يسمعها “الكيفان” تعبيرا عن الحب، تسمعه “التبراع” تغزلا وحبا أيضا. يرضيها ب “انحيرة” حين تغضب لتأكيد أنها نصفه الأبدي، ترضيه بجسد مدلل يعرف أن البدوي مأسور بالجمال الخارجي قبل كل شيء. الحب عندهما تميمة، خلطتها اعتراف بقيمة المرأة في مجتمع لا يفرق بينها وبينه في التغزل بالمحاسن. والحصيلة حب أقوى من حب قيس لليلى، وشعر حب لم يقل مثله نزار قباني، فقط لأنه حب صحراوي.
منذ سنة، فرض موضوع “سان فالنتان” أن أبحث في مجتمعنا عن تعبيرات الحب في التداول العامي، وعن كيف ينتقي المغاربة ما يترجم عشقهم وحبهم للآخر. الموضوع كان شيقا لأنه اقتحم منطقة الحرج الذي مازال يلف اللسان المغربي في قول أحبك أمام الملء، أو تأكيد حالة الإحساس بهذا الشعور المختلف بعيدا عن سلطة الثقافي. ومع ذلك أبدعوا في تعابيرهم عنه من العامي العربي إلى الامازيغي بلغته الثلاث السوسية الريفية والشلحة الأطلسية، إبداع أغنى القاموس العامي للحب عندنا من: ثايري،تاسا، أمارك..ثامونت..ثيدوكلة، لبغو، بضاض ..وغيرها من الكلمات أو الرموز التي تحيل إما على الحب أو الحبيبة أوالحبيب. واعتبارا لكون المجتمع الصحراوي له خصوصية تبدأ من طبيعة البيئة إلى ما هو ثقافي ولغوي، ندخل عالم الحب في سان فلانتان عند هؤلاء من بيت الزوجية، متسائلين في البداية : كيف يعبر لها له عن حبه حبها ؟ هل تتعقد الألسن تحت رقابة الثقافي لتجعل غرفة النوم المكان الوحيد للتعبير عن الحب ؟ هل يسبق الحب الزواج بينهما كشرط لارتباط جيل تطوعت أنامله على قول أحب عبر لوحة الكومبيوتر أو النقال وهو يتفاعل في الافتراضي؟ هل تدخل الهدية ضمن أساليب التعبير عن الحب بينها وبيه؟
تاسبنلتاسينبا
“عندنا قصص حب تخطت قصة روميو جوليات، وتجازوت حب قيس وليلى. الحب مترسخ ومقدس عندنا، وعندما يحب الرجل امرأة، تصبح له حياة أخرى”يعود يبغيها” بمعنى الكلمة، ودليل ذلك أنه يسمعها “الكيفان” وهو نوع من الشعر الغزلي الجميل الذي يتغنى بجمال وحسن المعشوقة. والجميل هو أن الصحراوي يسمع محبوبته الكيفان في كل عمر من أعمار زواجهما، بمعنى أنه ندير لها بقول أبيات من هذا الشعر تغزلا فيها في كل مراحل عمرها”. تقول مباركة كايكاي، صحراوية على قناعة بأن الحب الذي ينبت في الصحراء يصعب أن يتعرض لنفس مصير حبات الرمل. حب حقيقي تقول، مصدره القيمة المعنوية التي يمنحها المجتمع الصحراوي للمرأة التي لم تخلق إلا لتكون محور الحب والدلال. “كيمتها ثقيلة”، لسان صحراوي ينطق القاف كاف مثلثة للحفاظ على المعنى الحقيقي للإحساس عبر اللغة المفخمة شيئا ما.
قل أحبك ..
للبيئة الصحراوية خصوصياتها حتى على مستوى العلاقات الزوجية، إذ الزواج ليس مجرد مساكنة وعقد يشهد على أن الإثنين يجمعهما وثاق شرعي واجتماعي، ولا هو التزامات وحقوق لبناء أسرة، بل هو شحنة مشاعر يمكن أن تولد في مجمع “حفل” بقول “الكاف” وهو البيت من شعر الغزل المعروف بالكيفان”. وكما يبنى الزواج على مقدمات غزلية، يبنى أيضا على دراسة التاريخ السلوكي للزوج تحديدا. تقول مباركة : من له سوابق في الضرب لا تقبل به أي قبيلة صحراوية، اختصارا هو غير صالح للمعاشرة بالمعروفة وبالحب، المرأة عندنا لا تضرب، بل تحترم وتدلل. ولأنها تربت على هذا السمو في التعامل لا تقبل حتى بنظرة فيها تقليل من احترامها، لذلك النساء عندنا تغضب باللجوء إلى بيت عائلتها، والغضب يقتضي أداء ما يرجع قيمتهن.”
“ارضى” بتسكين الراء، هو ما يلزم لإعادة العلاقة التي حدث ما يقلل من الحب فيها، “الرجل لازم يجي يرضي مولات خيمتو” تقول مباركة، و”ارضى” يكون ب”انحيرة”، وهي الناقة، وأيضا بقطع من الذهب”. إنها العادات التي تدخل الماديات طرفا في تسوية خلل المشاعر. الوضع غير مختلف عن كثير من المناطق المغربية، حيث الصلح يستوجب ذبح ذبيحة أو ما شابه.
“يا وني”، تعبير يقال للحبيبة، ويعني يا حبيبتي، هكذا يطوع الصحراوي مشاعره لإعلان أحاسيسه لمن ملكتها. لكن الحياء يدبر فضاءات الاعتراف بالحب، ويمارس سلطة الثقافي على كل ما يتعلق بالمحبين، إذ لا يمكن الخروج عن لياقة الحشمة التي تفرض أن يكون صوت المشاعر سريا، وخاصا بعد الزواج. أكثر من ذلك يستحيي الصحراوي من حمل ابنه أمام أصهاره لأنه منتوج للحب تقول مباركة كيكاي.
قولي أحبك ..
تكسيرا للرقيب المجتمعي الذي يبلد مشاعرهن، تغزلت المرأة الصحراوية في حبيبها وزوجها عبر “التبراع ” وهو أسلوب أدبي فرت به من كبت حبها لحبيب خوفا من المحيط. لذلك اكتفت بالتغزل بين صديقاتها قبل أن تتحول الأبيات إلى غناء، يعكس الوضعية العاطفية للمرأة التي عادة ما تكون هي موضوع شعر العاشق. هذه الجرأة كانت معبرة عن قلب المعتاد وهو مبادرة الرجل بالتعبير عن عشقه، لتصبح هي أيضا لماحة بمشاعر العشق تجاه من تحب.
لا تنازل عندهن عن كمياء الحب التي تشبه الروح في الجسد. ولا من ينفي أن عضلة القلب جهاز مغناطيسي يتوقف عندما تجف ينابيع الحب عن الصب فيه، لذلك تظهر المرأة استعدادا لبدء حب جديد لحظة انتهاء زواجها الذي لا يحيل عاطفتها على نهاية الصلاحية. بل إن الحب يبقى، عند أهل الصحراء، معادلا للحياة.