أسماء المرابط:البعد الديني الروحاني هو بعد تحرري

مثلما تشرّح كطبيبة إحيائية، خلايا السرطان في الدم، تشرّح، كمفكّرة، خلايا الذكورية في منظومة الفكر الديني وهي لا تتوانى عن الغوص في التاريخ المنسي للنساء، وفي ذلك تستعيد سيرة رابعة العدوية، وتقدم تجلياتها عن القرآن. أسماء المرابط ضيفة حوار.

 يصدر لك، بالتزامن مع شهر رمضان، أول عمل من نوعه لتفسير القرآن الكريم بشكل نسائي جماعي، كيف ولد هذا المشروع المتفرد ؟

يحمل الكتاب عنوان «ثلاثون آية، ثلاثة أصوات، ثلاث نساء»، وسيصدر بالعربية، الاسبانية والفرنسية وكما يشير العنوان، فهو تأليف جماعي: اللبنانية نائلة طبارة مديرة مؤسسة أديان، والباحثة والمتصوفة الإسبانية جارة الله مونتوريول وأنا، وقد ولدت فكرة العمل خلال تواصلنا في فترة الحجر، وأعتقد أنها غير مسبوقة. اختارت كل منا عشر آيات لتفسيرها، علما أننا ابتعدنا عن مصطلحي تأويل أو تفسير لأن للكلمة بعد تاريخي تقليدي، بل نظرنا لذلك «التفسير» كتجليات، ونحن نؤمن أنه لا أحد يمكنه أن ينازعنا الحق في التواصل مع القرآن الذي خاطب به الله الناس جميعا «يا أيها الناس».

لا يوجد أي تفسير للقرآن أنجز من طرف النساء، ربما وجد، لكنه عبر التاريخ لم يبرز، نعرف بأن السيدة «عائشة رضي الله عنها» فسرت بعض الآيات كما ورد في الأحاديت، لكن لا وجود لتفسير كلي مثل تفسير «الطبري» أو «ابن كثير» تم تدوينه وتوثيقه. وأعتقد أن ذلك خطأ فادح، إذ كيف يمكن أن تغيب النساء عن كل هذه الحضارة ؟.يقودنا البحث الى مبادرات بسيطة في مجال التفسير والفقه، ولكن ليس في التدوين بل في الرواية حيث تذكر النساء كمحدثات،  كن حافظات للأحاديث، ولكن عدا علم الحديث وبعض الروايات في التصوف، هن غير موجودات في التاريخ وفي التدوين، بينما بينت الأبحاث -في القرون الأولى- أن العلماء كانوا يذكرون أسماء النساء، فالإمام الذهبي مثلا ذكر 500 اسما نسائيا في القرن 9، ووصل المفكر «أكرم ندوي» من جامعة اكسفورد لما يناهز 8000 اسما لمحدثات، مفتيات وفقيهات ولكن التاريخ تغاضى عنهن. ومادام تاريخنا يهمش النساء، فلن تتغير الذهنية، لأن الثقافة تحتاج لابراز مساهمة النساء في التاريخ وعبر التاريخ. اليوم هناك أبحاث حول الوليات، المتصوفات، أو من كان لهن دور كبير في نقل العلوم الاسلامية والحديث، لكن ذلك يظل قليلا وأكاديميا نخبويا.

 

في هذا الاطار يدخل كتابك الصادر أخيرا عن رابعة العدوية ؟

لم تكن فكرتي في البداية، كانت فكرة دار النشر التي تشرف على سلسلة كتب عن النساء ولديها هاجس النهوض بسيرة النساء، فاقترحوا علي «رابعة العدوية» .كنت شاهدت الفيلم الشهير عنها، وتمثلاتي عنها كانت متواضعة ولا تتجاوز صورة امرأة تعبد الله في «ركنتها»، كما في الأثر الشعبي حين نريد وصف من يواظب على صلاته نقول «بغيتي تولي رابعة العدوية.حين بدأت البحث وجدت قراءات قليلة موثوقة عنها، بينما السرديات التي تحدثت عنها قدمتها كامرأة ذات كرامات (طارت في السما)، وأنا كإنسانة وطبيبة أستحضر العقل في كل شئ ،رغم ايماني بالغيب، فقمت بقراءة أخرى. فقد كانت هناك وقائع عن رابعة تم تأويلها بذاك الشكل، ولكن كلامها كان عميقا اجتماعيا وسياسيا، وينطبق على واقعنا لليوم. لقد رفضت السلطة ومنها سلطة الزوج، ورفضت الزواج وهذا يلتقي مع بعض مطالب الحركات النسائية في الغرب التي طالبت بأن تبقى النساء حرات، في القرن الثامن تحدثت رابعة عن ذلك، وخطب فيها «شكون وشكون» والي بغداد، وقدم بين يديها كل الاغراءات، فرفضت ووجهت اليه رسالة سياسية مفادها أن يهتم بالفقراء، وعوض أن يغريها بالمال، فليعطه لكل الذين ظلمهم وليراجع أعماله. هذه شجاعة سياسية لن نجدها اليوم عند نساء العالم العربي الاسلامي كله. لقد انبهرت بسيرة هذه المرأة التي صورت كعابدة وعاشقة لله، وهذا هو السر الذي أعطاها قوة الشخصية، حبها المطلق لله بدون خوف أو وسيط، عكس عبادة الله اليوم القائمة على منهج الخوف والخطاب المبالغ فيه حول الجنة والنار.

فالبعد الديني الروحاني هو بعد تحرري، وهذا هو ما لا نتعلمه، بل نتعلم فقط بعد الاستسلام، وهذا بعد فقهي تأويلي سياسي، وضع بسبب ضغوط سياسية سلطوية. هذه الروحانية هي ما حررها وأعطاها القدرة لتواجه ايا كان.

ظهرت رابعة بعد 100 عام من موت النبي «ص»، لم تكن حركة التدوين قد بدأت بعد،  في مدينة كانت تضم النخبة من الفقهاء والمتصوفين والأدباء.. وفيها الفن والموسيقى والنقاش الحر: نقاش لا يخطر على بال من يعيش اليوم فكيف لا تتمتع هي بالنبوغ، ومجلسها كان مجلس علم ونقاش في الدين، السياسة الفلسفة ويضم أهم الأسماء الذين انتقدتهم وأخذوا عنها العلم مثل حسن البصري وسفيان الثوري، فكيف يقال أنها كانت تصلي وتقفل الباب عليها، لقد كانت تنتمي لمجتمعها وتعطي أجوبة لهذا المجتمع.

لقد انبهرت بسيرتها، بينما تم تقديمها لنا بصورة أخرى وأتصور أن نساء أخريات في التاريخ كانت قصتهن ملهمة، ولكن لم يذكرن أو بقين منسيات في المجلدات.

 

تشغلك منظومة الأخلاق التي تعتبرين بأنها مربط الأزمة التي يعيشها المجتمع اليوم ؟

تصوري أن العلوم الاسلامية كلها على اختلافها: تفاسير تصوف موعظة علم الكلام..أخذ الفقه مكان كل شئ، وأخذ الناس من القرآن الأحكام فقط، وتركت الأخلاق.ليس هناك علم خاص بالأخلاق ؟ والحال إن علم الأخلاق هو الدين، والرسول «ص» جاء لإتمام مكارم الأخلاق.

مقاصد الشريعة مهمة، ويجب أن تستحضر وبدونها لا روح للفقه، ولا روح للتفسير ولا روح للدين، لكن حين نرى المقاصد التي وقف عندها الفقهاء مثل الشاطبي والأندلسي، نجدها مقاصد عامة كان لها ميزتها في وقتها وسياقها، مثل حفظ الدين، النفس، العرض، العقل، لكن أين حفظ الحرية ومقصد العدل والأخلاق؟ هذا بعد مهم في الدين، وهو بالنسبة الي سبب الأزمة التي نعيشها اليوم. القوانين مهمة وتغير المجتمع ولكنها ليست كافية، بسبب هشاشة الثقافة الدينية، اذ غالبا ما يستعمل «الدين» لتكريس التمييز بين الجنسين.وحين يتلقى الناس «أفكارا وأحكاما» يقود ذلك الى أمرين: الى استسلام سلبي، اذ هناك من يقبل ويسلم بكل سلبية أوهناك -خاصة من الشباب- من يرفض وينفر من دين كله حرج وحرام ولا يقدم أجوبة.لقد أصبح معيار التدين هو المظاهر سواء التعبدية أو اللباس، بينما غيبت المعاملات والأخلاق وهي ما يجب أن يكون المعيار. بدون تعميم- هناك شيزوفرينيا مجتمعية وانفصام في شخصية المسلم والمسلمة، ما بين العبادات والشعائر والسلوكيات والأخلاق اليومية..

«إذا كان الرجال يخشون فقدان امتيازاتهم، فلا عليهم، إذ إنهم سيفقدون معها أعبائهم التقليدية في الوقت نفسه».
تتطابق شهاداتهن إلى درجة لافتة للأنظار، لولا اختلاف أسماء صاحبات القضايا، اللاتي يتحولن إلى أرقام في قائمة طويلة من الملفات بمجرد أن تطأ أقدامهن ساحات المحاكم، بحثاً عن حق كفله لهن القانون.
ينتظر المغرب تعديلات مرتقبة لمدونة الأسرة بناء على توجيهات جلالة الملك محمد السادس.