تنوء هته السنة التي نودعها بما تحمله. تنوء بأحداثها خيرها وشرها، وبتداعياتها النفسية والاجتماعية. اختبرت السنة هاته الآفلة انسانيتنا، وسجلت في مختلف سياقات الفعل ملامح النجاح والإخفاق فيها. كانت الوتيرة بقدر سيل مجرياتها في خضم مجموعة من الأحداث التي تجثم على المشهد العام. وقائع بدراماتيكة إعلامية وسياسية، تصبح معها الكتابة بعد العلم بها وتجريبها، أكثر صدقا وألما من الكتابة بعد جهلها. مازلنا في عهدنا الجديد الرقمي نواجه آفاتنا ، بعد أن أَسندت بسذاجة مضمرة وَهْم صناعة الحقيقة ، بينما تم فسح المجال للمغالطات أن تسري بيننا سريان المألوف والمعهود والأمين. شبح وحشية قانون «البوز»، تجد من يلتقطها بكل تهافت وأريحية. تكشف مثل هته الحوادث الإعلامية، حتى بعد أن تظهر الحقائق، حجم ومستوى الخواء الذي ينخر مجتمعاتنا المستهلكة لكل ما تجود به شاشات هواتفنا الذكية، من عوالم تعكس كل الجوانب الظاهرة والخفية من سلوكياتنا وأفعالنا. قد تنتقد أو تسخر من مجريات الأحداث هنا أو هناك، قد تتألم أو تتضامن، تحزن، تبكي أو تضحك، دون أن تسائلنا إعلاما وقبله أفرادا : هل بناء قوة إنسان تقتضي تدمير إنسان آخر؟ لم كل هذا الدمار الذي يساهم فيه الإنسان في سبيل قوة واهمة؟ أليس غريبا أن نُسمى إنسانا ولا إنسانية فينا؟ أليس غريبا أننا ما زلنا نبحث عن الإنسانية ونحن نستدبرها أو هي تركن في وجهة أخرى معاكسة ؟ إن ازدهار الإنسانية وتقدمها يتجلى في كيفية الحفاظ على أرواح البشرية من الموت والدمار، يكمن في صون كرامتها وضمان حريتها، والحرص على ضمان العيش لجميع أفرادها بسلام وتسامح وأمان. الإنسانية تنقلنا من حالة المشاحنة النفسية والكره إلى حالة السلام الداخلي، حالة من الحب والاحترام للجميع دون شرط أو قيد، لن نفقد البوصلة، ففي سبيل الاستمرارية بهذا العالم الكئيب، لن ننسى تماما أننا إنسان يحكمنا الحب قبل القوة، تجمعنا المودة، وتضمن استمرار التعايش والتسامح بيننا. ثمة سبل لاسترجاع القليل من الإنسانية بقلوبنا بعد أن دمرتها أيادينا وتورطت بجرمها ضمائرنا. لن نخذلك يا غزة وأنت تأملين الحصول على وطن لا يغص بالموتى والظلام، لا يُطفئ الأضواء على ناسه المُنكسرين فيغمرهم الهلع، الجنون وسيل الدموع، حتى بعد أن تمت الهدنة باعتبارها حدثا تكراريا جديدا بين الطرفين دخل حيز التنفيذ، وباتت القصة مفتوحة على مسارات جديدة مفترضة… لا شك ستحرك القعر الراكد فينا، فتخرج منا كل على شاكلته، ذاك المشترك الإنساني، لنحتفي بالفجر رغم كُل شيء، نفتح الأبواب المُحصنة بمشبكات حديدية، لتنعشنا نسائم صباح مشرق.
نودع عاما عشنا خلاله على المستوى المحلي، محنة فاجعة مخلفات زلزال بقدر عنفه، الذي أخرج أثقال أرض بقاطنيها وبجبالها، أخرج كذلك كل الجميل فينا. لقد كان الزلزال الذي طبع السنة التي نودعها، فاجعة بكل المقاييس، فاجعة وطنية وإنسانية وحضارية حتى وإن لقنا من خلاله سواء ملكا أوشعبا، درسا كبيرا للعالم في ملحمة وعبقرية التضامن. نأمل مرة أخرى، ونحن على أعتاب عام جديد أن نجعل منه منهجا إلزاميا وسلوكا، يطبع تدبيرنا لمختلف قضايانا الوطنية والدولية. لقد تم فتح أوراش كبيرة، لا تتعلق بإعادة الإعمار فقط أو تشجيع السياحة، بل كذلك باحتضان بلادنا، لملتقيات دولية هامة، بعد فوزنا بتنظيم كأس إفريقيا لكرة القدم لسنة 2025، وأيضا الحدث الأكبر: المشاركة في تنظيم كأس العالم إلى جانب الجارتين إسبانيا والبرتغال سنة2030. أوراش تتطلب الكثير من التحضير اللوجستيكي والبنيوي، هي من دون شك تحديات ورهانات علينا النجاح فيها بنفس المسؤولية في العمل والعطاء اللامشروط. لن يتوقف معها نخب ملحمة الوطنية والتضامن، الذي سيتوج بانتهاء ورش تعديل المدونة المرتقب، معلنا عن عهد جديد في تدبير قضايا الأسرة في مجتمعنا ومنصفا لكل الأطراف المكونة لها، وضامنا آخر لحقوق المواطنة الكاملة للنساء، التي لن تكتمل دون نجاح تدبير بقية الأوراش الراهنة، كالتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية.
كل عام وإنسانيتنا وأوطاننا بألف خير…