تعود جذور هذه المناسبة إلى أكثر من عشرين عامًا، عندما حسم الخطاب الملكي النقاش حول تغيير مدونة الأحوال الشخصية آنذاك، حيث وجه هذا الخطاب مسار العمل استجابة لمطالب الحركات الحقوقية.
في الوقت الراهن، يتزامن هذا العدد مع انتهاء ورش المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة، مما يعزز الآمال في إصدار قانون حديث وديمقراطي يتماشى مع روح العصر، ويضمن المساواة، ويعكس التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، إلى جانب التزاماته الدولية وأهداف التنمية المستدامة. ورغم ما تحقق من إنجازات، فإن هذه المكاسب لا تمثل سوى جزء ضئيل من المطالب، مقارنة بما تواجهه النساء من ضغوطات يومية تفوق بكثير ما تطرحه العريضة المطلبية للحركة الحقوقية والنسائية. ويظل قانون الأسرة هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمان والاستقرار الأسري، الأمر الذي سينعكس بدوره على استقرار المجتمع ككل..
من الضروري التأكيد على أن التغيير لا ينتظر الشروط الثقافية المثالية، بل إن تغيير القوانين هو الذي يؤثر في العقليات والسلوكيات الاجتماعية. فعندما نصدر قوانين تحظر العنف وتكفل المساواة وتحمي من الظلم، فإن ذلك سينعكس على السلوك العام. لذا، يجب أن نسعى لإصدار قانون أكثر عدالة وضمانًا للمساواة من القانون الحالي.
في المقابل، لا شك أن التحولات القيمية التي يعرفها المجتمع المغربي تضعنا أمام تناقض واضح بين نمط تقليدي يحاول الحفاظ على وجوده في الفضاء العام، ونمط جديد يسعى لترسيخ نفسه. مثال على ذلك، حادثة التحرش الجماعي بفتاة في مدينة طنجة مؤخرًا، التي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ تعكس هذه الحوادث معاناة النساء في الفضاء العام، وما يواجهنه من عنف، اغتصاب، أو جرائم باسم «الشرف». كما تُظهر هذه الأحداث التحديات التي تواجه النساء نتيجة الإقصاء والعنف المستمرين.
لقد أصبحت المؤسسات التقليدية عاجزة عن توجيه سلوك الفرد، حيث يميل الأفراد إلى خلق مسافة بينهم وبين هذه المؤسسات، دون إلغاء دورها بالكامل. وهذا ما يفسر ردود الأفعال المرافقة لتلك الحوادث، حيث يخرج الأهل للاعتذار عما يفعله الصغار، حتى وإن كانوا بالغين، ويتحملون أوزار أفعالهم.
وفي ظل هذا التمييز القائم على النوع الاجتماعي، الذي يمارسه المجتمع ضد المرأة، بما في ذلك النساء اللواتي يعتنقن بدورهن عقلية ذكورية، يتعاظم التحدي. وإذا كانت حياة الفرد تتوزع بين الفضاء العام والخاص، فإن المرأة، وبسبب التداخل بين هذين المجالين، تواجه وضعًا معقدًا. فعلى الرغم من ارتباط الفضاء العام بالديمقراطية والحداثة، إلا أن غياب هذين المفهومين يؤدي إلى تهميش حقوق النساء في المواطنة الحقيقية.
أخيرًا، يجب التأكيد على أن حق المرأة في المشاركة بالفضاء العام إلى جانب الرجل دون مضايقات أو اعتداءات يشكل أحد أهم أركان المساواة الحقيقية. هذه المساواة لا تتحقق بمجرد النص عليها في الدستور، بل متى سيتمكن المجتمع من منح النساء المغربيات مكانتهن اللائقة والمحترمة في الفضاء العام؟ ومتى يتوقف الرجال عن اعتبار النساء ملكية خاصة في الشارع؟ ولماذا تُجبر المرأة دائمًا على تقديم أدلة براءتها من تهمة الإغواء في كل تحركاتها؟