كشف تقرير جديد صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان عن فجوة عميقة بين رغبات المغاربة وإمكانياتهم في هذا المجال. التقرير، الذي شمل 14 دولة بينها المغرب، أظهر أن نسباً كبيرة من السكان يعانون من عوائق تحول دون تحقيق تطلعاتهم الأسرية، سواء في توقيت الإنجاب أو عدد الأطفال.
على الرغم من تصنيف المغرب ضمن الدول ذات “المعدل الإجمالي العالي للخصوبة”، إلا أن الواقع يخفي معاناة يومية للأسر. فقد أظهرت النتائج أن نصف المغاربة (50%) غير قادرين على الإنجاب في الوقت الذي يريدونه، بينما تعرض 40% منهم لحمل غير مرغوب فيه.
هذه الأرقام تطرح تساؤلات جدية حول مدى توفر الخيارات الحقيقية للأفراد في مجال الصحة الإنجابية.
النساء الأكثر تضررا : 88% تعرضن لقيود إنجابية
تكشف الأرقام التي قدمها التقرير عن معاناة تعيشها النساء المغربيات في مجال الصحة الإنجابية، حيث أفادت 88% من المستجوبات بتعرضهن لشكل من أشكال القيود المفروضة على خياراتهن الإنجابية، مقابل 69% فقط بين الرجال. وتتجسد هذه المعاناة في عدة أوجه، أبرزها الضغط المجتمعي المتواصل سواء لدفعهن للإنجاب أو لتأجيله، وصعوبات كبيرة في الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة المناسبة. كما تعاني نسبة كبيرة منهن من عدم القدرة على رفض العلاقة الحميمة حتى في حال عدم الرغبة فيها، ناهيك عن محدودية الخدمات الصحية المتوفرة في هذا المجال والتي تبقى دون مستوى التطلعات. هذه العوائق المتشابكة تخلق واقعا مريرا يحرم المرأة المغربية من أبسط حقوقها في اتخاذ قراراتها الإنجابية بحرية ومسؤولية.
العامل الاقتصادي : الحاجز الأكبر أمام التخطيط الأسري
يبرز العامل الاقتصادي كأبرز التحديات التي تواجه المغاربة في تحقيق تطلعاتهم الإنجابية، حيث كشف التقرير أن 47% من المشاركين في الدراسة يرون أن الصعوبات المالية تشكل العقبة الأساسية. وتأتي في المرتبة التالية مشكلة ارتفاع تكاليف السكن والإيجارات التي تؤثر على 20% من الأسر، بينما يعاني 15% من انعدام الاستقرار الوظيفي الذي يحد من قدرتهم على التخطيط لمستقبل عائلي. كما أشار 11% إلى نقص خدمات رعاية الأطفال كعامل مثبط للإنجاب.
التحديات الاجتماعية ودور الشريك
كما كشف التقرير عن معطيات تتعلق بالديناميكية الأسرية، حيث اعتبر 13% من المستجوبين أن عدم مشاركة الشريك الكافية في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال يشكل عائقاً أمام قرار الإنجاب. في حين عبر 8% عن تأثر خياراتهم الإنجابية بالمخاوف السياسية والاجتماعية السائدة.
ظاهرة الحمل غير المخطط : مؤشر على قصور الأنظمة
تصل نسبة حالات الحمل غير المرغوب فيه في المغرب إلى 40%، وهي نسبة تكشف عن اختلالات عميقة في منظومة الدعم الصحي والاجتماعي. ويرجع الخبراء هذه الظاهرة إلى ثلاث مشكلات رئيسية: ضعف البنية التحتية للخدمات الصحية الإنجابية، ونقص البرامج التوعوية الفعالة، بالإضافة إلى استمرار التمييز بين الجنسين في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة الإنجابية.
رؤية مستقبلية: نحو تمكين حقيقي للأسر
يقدم التقرير جملة من التوصيات الهامة لمعالجة هذه الإشكالات، حيث يدعو إلى إصلاحات جذرية في السياسات الصحية مع التركيز على تحسين جودة الخدمات المقدمة. كما يوصي بضرورة تعزيز الوعي المجتمعي وتبني برامج دعم مالي تستهدف الأسر الشابة. ويؤكد الخبراء على أهمية مواجهة الضغوط الاجتماعية التقليدية التي تقيد الحرية الفردية في اتخاذ القرارات الإنجابية.