نخلد هذه السنة اليوم الوطني للمرأة المغربية بما يحمله من دلالات عميقة حيث تم الإعلان في هذا التاريخ من سنة 2003 عن مضامين مدونة الاسرة التي شكلت منعطفا مهما في مجال النهوض بحقوق النساء واستجابة لنضالات الحركة النسائية التي جعلت من تغيير قانون الأحوال الشخصية مطلبا أساسيا لبناء مجتمع ديمقراطي يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة والمساواة
فصدور مدونة الاسرة شكل لحظة فارقة مكنت من خلخلة وضع الدونية الذي كان يكرسه قانون الأحوال الشخصية تجاه النساء وأسس لسلسلة من الإصلاحات شملت المجال القانوني والسياسي والاجتماعي، وتوج هذا المسار بدستور 2011 الذي نص على المساواة والمناصفة وحضر كل اشكال التمييز…
لكن رغم أهمية هذه الإصلاحات فإنها لم تنعكس على أوضاع النساء حيث يشكلن أكثر الفئات المتضررة من الفقر والهشاشة والامية، فحسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين، يحتل المغرب المرتبة 137 من أصل 148 دولة، و143 على مستوى المشاركة الاقتصادية، كما تشير التقارير الرسمية الى ارتفاع معدل البطالة لدى النساء، وانخفاض نسبة مشاركتهن في سوق العمل واستمرار الفجوة في الأجور بين الجنسين وفي الوصول الى مراكز القرار، إضافة الى ارتفاع العنف بمختلف اشكاله في مواجهة النساء واختراقه لكل الفضاءات بما فيها الرقمية في ظل قصور القانون الذي اثبتت كل الدراسات الرسمية او تلك الصادرة عن المجتمع المدني محدوديته في توفير الحماية والتكفل وجبر الضرر للضحايا، وحالة ايمان من تازة التي تعرضت لاعتداء شنيع بالسلاح الأبيض من طرف طليقها المغتصب تختزل كل نواقص القوانين وتناقضاتها، فالقانون الجنائي يمنع اجهاض الحمل ولو كان ناتجا عن اغتصاب ومدونة الاسرة تحرم الطفل المولود خارج الزواج من نسب أبيه ولو كان معلوما، ولا يكون امام الضحايا في هذه الحالة سوى الزواج من المغتصب وتحمل العنف النفسي والجنسي والجسدي،
وتجاوز هذا الواقع يقتضي القطع مع انصاف الحلول والجرأة في الاعمال الفعلي للمساواة من خلال التغيير الشامل والجذري للقوانين الوطنية وملاءمتها للدستور والاتفاقيات الدولية واجتثاث كل مظاهر التمييز والحيف التي تؤطر العلاقة ما الجنسين وتديم التفاوت في الأدوار والمكانات
ويتزامن اليوم الوطني للمرأة المغربية هذه السنة مع المحطة الأخيرة من ورش إعادة النظر في مدونة الاسرة التي نتمنى ان لا تخلف فيها بلادنا الموعد للاستجابة لتطلعات النساء المغربيات للمساواة والكرامة والمواطنة الكاملة، باعتماد قانون أسرى مساواتي يستجيب للتغيرات التي عرفتها أوضاع النساء والأسرة المغربية بصفة عامة، قانون أسرى ملائم لمغرب اليوم،
كما ان التغيير يجب ان يشمل المنظومة الجنائية سواء على مستوى التجريم والعقاب او على مستوى ضمانات المحاكمة العادلة والحق في الانتصاف وجبر الضرر، خاصة بالنسبة للنساء لضمان امنهن وسلامتهن والقضاء على العنف الذي يحول دون تمتعهن بأدنى حق من حقوقهن الإنسانية،
وبطبيعة الحال فان تحقيق التغيير المنشود يقتضي سياسات عمومية شاملة مواكبة دامجة للنوع الاجتماعي في كل جوانبها لتغيير العقليات وتفكيك الصور النمطية والتمثلات الثقافية التي ترعى العنف والتمييز وتبررهما.