب بالتعاون مع شركة روش في عام 2009 برنامجًا يهدف إلى تمكين المرضى ذوي الدخل المحدود من الوصول إلى العلاجات المبتكرة التي تقدمها روش مجانًا ضمن مرافق الرعاية الصحية العامة. يتم تجديد هذا البرنامج سنويًا ويوفر لأكثر من 1,500 مريض إمكانية الوصول إلى علاجات الأورام المتقدمة التي تتماشى مع المعايير والبروتوكولات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تعاونت شركة روش مع جامعة محمد السادس للعلوم والصحة لتطوير دبلوم جامعي مبتكر لمدة عام مصمم خصيصًا لمرضى السرطان. يهدف هذا البرنامج إلى تحويل تجارب المرضى الشخصية إلى خبرات قيّمة تمكّنهم من دعم مجتمعاتهم.
في تونس، تقدم شركة روش مع الجمعية التونسية لمكافحة السرطان استشارات طبية مجانية، وتصوير الثدي بالأشعة السينية (الماموجرام)، فحوصات الموجات فوق الصوتية للثدي، بالإضافة إلى ورش عمل حول الفحص الذاتي لتشجيع النساء على مراقبة صحتهن. وتُقام هذه الفعاليات في عدة مراكز صحية شريكة. كما تتعاون روش مع المعهد الوطني للسرطان لتقديم استشارات مجانية وتوزيع قسائم لإجراء فحوصات الماموجرام بوصفة طبية، بالإضافة إلى جلسات تدريبية للأطباء حول أحدث التطورات في التشخيص المشخصن لسرطان الثدي.
رؤية مستقبلية
في ختام الحدث، أكد المشاركون على أهمية الاستمرار في الاستثمار في الوعي المجتمعي، توسيع نطاق الفحوصات المبكرة، وتعزيز الابتكار في الرعاية الصحية لتحسين حياة المرضى في المنطقة. وخلصت الفعالية إلى أهمية تحويل الحدث إلى منصة سنوية لتبادل الأفكار وتعزيز الشراكات بين دول شمال إفريقيا.