«الاستثمار في المرأة لتسريع وتيرة التقدم»، شعار اختارته منظمة الأمم المتحدة هذه السنة احتفالا باليوم العالمي للمرأة. فما من شك أن تحقيق المساواة القائمة على النوع الاجتماعي بات أمرا أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى. ذلك أن ضمان حقوق النساء والفتيات في شتى نواحي الحياة، هو السبيل الوحيد لبناء اقتصادات مزدهرة وعادلة، وكوكب صحي يصلح لحياة الأجيال القادمة. وكما أوضحت ذلك في رسالتها الإعلانية بهذا الخصوص، اعتبرت الأمم المتحدة ، أن أكبر التحديات الرئيسية أمام تحقيق المساواة القائمة على النوع الاجتماعي، بحلول عام 2030 هو النقص المثير للقلق في التمويل، مع وجود عجز هائل في الإنفاق السنوي على تدابير المساواة القائمة على النوع الاجتماعي، والذي يُقدر بنحو 360 مليار دولار أمريكي. وكما يبدو، و بعيدا عن لغة الشعارات الفضفاضة، فالقضية اليوم محسوبة بالأرقام، فإن تمكين النساء (رغم حساسيتي من هذه العبارة التي تختزل فيها قضايا النساء في مختلف الخطابات السياسية)، على المستوى الاقتصادي، يظل المفتاح الأكبر لمشكل تواجهه النساء في مختلف بلاد المعمور، وإن بدرجات مختلفة ومتفاوتة.
وفي تصورها دائما، ووفق نفس الرسالة المنشورة على موقعها، تم تحديد خمس مجالات رئيسة تحتاج إلى العمل المشترك لضمان عدم إغفال النساء، على رأسها بالطبع، الاستثمار في المرأة. إذ لازالت المساواة القائمة على النوع الاجتماعي أكبر تحدٍّ في قضايا حقوق الإنسان، وبالتالي يُعتبر الاستثمار في المرأة من ضرورات حقوق الإنسان، وركيزة أساس لبناء مجتمعات شاملة للجميع، ذلك أن تقدم المرأة سيعود علينا جميعًا بالنفع.
ثانيا: التمويل المُراعي لمنظور النوع الاجتماعي، إذ تشير التقديرات، حسب تقرير المنظمة، إلى أن 75 في المائة من البلدان ستحد من الإنفاق العام بحلول عام 2025 بسبب النزاعات وارتفاع أسعار الوقود والغذاء. وغالبا ما يؤثر التقشف سلبًا على النساء، ويحل محل الإنفاق العام على الخدمات العامة الأساسية والحماية الاجتماعية.
ثالثا: التحول إلى اقتصاد أخضر قائم على الرعاية، إذ يقترح أنصار النماذج الاقتصادية البديلة، التحول نحو اقتصاد أخضر قائم على الرعاية، يعمل على إيصال أصوات النساء. لأن النظام الاقتصادي الحالي يؤدي إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة والتدهور البيئي، ممَّا يؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفئات المهمشة.
رابعا: دعم صانعي وصانعات التغيير النسوي، فرغم الأدوار الرائدة التي تلعبها المنظمات النسوية في معالجة فقر المرأة وعدم المساواة، لكن بالرغم من ذلك، فهي لا تتلقى سوى 0.13 في المائة من إجمالي المساعدات الرسمية للتنمية.
خامسا وأخيرا: المشاركة السياسية، وهنا مربط الفرس، إذ مازالت المرأة، كما تشير إلى ذلك الأرقام والدراسات كذلك، ممثلة تمثيلًا ناقصًا في الأحزاب السياسية وفي مراكز القرار. هذا التمثيل الناقص يترجم أكثر تلك الحاجة الى تجل أكبر وحيازة أو سع لفضاء فعل في الحياة العامة من قبل المرأة، بما في ذلك المشاركة في الأنشطة السياسية والتصويت وغيرها من أمور الفعل العمومي . وقد نبه التقرير إلى أن المنطقة العربية، تسجل أقل نسبة مشاركة للمرأة في الحياة السياسية على مستوى العالم، بل تحتل المرتبة الأدنى في المشاركة السياسية و في مؤشر الفجوة بين الجنسين، بمعدل 15 في المائة من النساء الممثلات في البرلمان، متخلفة عن المعدل العالمي البالغ 22،1 في المائة.
و تبرز الجهود التي تبذلها دول مثل المغرب لضمان المساواة بين الجنسين في الدساتير والسياسات، بما في ذلك توفير نظام الحصص، وهو ما اعتبره التقرير، استثناء وليس قاعدة.
بدورنا هذا ما نتمناه كنساء هذا البلد، ونحن ننتظر قانون الأسرة المعدل، وكلنا أمل أن يحمل معه تغييرات حقيقية، تكون في مستوى التطلعات التي عبرت عنها الأمم المتحدة بلغة الاقتصاد والأرقام، لكن نحن نريدها أولا بلغة الحقوق والقانون، أي مساواة في الجوهر، نعبر معها إلى بر تمكين التقدم والرخاء بكل قوة وثبات، تكفل لنا المواطنة الكاملة لتتحول معها هذه التحديات إلى فرص وضمان مستقبل أفضل للجميع.
في ذكرى الثامن مارس، بكل ما يحمله هذا التاريخ من رمزية في مسيرة النضال النسائي في مختلف دول المعمور، الذي تتربع على عرشه اليوم المرأة الفلسطينية، لا نملك سوى الوقوف إجلالا وتقديرا لكل الرسائل التي وصلتنا من خلالها صمودها، رغم حرب الإبادة التي تشنها الصهيونية الغاشمة في حق شعب بأكمله. وبلغة الأرقام مرة أخرى، الحرب على غزة هي حرب أيضا على النساء اللواتي قتلت منهن نحو 9.000 امرأة على يد القوات الإسرائيلية حتى الآن. ومن المحتمل أن يكون هذا الرقم أقل من الواقع، حيث تفيد التقارير أن العديد من النساء لقين مصرعهن تحت الأنقاض، فكل يوم تستمر فيه الحرب بالمعدل الحالي، سيتواصل قتل 63 امرأة في المتوسط من النساء.
ما من شك أن وقوفنا اليوم وفي هذه المناسبة بالذات، ليس للاحتفاء بل فقط لإيقاف تدفق نساء غزة خارج الحياة، والمحافظة عليهن بداخلها آمنين مصونين سعداء.