العمل عن بعد: هل هو نعمة أم نقمة على النساء في سوق العمل؟

بدا العمل من المنزل خيارا مثاليا لكثير من النساء، إذ أظهرت استطلاعات أجراها مركز بيو للأبحاث أن نسبة كبيرة منهن شعرن بقدرة أكبر على التحكم في الوقت وتنظيم إيقاع الحياة اليومية. لاكن..؟.

هل تشكل بيئة العمل الافتراضية ملاذا آمنا يحرر طاقات المرأة من قيود المكتب وتمييزه؟ أم أنها، في حقيقة الأمر، تخلق نوعا جديدا من العزلة التي تعيد إنتاج التفاوتات القديمة تحت مسمى الحداثة والمرونة؟ هذا الموضوع يناقش المفارقة الكبرى التي تعيشها المرأة بين تحررها الظاهري من مكان العمل وتكبيلها بمكان المنزل وحدود الشاشة.

مرونة مغرية.. ولكن ليست بلا ثمن

في مراحله الأولى، بدا العمل من المنزل خيارا مثاليا لكثير من النساء، إذ أظهرت استطلاعات أجراها مركز بيو للأبحاث أن نسبة كبيرة منهن شعرن بقدرة أكبر على التحكم في الوقت وتنظيم إيقاع الحياة اليومية. كما أتاح هذا النمط للأمهات فرصة التوفيق بين المسؤوليات الأسرية ومتطلبات العمل بدون شعور دائم بالتقصير، في حين ساعد هدوء المنزل بعضهن على تعزيز التركيز وتحسين جودة الإنتاج مقارنة بأجواء المكاتب التقليدية.

غير أن هذه المرونة لم تكن دائما سهلة المنال. فغياب الحدود الواضحة بين العمل والحياة الخاصة حول هذا الامتياز، في كثير من الحالات، إلى عبء إضافي. وتوضح أماني، المقيمة في لندن وتعمل في مجال التسويق: “تساعدني هذه المرونة على الموازنة بين المنزل والعمل، لكنني أحيانا أخصص وقتا أطول لشؤون البيت، مثل توصيل أطفالي أو تحضير الطعام، وهو ما ينعكس على قدرتي على إنجاز أهدافي اليومية في العمل”.

الضريبة غير المرئية للعمل عن بعد

مع الانتقال إلى العمل عن بعد، افتقد كثير من النساء تفاصيل المشهد المهني اليومي: المكتب، الزملاء، النقاشات العفوية، ولحظات النجاح المشتركة. وهذه العناصر الصغيرة تلعب دورا مهما في بناء الهوية المهنية وتعزيز الشعور بالانتماء.

وفق تحليل نشرته “هارفرد بيزنس ريفيو”، يقلل غياب الوجود الجسدي من فرص بناء علاقات مهنية قوية، إذ لا تستطيع الرسائل الإلكترونية والاجتماعات الافتراضية نقل الحضور الإنساني أو “الكاريزما المهنية” التي تخلقها اللقاءات المباشرة. كما أن الهوية المهنية ليست مجرد مهام تنجز، بل قصة مشتركة تبنى مع الآخرين، ومن خلف الشاشة، تصبح كتابة هذه القصة أكثر صعوبة.

فجوة النوع الاجتماعي في بيئة العمل المنزلي

كشفت دراسة مشتركة لجامعتي شيفيلد ودورهام، أعدتها الباحثة مينغان شين والدكتورة إفبراكسيا زاماني، أن النساء العاملات من المنزل يواجهن صعوبة أكبر من الرجال في رسم حدود واضحة بين المسؤوليات العائلية والوظيفية. فالمشتتات المنزلية، وتوقعات الأدوار التقليدية، ترفع مستويات التوتر وتزيد تداخل الأدوار.

في المقابل، أفاد الرجال بقدرتهم الأكبر على الفصل بين العمل والأسرة أثناء العمل من المنزل. وترى الدراسة أن العمل عن بعد يمكن أن يكون أداة فعالة لتمكين النساء، شرط تحقيق توزيع عادل للمهام المنزلية.

الجانب المشرق: حماية من التمييز

على الرغم من التحديات، أظهر العمل من المنزل جانبا إيجابيا لافتا فيما يتعلق بالتمييز القائم على النوع الاجتماعي. فقد كشفت دراسة لجامعة تورنتو (دجنبر 2024) عن انخفاض ملحوظ في نسب التمييز ضد النساء العاملات عن بعد مقارنة بزميلاتهن في بيئات العمل الحضورية.

وأفادت 31% من النساء العاملات حضوريا بتعرضهن لشكل من أشكال التمييز، مقابل 17% فقط بين العاملات عن بعد. ويعكس هذا الفارق دور البيئة المكانية في الحد من السلوكيات التمييزية. ومع ذلك، يحذر الباحثون من اعتبار العمل الرقمي حلا نهائيا، إذ تبقى العوائق الهيكلية داخل سوق العمل قائمة.

التحدي الأكبر: الثقة بالنفس وفرص الترقي

من الناحية النفسية، تشير أبحاث الجمعية الأميركية لعلم النفس إلى أن انخفاض التفاعل الاجتماعي في بيئات العمل الافتراضية قد يضعف الثقة بالنفس ويقلل الشعور بالإنجاز لدى بعض النساء، خاصة في القطاعات التي يعانين فيها أصلا من تمثيل محدود. فغياب التقدير المباشر يجعل الجهود أقل وضوحا، ما ينعكس سلبا على الصحة النفسية على المدى الطويل.

في المقابل، تشير تقارير شركة ماكنزي آند كومباني إلى تراجع فرص ترقية النساء العاملات عن بعد مقارنة بزميلاتهن الحاضرات في مقار العمل، إذ لا يزال كثير من القرارات الإدارية تعتمد على الحضور المرئي والمشاركة اليومية.

تجربة متعددة الأوجه

بين الراحة والعزلة، وبين المرونة والتشتت، يكشف العمل من المنزل عن تجربة غنية ومعقدة للنساء. فهو يفتح أبوابا جديدة للحرية والتنظيم، لكنه يفرض تحديات تتعلق بالظهور المهني، والتوازن النفسي، والعدالة في توزيع الأدوار.

وفي النهاية، لا يتوقف نجاح هذا النموذج على مكان العمل فحسب، بل على قدرتنا على بناء بيئة عادلة ومرنة تدعم النساء، سواء كن يعملن من خلف شاشة في المنزل أو داخل مكتب تقليدي. فالتحول الكبير ليس في المكان، بل في الثقافة التنظيمية والاجتماعية التي تحكم عالم العمل الجديد.

بدا العمل من المنزل خيارا مثاليا لكثير من النساء، إذ أظهرت استطلاعات أجراها مركز بيو للأبحاث أن نسبة كبيرة منهن شعرن بقدرة أكبر على التحكم في الوقت وتنظيم إيقاع الحياة اليومية. لاكن..؟.
يندرج مشروع المرسوم في إطار استكمال تنزيل النصوص التنظيمية المرتبطة بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.
أعلن تحالف فني يضم مجموعة من الفنانين الأفارقة، عن إطلاق أغنية جديدة معدة لبطولة كأس أمم إفريقيا 2025، تحت عنوان "Rise Up Africa".