جرت الكثير من المياه بعد التحول التاريخي الذي أحدثته الخطة الوطنية لإدماج المرأة طيلة العشرية الأخيرة في المجتمع السياسي، تغييرات متعددة رامت تلميع تمثيلية المرأة في تسيير وتدبير الشأن العام المحلي، اذ لم يخل المشهد السياسي من نساء أثبتن بكفاءتهن قدرتهن على تحمل مسؤوليات سياسية جسام.
تروم التمثلات العامة للمفكرين و المشتغلين في الميدان بالمجتمع المغربي، إلى أن المجال السياسي المغربي، عمل على جعل النساء في قلب التنمية الاجتماعية والسياسية ؛من خلال دستور 2011، في المادة 19وتفعيلا لمقتضيات المشروع التنموي الجديد، الذي ينص على مشاركة كل الفاعلين في المسار الديمقراطي بالمغرب، وكذا ضغط الحركة النسائية بالمغرب، مما مكن بالتدرج من رفع التمثيلية النسائية سواء في البرلمان أو المجالس الإقليمية والمحلية وكذا في رئاسة بعض الوزارات ،لتتحول المرأة الى ذات حرة و فاعلة في علاقاتها بمؤسسات و تنظيمات سياسية و أخرى اجتماعية.
إلا أن حضور المرأة في المجال السياسي المغربي تعيقه بعض القيم الثقافية ، والتي تنظر إلى النساء كتابعات وفاقدات القدرة على المبادرة والفعل الحر ويتقوى هذا الخطاب من خلال التنشئة الاجتماعية التي تشتغل عبر قنوات متعددة
تغيب القيم الثقافية السائدة في المجتمع، قدرات وكفاءات المرأة ،وهذه الملاحظة – تستند على دراسة ميدانية مع رئيسات الجماعات الترابية بالمغرب – حيث بينت هذه الدراسة ان المرأة رغم وصولها إلى مناصب صنع القرار، الا أنها لم تستطع تغيير منظومة القيم المحيطة بها ويظهر ذلك من خلال سلوكيات (التحقير، التصغير، التقليل من وضعها الاعتباري. العنف الرمزي .) مما يجعل النساء يمارسن السياسة في مجال محمل بالضغوطات والاكراهات الثقافية.
تاريخيا استطاعت المرأة المغربية منذ التحاقها بفعل المقاومة تغيير منظومة القيم المحيطة بها، وأظهرت أنها تثقن أدوارا أخرى تؤهلها أن تشارك بكل حرية في الفعل السياسي …هذه المشاركة لم تدم طويلا لاعتبارات ثقافية أخرى ارتبطت بالقيم التقليدية للنظام الاجتماعي ، هذا الانفتاح على المجال السياسي غير محور مسؤوليتها من العائلة و الأسرة إلى النظام العام ، وخلق في أحيان أخرى تعددا لمحاور المسؤولية الاجتماعية، ألا أنه من المنظور الثقافي لازالت حرية المرأة مرتبطة في الموازنة والتوافق مع وضعياتها الاجتماعية المرتبطة بالميادين المختلفة بممارستها المسؤولية الاجتماعية منها و القانونية ، و بالتالي فهوامش المناورة داخل المجال السياسي للمرأة في ممارستها الحرية كفعل مرتبط بشروط اجتماعية لا يمكنها أن تشمل مساحات جديدة إلا عبر ممارسة سياسية طويلة الأمد.
رغم ان الأسرة السياسية بالمغرب، اعتبرت القناة الأولى، التي تعلمت من خلالها النساء الفعل السياسي فلعبت دور الدفع والمواكبة وأسست لبوادر الحرية السياسية، إلا أن المرأة خارج هذا الإطار تجد نفسها مقيدة بإكراهات ثقافية ، تعيق فعلها الحر، ويتبين أن هناك انزياح بين ما تتعلمه المرأة داخل الأسرة وما يتأسس ثقافيا خارجها.
يعتبر التعليم أساسي في الحرية السياسية ، فمن خلاله اكتسبت النساء، القدرات والمؤهلات الخاصة بالمعرفة السياسية.استطاعت الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب منذ الاستقلال أن تدمج النساء بالتساوي مع الرجال في مجال التعليم إلا أن هذه المحاولات لم تستطيع الوقوف أمام المد الثقافي الذي يؤكد أن التعليم وحده غير كافي لتغيير منظومة القيم المحيطة بهن.
لعب الحزب كذلك دورا هاما في ترسيخ قيم الحرية، فقد جعل المرأة المغربية تلج إلى السياسة بشكل منظم وهادف. واكتسبت سلوكيات سياسية في التدبير والتسيير بالإضافة إلى الانضباط الحزبي، وهذا ما يجعلنا نقول إن الأحزاب بالمغرب أعطت للمرأة توجها ثقافيا و حرية أكثر للتعبير عن حقوقها،إلا أن هذه القوة لم تساعد على تغيير منظومة القيم المحيطة بهن على مستوى الواقع.
لعب المجتمع المدني كذلك دورا جد مهم في التعريف بالقضايا الكبرى الخاصة بالنساء، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي تعددت الجمعيات ، وأصبح للنساء مجالا خاصا، بعيدا عن الوصايا الحزبية ، إلا أن الجمعيات بالمغرب لم تستطع التأثير بشكل كلي في المجال السياسي .
اعتبرالإعلام قناة أساسية لإظهار القيم التحررية للنساء، فغير نسبيا من الصورة النمطية للمرأة ، وبموازاة ذلك ظلت الكثير من النساء مبعدات عن الإعلام السياسي، فظل الخطاب الاعلامي خطابا مجردا بعيدا عن الواقع الفعلي، وربما شريحة من النساء تكن ضد النساء في كل تغيير خاصة بهن، فنجد أنفسنا أمام خطاب إعلامي جد متقدم وثقافة اجتماعية جد منغلقة على كل تغيير.
كل ما قيل سابقا، يبين أن الحرية كسلوك سياسي، يستدعي قيما ثقافية جديدة، تساعد على التخفيف من حدة الاكراهات والضغوطات، المرتبطة عادة بالنزعة الذكورية للحقل السياسي .
رأي : د. مريم شبار، كاتبة