أكثر من نصف قرن، أكثر من توقف تم عودة وعزم على المواصلة، كيف تسترجع هذا المخاض لأقدم مهرجان للفنون الشعبية المغربية؟
بداية أقول أن المهرجان الوطني للفنون الشعبية بمراكش يمثل ثقافتنا العريقة والأصيلة التي تحافظ على خصوصية بلد هو من أقدم البلدان الحديثة. وقد استمرت أصالة هذه الثقافة بسبب الاستقرار والأمن في البلد. أعود إلى البدايات، فقد تأسس المهرجان بمبادرة من المرحوم محمد الخامس الذي عهد تنظيمه إلى وزارة السياحة، السبب واضح وهو أنه أراد حتى تكون هذه التظاهرة رافدا للتعريف بحضارة وثقفة البلد العريقة سواء للأجانب وحتى المغاربة. هكذا كانت ولادته سنة 1954 وتكلفت به وزارة السياحة إلى حدود 1994. توقفه في هذا الوقت لم يرق لنا نحن كجمعية الأطلس الكبير، فكان اقتراحي للوزير اليساري آنذاك أن نعيد إحياءه بأية تكاليف. رد الوزير الذي كان قد جاء إلى مراكش لترأس بطولة العالم في العدو الريفي، هو أ، أزوره في مكتبه بالرباط. اتستجبت لاقتراحه ومن هناك عدت باتفاقية بين جمعيتنا والوزارة المكلفة لإطلاق نسخة 1999 من مهرجان يمثل ثقافتنا وهويتنا متجسدة في فرق شعبية أصيلة. تحمس السيد الوزير لفكرة إعادة مهرجان الفنون الشعبية لم يصاحبه حماس مادي كبير يرضي رؤيتنا لمشروع يتطلب كلفة مهمة، ورغم ضعف الميزانية التي ساعدتنا بها الوزارة والتي لم تتجاوز مليون درهما، أخذنا على عاتقنا مسؤولية طرق جميع الأبواب الممكنة لإحيائه. دعم وزارة الثقافة في البداية كان ضعيف، وبعد مفاوضات وصل دعمها لنا إلى 150 مليونا. مقابل ذلك دعم معنوي لمشروع إعادة مهرجان الفنون الشعبية من طرف ولاية مراكش. في هذا الوقت كان يهمني كل أشكال المساعدة والاقتناع بأهمية تحصين موروثنا الغنائي من الإندثار. الحماس الكبير والواسع مشجع وهو ما جعلنا، بعد ست دورات من تاريخ عودته، نفتحه على العالمية. الانفتاح على التجارب الثقافية لبلدنا أخرى مهمة، تعكس حوار الحضارات التي نؤمن بها، وتسمح للفرق المحلية مقارنة حمولتها الثقافية والفلكلورية بمرجعيات تراثية من آسيا وامريكا وأوروبا ودول الجوار الافريقي أيضا. عاد إكراه التوقف إلى أقدم تظاهرة في شبكة المهرجانات والتي كانت وحيدة تقريبا باستثناء مهرجان أصيلة. في سنة 2006 كان هنا اجتماع بين الجماعات المحلية والسلطات وأثيرت فكرة تنظيم تظاهرات غير موسمية تجعل للمدينة إشعاعها على مدار السنة، تم تأسيس مؤسسة المهرجانات التي سلمنا لها الشعلة لتنظيم الفنون الشعبية أيضا، لكن تنظيمها له لم يتجاوز مهرجانا واحدا مع أن فكرة تأسيس المؤسسة هو خلق تظاهرات على طول السنة. وبسبب العجز توقف منذ من 2013 الى 2018.
ماذا بعد ذلك؟
الذي حدث هو أن اتصالا من السيد البزيوي والي مراكش في ذلك الوقت أبلغني بضرورة عودة الفنون الشعبية، مؤكذا في طات الاتصال على أن الأمر له علاقة بإرادة سامية لملك البلاد. خضنا ماراطونات كأعضاء جمعية الاطلس الكبير المكونة من أعيان المدينة لوضع ميزانية في مستوى العودة، وفي عمق الرعاية السامية لجلالة الملك للمهرجان. هكذا صار الحدث الكبير هو دورة نصف قرن من مهرجان توقف عدة مرات، والعودة كانت قوية وغنية ومشجعة أيضا لأن الإرادة الأسمى في البلد مؤمنة حد الرعاية التي تعني الكثير.
تتحدث أيضا عن إرادة المنظمين، وإمكاناتهم في الحفاظ على حياة تظاهرة عاشت زمن ثلاثة ملوك؟
أكثر من اعتبار أهمية سنوات وعمر المهرجان الوطني للفنون الشعبية، والذي يجعلنا كمنظمين نبذل جهدا في ربط ذاكرة المهرجانات بهذا الموعد، هناك أهمية العلاقات التي نسجت مع أفراد الفرق الشعبية، يكفي أن أقول بأن من لم يتمكن من المشاركة لسبب من الأسباب يتألم كما لو كان في عزاء. رمزية الموعد بالنسبة للفناني الفنون الشعبية قوية وخاصة. أنا أعتبره صورة مصغرة للمغرب في امتداده، هنا يتكلمون بلغاتهم المختلفة، يلبسون بالطريقة التي يكونون عليها في مناطقهم وقراهم،ويغنون بروح وهوية الجهة التي يأتون منها، لكن عندما يلتقون، يعبرون عن الوحدة والانسجام والارتباط بمكون واحد يغنيه الاختلاف. لهذا لا إحساس لذى الجميع بالاغتراب أمام تنوع الثقافات التي ينتمون إليها حين يلتقون فوق مسارح العرض، ولهذا أحب أن أقربك من هذا الجزء المهم من خلال التوصيات التي تقدم للإدارة الفنية، حيث يتم التركيز على حرية أعضاء الفرق في التعبير والتصرف حسب ما يمليه تاريخهم الفني من حيث الحركات المرتبطة بالرقصة، وما يتم التغني به. هذا يعني أن المخرج الفني يتحكم في الانسجام وضبط وقت تواجد الفرقة فوق مسرح العرض، و توظيف تقنيات الضوء في انتقالهم من مرحلة لأخرى خصوصا للإعلام بمغادرة الخشبة.هنا أعترف بأن لهم تربية وذكاء وحس وملكة فنية كبيرة لأنهم فنانون كبار.
مبادرات تشبيب المجال للحفاظ على الفنون الشعبية ، ما حظها في انشغالاتكم؟
في إحدى مبادراتنا نظمنا مهرجانا للفنون الشعبية خاص بالشباب المتمدرس. وهي محاولة للاشتغال على مستقبل هذه الفنون. تعرفون أنه في بعض المدارس هناك فرق للفنون الشعبية كجزء من نشاطات المدرسة، هذا ساعدنا على تنظيم مبادرتنا بالتنسيق مع المدارس، لكن، لم نستمر في الاشتغال على الفكرة بهذه الطريقة بسبب الحاجز المادي، عائق لم نتوقف عنده، بل طلبنا من الفرق الشعبية الكبيرة أن تشكل فرقا للشباب على أساس تأسيس مهرجانا للشباب على هامش المهرجان الرسمي، ولتشجيع هؤلاء قررنا تخصيص جوائز مادية ومعنوية كتحفيز على الانخراط في مهمة تهم بلدنا ثقافيا. الفكرة انطلقت تجربتها مع فن كناوة، حيث تهييئ الخلف بمواكبة من الخلف قدمت لنا كناوي معلم في سن 25 سنة، وهذا إنجاز سيشمل جميع الألوان الفلكلورية المغربية الأخرى، و يمكنني أن أعدك أنه بعد دورتين من الآن لمهرجان الفنون الشعبية سيكون لدينا مهرجانات للشباب في نفس الفنون بالموازاة مع التظاهرة الكبرى.
حضور النساء الممارسات للفنون الشعبية هل مقنع من حيث الكم اليوم أم هناك تراجع؟
هناك تراجع يعود في نظري إلى التوقفات التي عرفها المهرجان. مع ذلك، هناك رهان على ما انخرطنا فيه بخصوص تحفيز جيل الشباب على التوجه وممارسة الفنون الشعبية. أضن إذا نجحنا في ذلك سوف نتدارك هذا التراجع في العنصر النسائي. بالنسبة لي حريص على استرجاع الثقة والإهتمام بمكون أساسي من مكونات هويتنا المغربية وهو الفنون الشعبية لكل مناطقنا.
على امتداد تاريخ رئاستكم لمهرجان الفنون الشعبية، من الذي طبع أكثر هذا الموعد من حيث الإخراج الفني؟
أحسن مخرج للفنون بصفة عامة، كونه درس الإخراج في الخارج هو المخرج عبد الصمد دينية. السنوات السبع التي رافقنا فيها بإخراجه وتمكنه كانت مميزة وحرفية. هو يعرف كل الفرق عبر المغرب المتنوع، هذا جعله مخرجا ناجحا وعلميا في ممارسة دور، لا يتطلب الميول، بل الحرفية. غير أن وضع المهمة في يد مخرج فني لا يلغي أن لنا أساتذة جامعيين، وفنانين طوروا علاقتهم بالفنون، يقدمون اقتراحات ووجهات نظر تغني الصورة التي يتم عرض مهرجان الفنون الشعبية بها والتي نالت شهرة عالمية.