دار بلارج «عش الأمهات الموهوبات»

بمؤسسة دار بلارج، التي تحضن موضوع روبرتاجنا عن الأمهات الموهوبات، وجدناهن قد تجاوزن وصم « بدون» الذي كان يوصم بطائق تعريف بعضهن في زمن ما لأنهن ربات بيوت، حصلن على جائزة المونودراما بقرطاج عن مسرحية كتبنها، شخصنها، وعرضنها فوق خشبة مسرح عالمي. والحصيلة مواهب في فن يصنف أبا للفنون، اشتغلت عليها مؤسسة دار بلارج وأخرجتها من عنق الحومة والدرب وجدران البيوت القديمة التي لم يكن دورهن فيها يقدر إلا ب»بدون».

الوصول إليهن عبر «أسول»، يضطرك للعبور من أحياء ودروب ومعالم تشم فيها رائحة التاريخ وحكايات ناس زمان ومكانة المنطقة استراتيجيا وتاريخيا: جامع بن يوسف، قاعة ابن ناهص رياض العروس، حمام الذهب سوق أهل فاس، قبة المرابطين درب بلبكار، درب الخل وغيرها ، تنتمي مجاليا إلى زاوية الحضر، المكان الذي كان يبيت فيها تجار فاس القادمين إلى المدينة حتى عرف سوقها بسوق فاس. قبل طرق بابها الذي يجر معه حكايات تعود إلى زمن الجينيرال اليوطي، أثارتنا مخلفات زلزال الحوز على واجهات بعض المباني والمآثر القريبة منها، ذاكرة سنة قفزت إلى الواجهة قبل أن تقدم لنا مؤسسة دار بلارج، بدورها، أضرارها الجسيمة، شقوق في حائطين بالطابق العلوي، حدتها عجلت بالإغلاق، والبحث عن سبل ترميم ليس عاديا، إنما يخضع لشروط وضوابط المباني الأثرية العتيقة. سلامة القبو والطابق الأرضي، حيث كانت تجري الأنشطة لم تمنع من توقيف كل نشاط فيها منذ الزلزال إلى اليوم، الترميم مكلف وبشروط تفرض احترام هوية المكان أثريا. «تمت الاستعانة بخبراء، و تدخل شركاء منهم مؤسسة سوزان أليوث بسويسرا.. وعبد اللطيف دار شريفة ايت بن عبد الله الذي قدم لنا دارا للعودة إلى حياتنا الثقافية إلى حين ترميم دار بلارج. مبادرة جعلت الأمهات الموهوبات يواصلن تداريبهن على المسرحية المشاركة في مهرجان مونودراما بقرطاج» تقول مها المادي مديرة دار بلارج. 

 ترميم نفسي 

 ترميم نفسية الإنسان هي أكثر وأعمق من ترميم شروخ جدران وعمران. لذلك كان لا بد من «ترميم مستعجل لنفسيتنا من أثر الزلزال»، الكلام ل» مها» مهندسة ورشة الأمهات الموهوبات متحدثة عما تطلبه الوضع من هندسة القادم بحدود الكائن والممكن إلى حين الانتهاء من ترميم دار البلارج، الأخيرة فتحت أبوابها، لاستقبال الموسم الثقافي الجديد، وإعادة الأمهات إلى أنشطة هي من أبعدتهن عن الأسوأ وهو الانعزال بين أربعة جدران في مهمة أشبه بحكم سجين بالأعمال الشاقة:» بعد وفاة سوزان صاحبة دار بلارج، أسست ورشة اسميتها ورشة الأمهات الموهوبات، أثار الإسم، في البداية، شركاءنا في هذا المشروع، واقترحوا اسم المرأة أو النساء بدل الأمهات، وجدت الاسم متداولا ومستهلكا، بالمقابل، الأم الموهوبة فيه إحالة على المادي واللامادي، الأرض والخيال والواقع.. هي الكل : أنا وأنت، اليوم والمستقبل، هي في ثقافتنا متحف كبير، وعاء من الإنسانية قادر على إمدادك بغنى غير محسوب على « هذا كل ما يوجد» خزان الأم لا ينبض، وأنا راهنت عليه لإخراج أقصى ما يمكن من غناه. لم أخطأ، بدليل وضعية ونفسية وإنجازات موهوبات دار بلارج اللائي انخرطن سواء في ورشة المسرح، أو السينما أو التصوير وحتى من شاركن في لقاء شخصية ملهمة.. استطعن تغيير واقعهن انطلاقا من تغيير مستوى تفكيرهن.» تقول مها المادي التي حملت على عاتق الدار ترسيخ وتوسيع ثقافة الحومة، واسترجاع تقاليد البيت البلدي القديم الذي كان نساؤه ينخرطن في حرف بالموازاة مع ممارسات ثقافية تقليدية، من نفس هذه الأجواء الأسرية استلهمت ما يسمى بالحريم، لكن بمعناها الإيجابي لا السلبي. نساء في بهو الدار، السقف مفتوح كما البيوت البلدية وهن ما بين الحرف وأداء فن من الفنون : الحضرة المديح المسرح الحكاية. وغيرهم, يرفعن معنويتهن.

الموهوبات…

 «جئت من تاحناوت إلى مراكش بعد الزواج. وضعيتي التعليمية كانت في مستوى الصفر، لا أعرف السبب رغم أني أحببت لو كنت متعلمة. وضعي تسبب لي في خجل وعدم ثقة في نفسي لدرجة أنه كلما أردت الحديث علق الكلام بحنجرتي، كل شيء متعلق بالتواصل يرهقني ويحرجني ولو أني أنجبت أبنائي. هذا إحساسي. وربما كان دليلي للبحث عن حل، والحل لم يتجاوز بالنسبة لي تعلم القراءة وأشياء تحرك سكوني. بالصدفة سمعت إحدى نساء الحومة تتحدث عن دار بلارج التي لم تكن بعيدة عن حومتي بابن يوسف. لم أنتظر  ذهبت في الحين لم أجد أحدا، في الغد طرقت الباب، لمجرد دخول فناء المؤسسة أحسست بنفس إحساس الجلوس في زاوية « الكلام لنجمة 58 سنة، أم لم تنسى الجلسة الأولى مع مها المادي وبعدها جلسة مع أستاذ المسرح سعيد شاكور. انخرطت مع النساء الموهوبات في المسرح بتحفيز منهما، والنتيجة : فكت عقدة لساني، وطورت مؤهلاتي إلى حد الاستفاذة من ورشة الإخراج الفيلم الوثائقي والمونتاج.. حتى عندما أجد صعوبة في المشاركة في كتابة موضوع عمل مسرحي حسب المطلوب مني أشعر أني أكتب في داخلي : كنشد الورقة، اتهجى، وأعبر» . تقول نجمة التي انتسبت إلى الأمهات الموهوبات منذ 2012 وتدين للورشة بتغيير حياتها بدء من تعاملها مع أبنائها وزوجها، إلى الوقوف فوق خشبة المسرح والتعبير وأداء دور دون تلعثم وخجل، والأهم تعلم القراءة والكتابة حتى باتت دار بلارج: داري الثانية». تقول نجمة.

تنمية ثقافية

لم تنسى إدارة المؤسسة عرابتها مهندسة الديكور سوزان أليوت، السويسرية التي كانت تملك كل شيء لشراء فضاء من أجل يتامى المدينة، المبدأ عندها هو تنمية الإنسان والتكفل بالضعفاء. قرار اتخذته في زيارة عمل لمراكش. لكن الأخيرة  سحرتها سحرا لعب بعقلها ومصيرها فقررت البقاء بها لترويض عاطفتها أكثر على التضامن والمآزرة. كان اليتامى في بال سوزان إلى أن سرقت الثقافة عاطفتها و زاحمت فكرتها الأولى بعدما قدم لها السفير الألماني بالمغرب ما يفيد أن كفة اليتم الثقافي أكثر وأشد من يتم الأطفال. تغيرت وجهة المشروع إلى التنمية الثقافية بمجرد ما اشترت، سوزان، دار بلارج التي كانت مستوصفا لعلاج اللقلاق في زمن ما، واحتفضت، في تسميته، بدوره السابق كمستقرا لطيور اللقلاق المهاجرة مفضلة التسمية المغربية : بلارج، فضاء للثقافة وصيانة لها من امتداد التراجع والتغافل لم يتوقف بعد وفاتها، بل عززت الدار من مبادرات وورشات في مختلف الفنون التي كانت تستثير الأجمل ما فيها،  من خلفت سوزان و هي «ماها المادي». ابنة المدينة القديمة والعارفة بالذي ترمز إليه عيون الساكنة من احتياج وثروة ثقافية لا تتنازل عن طريز الكلام، وصنعة زمان، وهي مواهب متأصلة في البهجاويين.

 

 

لحظة فارقة

 العودة إلى الأمهات الموهوبات بدار بلارج تقف بنا عند رشيدة، واحدة من الموهابات الاستثنائيات. تميزها لم يكن ما أبدته من مهارة فوق خشبة مسرح يحتاج لجرأة وقوة المريدين، بل لأنها كانت تسكن حصص العلاج الكيماوي بالارتماء في حضن الدار، الدار مسكن لآلام سرطان أصاب ثديها. في البداية لم تكن تعرف من مرضها إلا أنها مصابة بالاكتئاب، والاكتئاب أقعدها في البيت حتى بلغت 114 كلغ ولم تعد تميل إلا للانعزال. في إحدى الفحوصات تبين أن السرطان زحف إلى ثديها وهو في بدايته، ومع كل حصة علاج كمياوي، كانت رشيدة تعود للبيت غارقة في السوداوية وانتظار الموت، واللحظة الفارقة بين انتظار النهاية والأمل كانت إعلانا عبر الفايس من صفحة أستاذ المسرح بدار بلارج عن فتح باب الترشيح في المسرح، مرفوقا بملصق لنساء في سن كبيرة، « أرسلت رسالة عبر الميسنجر لمعرفة التفاصيل فجاء الجواب بزيارة دار بلارج في الغد. لم أتردد رفقة صديقة لي، وهي الخطوة التي أبقت أفكاري السوداوية بعيدا عن عتبة الدار. كل شيء تغير من لحظتها، انخرطت في فرقة المسرح ومع مجموعة الحضارات والمادحات، وصرت آمل، في كل مرة، أن أموت فوق الخشبة من شدة إعجابي بالتجربة. الأمر لم يكن بهذا الاختصار، بل إنه بعد كل حصة «شيميو» أتوجه إلى الدار، آخذ مكاني وأتابع التداريب كما لو كنت أخرس الألم، وبالفعل لا أحس بما كنت أحس به سابقا عندما أنتهي من الحصة وأذهب للبيت بنفسية تتوقع الأسوأ وهو الموت». تقول رشيدة التي لم تنس كيف كانت تقاوم وضعها الصحي الذي ألزمها باستعمال العكاز، والمقاومة تحدي أكبر بلغته بالتخلي عن دعامة العكاز وهي تؤدي دورها في مسرحية «اعتزلت الغرام»، والجميل حضور والي مراكش ومسرحيين كبار، وقوفهن فوق ركح يذكر بكبار مسرحيينا.

 نقص وزن رشيدة حتى بلغ 74 كلغ، تغيرت نفسيتها، أبعدت عنها التفكير في الموت، صار مشروع مستقبلها أن تكتب مسرحية حياتها وتشخصها بعنوان فيه اعتراف العمر: «حكايتي مع دار بلارج»، المؤسسة التي تقول أنها عالجتها وعالجت أسرتها التي تعالجت بدورها، الأخيرة بدأت تحضر لمتابعة عروضها في ورشة الأمهات الموهوبات، وتصفق لمريضة سرطان، كانت مكتئبة، بدينة، سوداوية، تغيرت أجواؤها الداخلية والظاهرية مائة بالمائة وصار طموحها أقوى من مرض خبيث: «الشيميو كيدمر، دار بلارج كتعالج»، كلام واحدة من 35 أم موهوبة، كسرت الورشة، التي دخلنها بمحض الحاجة إلى قوة اعتراف، أدوارهن التقليدية الشبيهة برحى كانت تطحن شحنة الطاقة الايجابية فيهن. في دار بلارج، أعدن دروس الأوائل : الصنعة إلى ما غنات تكسي وتستر، واحدة من فلسفة التأهيل في المهن والحرف التقليدية التي تشتغل عليها الدار بالموازاة مع تأهيل الأمهات الموهوبات في اللغات الأجنبية، في التواصل، في المهارات الفنية والغنائية، والأهم في شحن الداخل بما يلزم من أجل التوازن في الحياة. 

لا يخلو فضاءهن من رائحة الدار البلدية التي يحافظن فيها على واحدة من موروثات زمان وهو طريز لكلام. كما لم يتخلين عن مبادرات تحفظ للمراكشيين ذكاءهم في تحصين تقاليد البهجة، والفرجة، والالتفاف حول قاموس لغوي يعترف لهم ب: المراكشي جوابو على نابو والمراكشي قشابتو واسعة غير جي يا فم وقول.. هكذا تخرج بهن مؤسسة دار بلارج عن الروتين وقهر النمطي وهي تبدع بين نسائها : قصعة فش الكلب»القلب» الكاف بثلاث نقط، حصة فيها البسط و «المعقول» بين عضوات ينتمين لمجال بمنسوب غنى لا حدود له، طريقة تستعين بالقاموس التقليدي بدل قواميس مخترعة ومكلفة نفسيا ولغويا، الهدف ليس هو الالتفاف على وليمة، بقدر ما هي حصة لنقاش مشاكل قد تكون شخصية، وقد يتم تحديد موضوعها مسبقا» تقول « مها المادي»مدير الدار.

تجسد هذه الحملة، التي أطلقها المرصد الوطني لحقوق الطفل تحت شعار “لنعمل معا”، بإشراف من صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، عزم المغرب على حماية أطفاله من التنمر المدرسي، الآفة العالمية التي تتطلب التزام الجميع.
يعد المسرح الملكي الرباط بتجربة ثقافية غامرة من خلال برمجة غنية تشمل احتضان أحداث ثقافية وطنية ودولية، بما يسهم في إثراء المشهد الثقافي للرباط والمغرب بأكمله.
منذ انطلاقته، دأب المهرجان الدولي للفيلم بمراكش على تكريم الأسماء اللامعة في عالم السينما، مما يعكس التزامه بتعزيز الثقافة السينمائية على الصعيدين الوطني والدولي.